في صبيحة 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، خرج الفتى باسل سليمان أبو الوفا من منزل ذويه في مدينة جنين للهو مع أقرانه في حي البساتين. بعد دقائق من خروجه، وخلال مرور دورية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، دوت أصوات الرصاص في الحي الذي يقيم فيه الفتى ذو الـ15 عاما ومن دون سابق إنذار. وعندما خرج ذوو باسل من منزلهم للاطمئنان عليه وجدوه مصابا بعدة رصاصات اخترقت صدره، ولم تمهله طويلا رغم نقله إلى المستشفى.
بعد هذه الواقعة التي وثقتها كاميرا مجندة إسرائيلية، حصلت واقعة مماثلة في اليوم ذاته والمدينة ذاتها والتوقيت نفسه تقريبا، عندما أردى جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي طفلا آخر من جنين في الثامنة من عمره يدعى آدم سامر الغول، برصاصة في الرأس.
المفارقة أن واقعتا القتل العمد لطفلين فلسطينيين وقعتا خلال أسبوع الهدنة الإنسانية التي أوقفت مؤقتا حربا إسرائيلية شرسة شنتها إسرائيل على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وباسل وعمر هما اثنان من أصل 275 فلسطينيا (63 منهم أطفال) قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في أنحاء الضفة الغربية بعد الهجوم الذي شنته كتائب القسام وفصائل المقاومة الأخرى داخل إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
علما بأن الحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع بعد ذلك التاريخ حصدت لغاية أواخر ديسمبر/كانون الأول نحو 21 ألف شهيد بينهم 7700 طفلا. أما في الضفة الغربية التي تتواصل فيها مذبحة إسرائيلية صامتة منذ بداية العام 2023 فبلغ عدد الفلسطينيين الذي استشهدوا 483 وجرح 12 ألفا و769 آخرين برصاص الجيش والمستوطنين.
ومثلها مثل قطاع غزة تخضع الضفة الغربية للاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967، لكنها رغم قربها جغرافيا منه حيث لا تتعدى المسافة بينهما 34 كيلومترا فإنها تفتقر إلى التواصل الجغرافي مع القطاع المحاصر منذ 17 عاما.
واستنادا إلى أحكام اتفاق أوسلو الموقع عام 1993 بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية وملحقاته تشكلت سلطة فلسطينية محدودة في الضفة وغزة على أن يتغير هذا الوضع خلال 5 أعوام. لكن ما حصل أن إسرائيل عرقلت تنفيذ الاتفاقيات مما أبقى الضفة الغربية مقسمة عمليا إلى 3 مناطق.
ورغم أن مدن جنين وطولكرم ونابلس تقع ضمن مناطق أ حيث السيطرة الفلسطينية الكاملة فإنها تتعرض بانتظام إلى غارات يشنها الجيش الإسرائيلي. علما بأن إسرائيل منذ احتلالها للضفة الغربية عام 1967 شنت نحو 170 ألف "عملية تفتيش واعتقال" في أنحاء الضفة الغربية طالت نحو 800 ألف من سكانها.
في هذه السنة وحدها قتلت القوات الإسرائيلية 137 فلسطينيا في جنين و88 في نابلس و55 في طولكرم.
بين الأول من يناير/كانون الثاني والسادس من أكتوبر/تشرين الأول استشهد 208 فلسطينيا، بينهم 48 طفلا في أنحاء الضفة الغربية، مما يجعل العام 2023 الأكثر دموية.
وبينما كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تدك بصواريخها منازل القطاع الفلسطيني المحاصر كان الجيش الإسرائيلي يقوم بعمل مماثل مستخدما قواته البرية. وشن الجنود الإسرائيليون خلال هذا العام ربع الغارات التي شنوها على مدن الضفة الغربية ومخيماتها خلال 20 عاما.
استشهاد أكثر من 100 طفل
في العاشر من ديسمبر/كانون الأول وصل عدد الأطفال الشهداء من الفلسطينيين الذين سقطوا برصاص الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين إلى 106، وهو ما يمثل 3 أضعاف عددهم في العام 2022. أصغرهم يدعى هيثم التميمي ذو الثلاثة أعوام الذي قضى بطلقة في الرأس عندما كان برفقة والده وأهله داخل سيارة العائلة في رام الله".
وعلق عايد أبو قطيش المدير في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال فرع فلسطين قائلا "إن إطلاق ذخيرة حية من دون تمييز على مناطق مأهولة دون أن يظهر فيها أي تهديد لحياة الجندي الإسرائيلي هو تجاوز للأنظمة المعمول فيها في الجيش الإسرائيلي".
تقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن إسرائيل "ترتكب جرائم ضد الإنسانية من خلال ممارستها الفصل العنصري والاضطهاد" ضد الفلسطينيين. وتصنف هجمات المستوطنين وهدم المنازل والتهجير القسري بين أعمال العنف المشار إليها.
وتفيد منظمة الأمم المتحدة بهذا الصدد بأن عنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة ارتفع في عام 2023 من متوسط 3 حوادث يوميًا إلى 7 منذ بدء الحرب بين إسرائيل وغزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وأضافت أنه في نصف الحالات تقريبا، "رافقت قوات الأمن "رافقت الإسرائيلية المهاجمين أو دعمتهم بشكل فعال".
والمستوطنات الإسرائيلية هي عبارة مجتمعات يهودية بنيت على الأراضي الفلسطينية. وهي تضم ما بين 600 ألف و750 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في 250 مستوطنة أقيمت في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.
وتعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي، لأنها تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على قوة الاحتلال نقل سكانها إلى المنطقة التي تحتلها.
ورغم وجودهم خارج نطاق إسرائيل، منح المستوطنون الجنسية الإسرائيلية وهم يتلقون إعانات حكومية تقلل بشكل كبير من تكلفة معيشتهم. وفي المقابل، يخضع الفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية للقانون العسكري الإسرائيلي.
ومنذ عام 2009، وثقت الأمم المتحدة ما لا يقل عن 6022 هجوما للمستوطنين على فلسطينيي الضفة الغربية، أي بمعدل هجوم واحد كل يوم على مدار الأعوام الـ15 عاما الماضية.
سياسة هدم المنازل
منذ بدء احتلالها للضفة الغربية عام 1967، قامت إسرائيل بإخلاء وتهجير مجتمعات بأكملها قسراً، وهدمت أكثر من 50 ألف منزل ومبنى فلسطيني، وفقاً لمنظمة العفو الدولية.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، كان 98% من المنازل التي هدمتها إسرائيل تقع في المنطقة (ج) (78% في الضفة) و(20% في القدس الشرقية). أما نسبة 2% المتبقية من المنازل المهدمة فكانت تقع في المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية (أ) و(ب).
بين عامي 2009 و2023، دمرت إسرائيل أكثر من 10 آلاف مبنى فلسطيني، مما أدى إلى تهجير ما لا يقل عن 15 ألف شخص، وفقًا للبيانات التي جمعها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية. قد تكون المباني المهدمة سكنية أو مرتبطة بسبل العيش أو خدمية أو جزءًا من البنية التحتية.
فريق العمل :
أعداد وتحرير : محمد الحداد ، محمد حسين
تعريب النص: محمد العلي
إنفوغراف: قسم الوسائط