إسرائيل.. غزة.. العالم.. وحرب المصطلحات

نماذج لتصريحات 10 زعماء بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة (الجزيرة)
نماذج لتصريحات 10 زعماء بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة (الجزيرة)

"نحن في حالة حرب.. ليست عملية، ولا جولة قتال، هي حالة حرب".. هذا ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزملائه في مجلس الوزراء في 7 أكتوبر/تشرين الأول عقب هجوم مباغت شنته حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي.

وفي غضون ساعات، أدانت الولايات المتحدة -أقرب حليف لإسرائيل- الهجمات ووصفتها بأنها "غير معقولة". وأكد الرئيس جو بايدن أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، وهي عبارة تلخص لسان حال حلفاء إسرائيل في جميع أنحاء العالم.

وعلى مدى الأسابيع السبعة التالية، أسقطت إسرائيل أكثر من 40 ألف طن من المتفجرات على غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 19 ألف شخص، بينهم ما يُقدر بما لا يقل عن 6150 طفلا، وسُويت أحياء بأكملها بالأرض.

وبعد عدة قرارات فاشلة في الأمم المتحدة وسلسلة من الجهود الدبلوماسية، دخلت هدنة غزة التي استمرت 4 أيام واتفقت عليها قيادة حماس وإسرائيل بوساطة قطرية مصرية؛ حيز التنفيذ أخيرا في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ومُددت لاحقا لـ3 أيام إضافية.

ومع استمرار الحرب على الأرض، شُنت معركة كلامية موازية على المسرح العالمي. ولفهم الكيفية التي تُصوّر بها اللغة الحرب الحالية، فحصت الجزيرة جميع الخطب والبيانات التي ألقتها 118 دولة عضوا في الأمم المتحدة في جميع جلسات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و15 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وبالإضافة إلى بيانات الأمم المتحدة، قمنا بتحليل مئات الخطب والبيانات التي ألقاها قادة إسرائيل وفلسطين، و5 أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا)، بالإضافة إلى 8 لاعبين إقليميين هم مصر وإيران والأردن ولبنان وقطر والسعودية وسوريا وتركيا.

هدنة مقابل وقف إطلاق النار.. من قال ماذا؟

وطالبت دول كثيرة بوقف فوري وشامل لإطلاق النار وإنهاء جميع الأعمال العدائية، في حين دعا حلفاء إسرائيل فقط إلى وقف القتال. علما بأن الدول التي تجنبت الدعوة إلى "وقف إطلاق النار" كان موقفها في الواقع صدى لمشاعر إسرائيل بأنه لا ينبغي منح حماس أي فترة راحة في القتال، وأن الحرب يجب أن تنتهي فقط بعد التدمير الكامل للجماعة المسلحة. وقد دعا العديد من هذه الدول إلى تحقيق السلام أو الحل السياسي، لكنها لم تصل إلى حد استخدام مصطلح "وقف إطلاق النار".

ووفقا لوثائق الأمم المتحدة:

  • يُعرّف وقف إطلاق النار بأنه "وقف جميع أعمال العنف ضد السكان المدنيين". وفي حين لا يوجد تعريف عالمي لما يستتبعه وقف إطلاق النار، فإنه يتضمن عادة اتفاقا رسميا لإنهاء القتال وينظم خطوات سياسية لتهدئة الصراع مثل سحب الأسلحة أو إعادة تموضع القوات.
  • من ناحية أخرى، يُعرّف "الوقف الإنساني" أو "الهدنة" بأنه "وقف مؤقت للأعمال العدائية لأغراض إنسانية بحتة".
  • والوقف المؤقت أو الهدنة هو وقف مؤقت للقتال لفترة متفق عليها.

وفي مراجعة لما صدر في هذا الشأن لوحظ أن غالبية الدول (55%) دعت على وجه التحديد إلى "وقف إطلاق النار" في غزة، بينما أكدت 23% من الدول على أهمية الوقف المؤقت للأعمال العدائية. أما النسبة المتبقية البالغة 22% فلم تؤيد صراحة أيا من الخيارين.

Israel-Palestine war of words تغطية حرب المصطلحات

 

غالبية الدول التي تدعو إلى الهدنة هي دول أوروبية، وكذلك الولايات المتحدة وكندا. ودعت إدارة بايدن إلى "وقفات إنسانية" في الحرب ورفضت بشدة مطالب وقف إطلاق النار، على الأقل حتى تحقق إسرائيل هدفها المعلن المتمثل في القضاء على حماس.

