سنة 2024 العاصفة بالشرق الأوسط وسيناريوهات 2025 المقلقة

آلاف السوريين في ساحة الأمويين بدمشق اليوم احتفالا بجمعة التحرير
آلاف السوريين في ساحة الأمويين بدمشق اليوم احتفالا بجمعة التحرير
آلاف السوريين في ساحة الأمويين بدمشق اليوم احتفالا بنجاح الثورة (الجزيرة)
آلاف السوريين في ساحة الأمويين بدمشق اليوم احتفالا بنجاح الثورة (الجزيرة)

أسدل ستار المشهد الأخير من سنة 2024 بالفصل المدهش وغير المتوقع في مجريات العام العاصف، إذ مثّل سقوط نظام عائلة الأسد -الذي استمر لأكثر من نصف قرن- خلال 12 يوما حدثا مدويا بمجرياته وأبعاده الإقليمية وتبعاته المستقبلية.

ويذهب كثيرون إلى تشبيه ما حصل في سوريا بالانقلاب الجيوسياسي، واعتباره الحدث الأبرز خلال العام، فقد حوّل الأنظار إلى دمشق، لكنه لم يغطِ على المجازر الإسرائيلية في غزة بأحداثها اليومية الدامية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

فقد أدى التغول الإسرائيلي غير المسبوق في غزة ولبنان وحربها متعددة الأبعاد والأساليب بشكل أو بآخر في المنطقة إلى سلسلة من التغييرات العميقة التي طالت موازين القوى الإقليمية، ومن شأنها أن ترسم معادلات الصراع خلال عام 2025، وربما بعدها لعقود.

إسرائيل مارست حربا وحشية غير مسبوقة ضد الشعب الفلسطيني (الفرنسية)

غزة.. قلب المعركة وبوصلتها

لم تكن الحرب الإسرائيلية على غزة هي الأكثر دموية ووحشية ضد الفلسطينيين في تاريخ الصراع فحسب، بل كانت الأطول على خلاف العقيدة العسكرية الإسرائيلية، والأكثر وضوحا في تسويغ الإبادة ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية ورسم معادلات جديدة في غزة أو الضفة الغربية وفي الإقليم بشكل عام كما أرادها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

حوّل نتنياهو المأزوم داخليا بالملاحقات القضائية والمحاط بحكومة يمينية متطرفة هجوم "طوفان الأقصى" الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى خطة للتدمير ومشروع لبناء ما سماه الشرق الأوسط الجديد، وذلك من خلال شن الحرب على "7 جبهات" استطاع -وفق تقديره- أن يفرض فيها قوة الردع الإسرائيلية.

نتنياهو عرض خريطتين لدول (اللعنة) بالنسبة للإسرائيليين، ودول (البركة) وفي كليهما ظهرت الضفة الغربية وقطاع غزة كجزء من إسرائيل
نتنياهو يعرض خريطتين تظهران الضفة الغربية وقطاع غزة كجزء من إسرائيل (مواقع التواصل)

بلغ عدد ضحايا الحرب العدوانية السافرة على غزة نحو 46 ألف شهيد ونحو 108 آلاف جريح منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، إضافة إلى دمار غير مسبوق في غزة شمل كل مناحي الحياة، وصنفت الأعمال الإسرائيلية في غزة جرائم حرب وإبادة.

ومع كل ذلك العنف الممنهج فشلت محاولات إسرائيل في تهجير الفلسطينيين من غزة وفي تحطيم إرادة المقاومة وإخضاعها لشروطها وفي إطلاق الأسرى والمحتجزين أو إنهاء حركة حماس، لكن الأثمان كانت بالغة القسوة، وسط صمت دولي، أو تحركات بدت عاجزة أو قليلة الحيلة تجاه التوحش الإسرائيلي الذي فضحته التقارير الدولية.

كما فشل المجتمع الدولي بشكل ذريع في إيقاف المجازر الإسرائيلية رغم انقلاب الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، وإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بتهم ارتكاب "جرائم حرب" في غزة.