والأغلبية التي تدعو إلى وقف إطلاق النار هي تلك الموجودة في جنوب الكرة الأرضية، باستثناء عدد قليل من الدول الأوروبية، وأبرزها فرنسا وأيرلندا وروسيا وإسبانيا. وحثت فرنسا على إقامة هدنة إنسانية يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى وقف لإطلاق النار.

وبالنسبة للفلسطيني العادي في غزة، مثل تالا حرز الله الطالبة في الجامعة الإسلامية والتي تبلغ من العمر 21 عاما، فإن دور المجتمع الدولي والمنظمات مثل الأمم المتحدة في المساعدة على إنهاء الحرب كان صفرا تقريبا.

"جميع القوانين الدولية تُنتهك
ولا أحد يقول أي شيء.
كل شيء مجرد حبر على ورق".

"
يُقصف الناس في المستشفيات والمدارس، لكنهم لا يفعلون شيئا غير الإدانة. دماؤنا رخيصة"

تالا حرز الله - طالبة من غزة

علاوة على ذلك شددت حرز الله -مثلها مثل سائر الفلسطينيين- على أن الصراع مع إسرائيل يمتد إلى ما هو أبعد من الأحداث التي وقعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. وتقول: "ظللنا محاصرين لأكثر من 16 عاما مع الألم والفقر والبطالة والقصف من حين لآخر".

Israel-Palestine war of words تغطية حرب المصطلحات

 

لم يأت من فراغ

اعتراف بالبعد الأوسع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود

عام 1948 انسحبت بريطانيا من فلسطين وأعلنت المنظمات الصهيونية قيام دولة إسرائيل (مواقع التواصل الاجتماعي)
عام 1948 انسحبت بريطانيا من فلسطين وأعلنت المنظمات الصهيونية قيام دولة إسرائيل (مواقع التواصل الاجتماعي)

في أكتوبر الماضي، عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن مشاعر حرز الله، قائلا إن هجوم حماس "لم يأت من فراغ"، مشيرا إلى الاحتلال الإسرائيلي "الخانق" الذي استمر عقودا، وإلى البناء الاستيطاني غير القانوني في الضفة الغربية المحتلة.

ورحبت عدد من الدول بـ"نهج غوتيريش المتوازن للغاية"، حسبما أفاد من نيويورك مراسل "الجزيرة" غابرييل إليزوندو. ومع ذلك كانت إسرائيل "غاضبة"، ودعا مسؤولوها الأمين العام للأمم المتحدة إلى الاستقالة.

وفي عام 1948، مورس "التطهير العرقي" بحق أكثر من 750 ألف فلسطيني وهجروا من منازلهم من قبل مليشيات صهيونية، وأصبح هذا النزوح الجماعي يعرف باسم "النكبة".

وعقب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 هُجر 300 ألف فلسطيني آخر، ووقعت غزة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية تحت الاحتلال الإسرائيلي.

ومنذ عام 2007 بعد سيطرة حماس على غزة، فرضت إسرائيل سيطرة صارمة على المجال الجوي والمياه الإقليمية لغزة، وقيدت حركة البضائع والأشخاص من وإلى القطاع الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترا مربعا.

ولمعرفة الدول التي ذَكرت أو لم تذكر البعد الأوسع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بحثنا عن بعض الكلمات الرئيسية البارزة، بما في ذلك "الاحتلال" الإسرائيلي و"الحصار" الإسرائيلي على غزة و"المستوطنات" الإسرائيلية و"حل الدولتين".. وجاءت النتائج على النحو التالي:

الاحتلال الإسرائيلي

استخدمت 54 دولة (أي 46% من المجموع) مصطلح "المحتل" في إشارة إلى إسرائيل، أو وصفت الأرض الفلسطينية بأنها "محتلة"، وشددت على أهمية وضع الحرب الحالية في غزة ضمن السياق الأوسع للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الذي استمر عقودا.

ومن ناحية أخرى، لم تذكر 64 دولة (54% من الإجمالي) الاحتلال في خطاباتها أو تصريحاتها، ومن بينها دول تجنبت أيضا الدعوة إلى وقف إطلاق النار، مثل أستراليا وكندا وألمانيا والهند وإيطاليا وأوكرانيا والولايات المتحدة.

Israel-Palestine war of words تغطية حرب المصطلحات

 

الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة

وتشير 23% فقط من الدول إلى الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ 16 عاما على قطاع غزة، مستخدمة مصطلحات مثل "الحصار" أو "التطويق".

Israel-Palestine war of words تغطية حرب المصطلحات

المستوطنات الإسرائيلية

أما الإشارة إلى "المستوطنين أو المستوطنات" فكان محدودا، بـ 30% فقط من الدول، ومعظمهما في جنوب الكرة الأرضية.وق لفتت هذه الدول الانتباه إلى "المستوطنين والمستوطنات"، على الرغم من الوضع غير القانوني للمستوطنين والمستوطنات بموجب القانون الدولي

Israel-Palestine war of words تغطية حرب المصطلحات

 

حل الدولتين

و لوحظ من معاينة البيانات أيضا أن الإجماع الوحيد بين أعضاء الأمم المتحدة كان على الدعم شبه الكامل لحل الدولتين كطريق لتحقيق سلام دائم. لقد تبنته كذلك كل من إسرائيل وفلسطين في خطاباتهما الرسمية.

ويظهر تناول القدس الشرقية المحتلة،( التي تعني عاصمة دولة فلسطينية مستقبلية)،كذلك انقسامات إقليمية مماثلة. فالغالبية العظمى من دول أوروبا وأميركا الشمالية لا تذكر ذلك، في حين أن جميع الدول العربية والإسلامية تقريبا تفعل ذلك. بشكل عام، فقد ذكر 35% المصطلح بينما لم يذكره 65%.

Israel-Palestine war of words تغطية حرب المصطلحات

 

يرى معين رباني، المحرر المشارك لـ"جدلية" والباحث غير المقيم في "مركز دراسات الصراع والدراسات الإنسانية"، أن اختيار الكلمات المستخدمة أو غير المستخدمة لوضع سياق الصراع؛ ليس ظاهرة جديدة، وعلى الأخص بين دول أوروبا وأميركا الشمالية.

ويؤكد رباني أن هذه الدول أعلنت بشكل لا لبس فيه دعمها الثابت لإسرائيل، مما يجعلها "متواطئة من نواح كثيرة في حرب إسرائيل".

ويقول في هذا الصدد: "إنها مفتاح الإفلات من العقاب. لا يمكن لإسرائيل أن تفلت من العقاب بنفسها. إن توفير الإفلات من العقاب لإسرائيل يتم من قبل حلفائها، من قبل رعاتها في أميركا الشمالية وأوروبا".

" وقف إطلاق نار فوري"

كيف تصاغ مفردات الحرب الإسرائيلية على غزة؟

جلسة لمجلس الأمن دعا خلالها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى تفعيل المادة 99 من ميثاق المنظمة (رويترز)
جلسة لمجلس الأمن دعا خلالها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى تفعيل المادة 99 من ميثاق المنظمة (رويترز)

اجتمع مجلس الأمن الدولي 8 مرات خلال شهر الحرب الأول، وفشل في تمرير 4 قرارات قبل أن يوافق في نهاية المطاف في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على " تمديد الهدنة والممرات الإنسانية" في غزة للسماح بعمليات الإجلاء وإيصال المساعدات.

مجلس الأمن هو أعلى هيئة لصنع القرار في الأمم المتحدة ويتكون من 15 عضوا، بما في ذلك 5 أعضاء دائمين يمكنهم منع القرارات باستخدام حق النقض بالإضافة إلى 10 دول مؤقتة العضوية. والقرارات التي يتخذها مجلس الأمن ملزمة قانونا لجميع الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة.

وقد تم تمرير مشروع القرار الصادر في 15 نوفمبر/تشرين الثاني بـأغلبية 12 صوتا، وامتناع 3 أعضاء عن التصويت هم: روسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. ولم يشر القرار إلى وقف إطلاق النار، كما أغفل هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول والضربات الجوية والهجوم البري الإسرائيلي في غزة. وقبل التصويت قدمت روسيا تعديلا للقرار رُفض لاحتوائه صياغة تنطوي على إشارة إلى وقف لإطلاق النار.