وتستمر المجازر الإسرائيلية في غزة وسط تعثر المفاوضات وانهيار الصفقات، بسبب تعنت إسرائيلي مقصود وممنهج، إذ إن مشروع نتنياهو كان يهدف إلى كسر حلقات المقاومة -على اعتبار أنها تأتي ضمن محور إقليمي- وإعادة احتلال غزة والضفة الغربية.

وكان اغتيال قادة المقاومة من صالح العاروري (الثاني من يناير/كانون الثاني 2024 بهجوم في بيروت) ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية (31 يوليو/تموز بطهران 2024) ورئيسها اللاحق يحيى السنوار (16 أكتوبر/تشرين الأول 2024 في غزة)، إضافة إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله (27 سبتمبر/أيلول 2024) وقادة آخرين ضمن خطة تقوم على إضعاف بنية المقاومة من خلال قطع الرؤوس ثم بتر الأطراف وعزل إيران، وفق الإستراتيجية الإسرائيلية.

ويرى نتنياهو أنه أنهى فعليا ما سماها وحدة الساحات، وفرض حقائق القوة عبر حملة التدمير المتواصلة في غزة والهجوم على إيران التي يبقى ردها معلقا، وإجبار حزب الله على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي سيجعل الحزب معزولا في إطاره اللبناني ربما على المدى المنظور، كما مثّل سقوط نظام الأسد في سوريا -على الأقل كممر للسلاح والعتاد- ضربة إستراتيجية لإسرائيل، في حين تبقى إيران معزولة تحصي خسائرها، وفق المحللين.

ومن شأن التغيير الجوهري الذي جد في المنطقة وأفرز واقعا إقليميا معقدا أن يحد من خيارات مقاومة الفلسطينيين في غزة، وكذلك في الضفة الغربية، لكن حالة الصمود المستمرة للمقاومة كخيار تاريخي وإستراتيجي للشعب الفلسطيني والخسائر التي منيت بها إسرائيل -رغم التعتيم- والضغوط الدولية على نتنياهو قد تفرز واقعا جديدا، لكن كل ذلك يبقى معلقا بعام قادم مليء بالتحديات أكثر من الفرص.

مرهف أبو قصرة (يمين) مع أحمد الشرع في أثناء اجتماع الفصائل العسكرية حول شكل المؤسسة العسكرية في سوريا بعد خلع الأسد (إدارة العمليات العسكرية -تلغرام)
أحمد الشرع (وسط) أكد أنه يسعى للتخلص من وصمة الماضي وبناء سوريا الجديدة (وسائل التواصل)

سوريا والهزة الارتدادية

مثّل سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر/كانون الأول وسيطرة المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام على دمشق هزة ارتدادية كبرى تبعت ما جد في المنطقة طوال عام وما قبله، وخطَّ فصلا جديدا في تاريخ الشرق الأوسط يشي بتحول جيوسياسي عميق، لما لهذا النظام من تقاطعات وتداخلات وتحالفات في الإقليم.

ولم يكن انهيار نظام بشار الأسد -الذي كان متآكلا ومهلهلا وفقد قابلية الاستمرار منذ زمن- مجرد حدث سياسي أو عسكري، بل عُدّ لحظة مفصلية عكست بشكل ما التحولات التي شهدتها وتشهدها المنطقة بما فيها الحرب الإسرائيلية في غزة وعلى حزب الله في إيران، وسط صراعات متشابكة ومصالح دولية متقاطعة.

وعلى وقع هروب الأسد والتغيير الهادئ والاستقرار -الذي لم يكن منتظرا- بعد انهيار النظام تشكلت إدارة جديدة في سوريا برئاسة القائد العام لإدارة العمليات العسكرية للمعارضة السورية أحمد الشرع وحكومة جديدة بقيادة محمد البشير، وسط ترحيب دولي لافت وترقب حذر لمجريات الأمور ومآلاتها.

وبدأ النظام الجديد بإعادة ترتيب البيت الداخلي، في ظل جملة من التحديات والصعوبات السياسية والاقتصادية لإعادة بناء دولة شبه منهارة لكنها محورية في المنطقة، ويبقى تطور الوضع في سوريا على الصعيد الداخلي سياسيا واقتصاديا، ومدى استقرار النظام الجديد ودوره ضمن خارطة التحالفات والنفوذ في المنطقة، وطبيعة انخراطه في نظام إقليمي جدي مثار أسئلة مفتوحة برسم العام الجديد.

Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu stands with U.S. President Donald Trump after signing the Abraham Accords, normalizing relations between Israel and some of its Middle East neighbors, in a strategic realignment of Middle Eastern countries against Iran, on the South Lawn of the White House in Washington, U.S., September 15, 2020. REUTERS/Tom Brenner TPX IMAGES OF THE DAY
عودة ترامب (يمين) إلى رئاسة الولايات المتحدة تغري نتنياهو بالمضي في نهجه العدواني (رويترز)

بين الاستقرار والانفجار

أفرزت الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان والتصعيد مع إيران وفي اليمن وسقوط النظام في سوريا مشهدا جديد للإقليم.

ويرى محللون أن إيران كانت "الخاسر الأكبر" في "مواجهة العام" بعد إضعاف أذرعها وحلفائها من قبل إسرائيل أو انهيارهم كما حصل في سوريا، وهو ما سيجعلها معزولة أمام التهديدات الإسرائيلية المستمرة بشن هجوم عليها باعتبارها "رأس محور المقاومة".

ويعتقد محللون أن طهران -التي فقدت جزءا كبيرا من نفوذها وأوراقها في المنطقة إن لم تكن قد خرجت منها- أمام خيارات صعبة عام 2025 تتراوح بين مواصلة "لعبة حافة الهاوية" مع إسرائيل مع مخاطر نشوب حرب كبرى بالمنطقة أو القبول بصفقة غير مضمونة تتنازل بموجبها عن طموحاتها النووية، خصوصا وهي في حالة ضعف، أو اللجوء إلى خيار تصنيع السلاح النووي، وهو الخط الأحمر الذي لن تقبل به إسرائيل ولا الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب.

ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2025 يرجح أن يأمل نتنياهو في نيل الضوء الأخضرالأميركي للمضي في الضغوط القصوى على إيران، والدعم لسياساته الاستيطانية وحربه في غزة والبقاء في الأراضي التي احتلتها مؤخرا في سوريا ومزيد التصعيد ضد الحوثيين في اليمن.

وتنظر إسرائيل بقلق بالغ وحيرة إلى جبهة الإسناد التي فتحها الحوثيون ضدها في البحر الأحمر، ثم تصاعد ضرباتهم الصاروخية التي طالت مدنا ومرافق إسرائيلية، وفشلت تل أبيب في اعتراض العديد من الصواريخ والمسيّرات، كما فشلت في ردع الحوثيين بهجومين مباشرين على الحديدة وصنعاء.

وبالنسبة لنتنياهو، تبقى "الجبهة اليمنية" هي الحلقة الأخيرة الساخنة ضمن "حزام النار"، وهو ما قد يجعلها محور تركيز إسرائيلي وأميركي أيضا خلال عام 2025، في ضوء تهديدات إسرائيلية بتكثيف الهجمات وربما التدخل مباشر بإسناد أميركي.

ويبحث نتنياهو عما يسميه "نصرا كاملا" خلال سنة 2025 ضمن الأهداف الرئيسية التي يتقاسمها مع اليمين الإسرائيلي بتغيير شكل الشرق الأوسط بفرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة، وإعادة الاستيطان في قطاع غزة، ومهاجمة إيران وإنهاء برامجها النووي، لكنه يبقى بحاجة لتأييد من الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب الذي لم تتضح سياساته في المنطقة بعد.

ويرى محللون أن عودة ترامب وسياساته وتوجهاته ستعد "حجر الرحى" في تشكيل المشهد الجديد بمنطقة الشرق الأوسط والعالم، وفي تذكية الصراعات أو ضبطها، مع شكوك تعتري المحللين والمراقبين في إمكانية كبح جماح إسرائيل.

ويمكن قراءة عام 2024 في منطقة الشرق الأوسط باعتباره عام التحولات الكبرى والعاصفة يراها المحللون بكونها قد تفتح الباب أمام آمال ضئيلة في الاستقرار واحتمالات كبيرة للانفجار ومزيد من التغييرات الجيوسياسية.

المصدر : الجزيرة