Israel-Palestine war of words تغطية حرب المصطلحات

وصف مدير مجموعة الأزمات الدولية بالأمم المتحدة ريتشارد غوان القرار بأنه "أداة دبلوماسية لحفظ ماء الوجه". علما بأن الولايات المتحدة كانت الأكثر تصويتا بـ"لا" عند بحث القرارات الأربعة السابقة الفاشلة، تليها المملكة المتحدة. وقد صوتت كل من الصين وفرنسا واليابان وروسيا والإمارات مرة واحدة ضد القرارات.

شروط "فضفاضة"

وحتى بعد قرار 15 نوفمبر/تشرين الثاني، واصلت إسرائيل قصف قطاع غزة، مما يعني -وفقا للدكتور بابلو دي أوريانا الأكاديمي الذي يركز على الدبلوماسية والقومية وتحليل الخطاب في "كينغز كوليدج لندن"-  أن "رخاوة الخطاب العام" تسمح بحدوث أشياء كثيرة على الأرض دون أن تكون لسياسة هذا الخطاب أي تأثير فيها".

وأشار إلى أن مفهوم "وقف إطلاق النار يبقى فضفاضا كمصطلح"، مضيفا أنه نوع من الأشياء غير الملزمة بالنسبة لكثير من البلدان، "فهو بالطريقة التي تمت صياغته بها لا يعنى شيئا".

وتطرق دي أوريانا إلى الطرق التي يمكن أن يؤثر بها الخطاب الدبلوماسي على كيفية إنتاج المعرفة حول دولة ما، وتعزيزها من خلال الخطاب الدبلوماسي. فقال إن "التوصيفات الدبلوماسية للعالم تعتبر مظهرا حيويا للكيفية التي تتعرف بها الجهات الدولية الفاعلة على بعضها البعض".

وبخصوص التصعيد الأخير في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يقول دي أوريانا إن استخدام كلمات مثل "الإرهاب" أصبح قضية كبيرة بالنسبة لحكومة نتنياهو لحمل جميع حلفائه على استخدام كلمة إرهابي "لأن إسرائيل تريد بالطبع تبرير تدخلها". ويضيف أنه "يريد مساواة كل حماس مع كل الفلسطينيين من خلال خطاب الإرهاب الذي ينزع الشرعية عن الفاعل السياسي".

وقد حلل فريق الجزيرة الخطب الواردة بهذا الشأن، فوجد أن 58% منها ذكرت تعبير "الإرهاب" في حين أن 42% لم تفعل ذلك.

انتشار مفهوم"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"

في 7 أكتوبر/تشرين الأول، تحدث بايدن عقب عملية طوفان الأقصى والهجوم المزعوم على الحفل الراقص قائلا: "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وشعبها، نقطة آخر السطر".. كان هذا شعورا عاما منتشرا على أوسع نطاق، حيث صرح العديد من القادة بمن فيهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس "لا يرقى إليه الشك".

يقول راباني للجزيرة في هذا الصدد: "وضعت إسرائيل والدول الغربية، هذه الحرب بأكملها في سياق ما يسمونه حق إسرائيل في الدفاع عن النفس وكل شيء آخر يتصل به. لذلك، بات الحكم على كل شيء مقولبا ضمن نموذج حق إسرائيل في الدفاع عن النفس".

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول، أصدرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا بيانا مشتركا يعلن دعمها لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن النفس ضد الإرهاب".

Israel-Palestine war of words تغطية حرب المصطلحات

إسرائيل قوة احتلال

عند ترديدهم لعبارة "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، وُجه للقادة المعنيين اتهام بازدواجية المعايير.

يقول رباني في هذا الصدد إن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس هو في حد ذاته معيب لأنه "بموجب القانون الدولي لا يحق لدولة الاحتلال سوى الدفاع عن هجمات تشنها دول أخرى".

وأضاف: "وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، لا يمكن ممارسة حق الدفاع عن النفس إلا ضد الدول الأخرى. والأهم من ذلك، إذا كانت إسرائيل في حالة حرب -على سبيل المثال- مع مصر أو سوريا، بصرف النظر عن قوانين الحرب، فهي لا تتحمل أي مسؤولية تجاه السكان المدنيين في تلك البلدان".

ومضى رباني قائلا : "في قطاع غزة، لا تزال إسرائيل قوة احتلال. وهي تتحمل مسؤوليات واضحة وواسعة النطاق لا لبس فيها تجاه السكان المدنيين في القطاع. وهذا لم تتم الإشارة إليه قط. وكل ما نسمعه هو أن إسرائيل يجب أن تمارس حقها في الدفاع عن النفس بطريقة تتفق مع القانون الدولي. ولم يتم إخبارنا أبدا بما يعنيه ذلك ولم يتم ذكر التزاماتها تجاه السكان المدنيين".

ورددت المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز بدورها قائلة إن إسرائيل لا يمكنها المطالبة بالحق في الدفاع عن النفس لأنها "مهددة من قبل جماعة مسلحة داخل الأراضي المحتلة". وقالت خلال كلمة ألقتها في نادي الصحافة الوطني في كانبيرا بأستراليا: حتى قول "الحرب بين غزة وإسرائيل" خطأ، لأن غزة ليست كيانا مستقلا، إنها جزء من الأراضي المحتلة.


خطاب 'الصراع من أجل البقاء'

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بدوره عندما أعلن "الحصار الكامل" على قطاع غزة في 9 أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد يومين من هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل: "نحن نحارب حيوانات بشرية".


بعد أقل من 3 أسابيع، ألقى نتنياهو خطابا في مؤتمر صحفي مع غالانت ووزير الحكومة بيني غانتس، استحضر فيه تعبير العماليق الموصوفين في الكتاب المقدس العبري بأنهم أمة تضطهد العبرانيين.

قال نتنياهو: "يقول كتابنا المقدس: يجب أن تتذكر ما فعله العماليق بك" (1 صموئيل 15: 3). "اذهب الآن واضرب العماليق، ودمر تماما كل ما لديهم، ولا تبقي منهم أحدا".

وانخرط جميع أعضاء الحكومة الإسرائيلية بدورهم في عملية التحريض وبلغة استفزازية، ودعمت هذه اللغة ممارسات الأرض المحروقة، حيث "ينصب التركيز بالنسبة لإسرائيل على الضرر وليس الدقة"، كما صرح المتحدث العسكري الإسرائيلي دانيال هاغاري في 10 أكتوبر/تشرين الأول.

يصف دي أوريانا اللغة المستخدمة بأنها لغة "صراع من أجل البقاء"، ويضيف أن "اللغة الآن تجبر الجميع على الاختيار، والخيار ثنائي ومحدد جدا، يسألك عمن تؤيد بقاءه من الاثنين. إنه لأمر متطرف للغاية، وهو قومي وعرقي تماما، لا يناقش حقوق الفلسطينيين على الإطلاق. لقد جعل الفلسطينيين همجا".

يقول دي أوريانا أيضا إن خطابات نتنياهو -وخصوصوصا استخدامه لغة "محاربة البربرية"- تشير إلى مجموعة من أفكار اليمين المتطرف الذي "يؤمن تماما بصدام الحضارات هذا".

ومعلوم أن الحكومة الإسرائيلية موصوفة بأنها أكثر الحكومات اليمينية تطرفا في تاريخ إسرائيل، حيث يرفض العديد من أعضائها حل الدولتين.

أين تتموضع بلادك؟

جلسة للجمعية العامة عقدت في 28 نوفمبر حول الحرب الإسرائيلية على غزة (الفرنسية)
جلسة للجمعية العامة عقدت في 28 نوفمبر حول الحرب الإسرائيلية على غزة (الفرنسية)

ومنذ بداية الحرب الأخيرة بين إسرائيل وغزة، تم تصنيف العالم على نطاق واسع إلى 3 معسكرات: دول متحالفة مع إسرائيل، ودول محايدة في الصراع، ودول مدافعة عن فلسطين.

وتعهدت دول مثل الولايات المتحدة بتقديم دعم غير مشروط لإسرائيل، مع توفير أكثر من 14.5 مليار دولار مساعدات عسكرية.

وتاريخيا كانت الولايات المتحدة متحالفة مع إسرائيل، وتدعم هيمنتها العسكرية الإقليمية كجزء من سياسة أميركا في الشرق الأوسط. وفي المقابل، استخدمت دول أخرى سلطاتها التصويتية في الأمم المتحدة لدعم فلسطين.

وتضم الجمعية العامة للأمم المتحدة 193 دولة عضوا، وهي الهيئة الأكثر تمثيلا في منظومة الأمم المتحدة. ويسمح لكل دولة عضو بالتصويت على قدم المساواة عند اتخاذ قرار من القرارات.

كيف صوّت بلدك بشأن غزة؟

في 27 أكتوبر/تشرين الأول، تبنت الجمعية العامة قرارا يدعو إلى هدنة إنسانية "فورية ومستمرة" ووقف القتال، ويدين "جميع أعمال العنف التي تستهدف الفلسطينيين والمدنيين الإسرائيليين".

وجاءت نتيجة التصويت على النحو التالي:

  •  121 دولة صوتت لصالح القرار
  •  14 صوتت ضده، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة
  •  44 امتنعت عن التصويت. ومن بين الدول التي امتنعت: كندا التي أدخلت تعديلا كان من شأنه أن يدين حماس بشكل أكثر صراحة على هجومها "الإرهابي" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ويطالب بالإفراج الفوري عن الرهائن الذين احتجزتهم الحركة.Israel-Palestine war of words تغطية حرب المصطلحات

الدول التي تعترف بإسرائيل وفلسطين

حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بلغ مجموع الدول التي تعترف بإسرائيل 163 من أصل 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة، بينما تعترف 138 بدولة فلسطين.

Israel-Palestine war of words تغطية حرب المصطلحات

دول تعيد النظر في علاقاتها مع إسرائيل

منذ بداية الحرب بين إسرائيل وغزة، أعادت عدة دول النظر في علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل مع انتقادات متزايدة لحملة القصف التي يشنها النظام على غزة والممارسات العشوائية في الضفة الغربية المحتلة.

وقطعت بوليفيا وبليز وجنوب أفريقيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، بينما سحبت البحرين وتشاد وتشيلي وكولومبيا وهندوراس والأردن وتركيا دبلوماسييها.

Israel-Palestine war of words تغطية حرب المصطلحات

احتجاجات عالمية تطالب بإنهاء الحرب

متظاهرون يلوحون بالعلم الفلسطيني في باريس في 11 نوفمبر (الفرنسية)
متظاهرون يلوحون بالعلم الفلسطيني في باريس في 11 نوفمبر (الفرنسية)

اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم مع احتشاد مئات الآلاف من الناس في مسيرات إما مؤيدة لفلسطين أو مؤيدة لإسرائيل.

وفي الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و24 نوفمبر/تشرين الثاني، نُظمت 8371 مظاهرة في أكثر من 118 دولة وإقليما وفقا لـ"مشروع بيانات وموقع النزاع المسلح والأحداث"، وهو منظمة غير حكومية متخصصة في جمع بيانات النزاع.

وكانت الغالبية العظمى من الاحتجاجات خلال الفترة من 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى 24 نوفمبر/تشرين الثاني مؤيدة لفلسطين بنسبة 87% (أكثر من 7283 مظاهرة)، بينما كانت 10% (أكثر من 845) مؤيدة لإسرائيل. وكانت نسبة الـ3% المتبقية من الاحتجاجات (نحو 243) محايدة داعية إلى السلام.

وحدث ما يقرب من 3934 من تلك المظاهرات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما لا يقل عن 1591 في أميركا الشمالية، في حين كان هناك أكثر من 1676 في أوروبا. والدول الخمس الأولى التي شهدت أكبر عدد من الاحتجاجات هي الولايات المتحدة (1330) واليمن (838) والمغرب (638) وتركيا (575) وإيران (572).

وتظاهر المؤيدون لفلسطين في مدن كبرى مثل لندن ونيويورك وإسطنبول وعمان وسانتياغو وطوكيو وهم يهتفون "فلسطين حرة " و"أوقفوا قصف غزة"، ودعوا إلى "وقف إطلاق النار الآن"، وأصبح الهتاف الأخير عبارة رمزية للصراع الحالي.

في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، شارك المتظاهرون في أكبر احتجاج مؤيد لفلسطين شهدته المملكة المتحدة في تاريخها، حيث قُدر عدد المشاركين بأكثر من 300 ألف شخص وفقا للشرطة المحلية، بينما قال المنظمون إن العدد يقترب من 800 ألف.

فريق العمل :

إعداد وتحرير : حنا دوغال، أسيد صديقي، محمد الحداد

جمع البيانات وتحليلها: أويس أرشد، شكيب أسرار، أنسون زانغ، يارا الغصيبي

تصماميم: كونستنتينوس أنتونوبولس

تعريب النص: علي بابكر حمزة

تحرير النص العربي: محمد العلي

تعريب التصاميم: قسم الوسائط

المصدر : الجزيرة