ليس القمح وحده.. حقائق العجز الغذائي العربي بالأرقام

تدق الحرب الروسية على أوكرانيا ناقوس الخطر حول الأمن الغذائي العربي، إذ تبدو معظم الدول العربية غير جاهزة لمواجهة أزمات طويلة تقيد وارداتها الغذائية.

A farmer displays wheat grains at a field in the El-Menoufia governorate, north of Cairo, Egypt May 1, 2019. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany
A farmer displays wheat grains at a field in the El-Menoufia governorate, north of Cairo, Egypt May 1, 2019. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany
تستورد الدول العربية نحو 60% من احتياجاتها من القمح من الأسواق العالمية (رويترز)
تستورد الدول العربية نحو 60% من احتياجاتها من القمح من الأسواق العالمية (رويترز)

تبدو الحرب الروسية الأوكرانية ككرة الثلج المتدحرجة التي تمتد توابعها من البعد العسكري والسياسي إلى التأثيرات العميقة على الأسواق العالمية والإمدادات في المواد الإستراتيجية كالغاز والنفط، وخصوصا السلع الغذائية الرئيسية، في وقت مازال العالم تحت تأثيرات جائحة كوفيد 19 على مستوى الأمن الغذائي.

ويقع العالم العربي في قلب هذه الأزمة على اعتبار أن معظم بلدانه تعتمد على الواردات الأوكرانية والروسية في منتجات القمح والشعير والزيوت النباتية واللحوم وغيرها.

وفي وقت أعلنت فيه أوكرانيا وقف تصدير معظم تلك المواد، تعطلت الموانئ والشحنات وارتفعت الأسعار عالميا إلى مستويات قياسية، بما يؤثر على أسعار التكلفة والموازنات العامة للدول العربية، خصوصا إذا طالت الأزمة أو توسعت واتخذت الدول المنتجة إجراءات كالحد من التصدير أووقفه.

تفيد الأرقام أن أوكرانيا تعد خامس أكبر مصدر للقمح وللذرة الصفراء على مستوى العالم، وصدرت وحدها 17% من كمية الذرة والشعير التي سوقت للتجارة العالمية سنة 2020، بينها نحو 40% لدول عربية، في حين تعتبر روسيا مصدرا رئيسيا للقمح إلى مصر واليمن والجزائر وتونس والسودان وعمان والإمارات وليبيا.

وبينما تشكل الدول العربية نحو 5% من سكان العالم، تستورد نحو 20% من كمية الحبوب المتاحة للتجارة الدولية، ولا تنتج سوى 2.5% من المحصول العالمي للحبوب. وتستورد نحو 63% من احتياجاتها من القمح، وتحتكر لوحدها في المتوسط نحو 25% من صادرات القمح العالمية.

ويظهر الإنفوغراف التالي أهم الدول المنتجة والمصدرة والمستوردة للقمح على الصعيد العالمي، مع العلم أن الأرقام قد تتغير نسبيا بشكل سنوي وكذلك الترتيب.

أكبر الدول المصدرة للقمح الجزيرة

وتعد مصر أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، ذلك أنها تستورد 10.6% من مجموع صادرات القمح العالمية، بغلاف مالي بلغ مجموعه 4.67 مليارات دولار سنة 2019، ويبلغ حجم الاستهلاك السنوي نحو 18 مليون طن، رغم أنها تصنف غالبا ضمن المراتب العشرين عالميا من حيث الإنتاج بنحو 9.3 مليون طن سنة 2020. كما جاءت المغرب ضمن قائمة أكبر 15 دولة مستوردة للقمح.

وبشكل عام تستورد الدول العربية مجتمعة 60% من احتياجاتها للحبوب من روسيا وأوكرانيا إضافة إلى فرنسا ورومانيا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة. لكن لروسيا وأوكرانيا ثقل دولي خاص في توريد العالم العربي بالحبوب، نظرا لسعرها المنخفض في البلدين لأسباب تتعلق بالنوعية وقلة الجودة -وفق بعض التقارير- وتكلفة الشحن المنخفضة نسبيا.

ورغم أن الدول العربية الأخرى، خصوصا الخليجية، تستورد شحنات من القمح الأوكراني أو الروسي فإنها تعتمد سياسة تنويع المصادر، كما أن ملاءتها المالية ومواردها واحتياطاتها تساعدها على تجاوز الأزمات العالمية وارتفاع الأسعار.

وبينما أعلن العراق أنه حقق اكتفاءه الذاتي من القمح للعام الثالث على التوالي بحجم إنتاج بلغ 4 ملايين طن عام 2021، فإنه يستورد نحو مليون طن سنويا خصوصا من الولايات المتحدة وأستراليا.

وكان المغرب قد أعلن أن محصوله بلغ نحو 10 ملايين طن سنة 2021، إلا أنه درج على استيراد نحو 3 ملايين طن سنويا لتغطية العجز.

وقبل 2011 كانت سوريا تحقق اكتفاءها الذاتي من القمح ومعظم الموارد الزراعية، لكن الحرب أثرت بشكل كبير على المساحات الزراعية ومعدلات الإنتاج والأمن الغذائي.

طاحونة الحرب والأزمات

الحرب في أوكرانيا واستمرار الأزمة وارتفاع الأسعار تهدد إمدادات القمح بالعالم العربي.

Saliha Mohamedi, 36, grinds wheat at her troglodyte house on the outskirts of Matmata, Tunisia, February 5, 2018.
Saliha Mohamedi, 36, grinds wheat at her troglodyte house on the outskirts of Matmata, Tunisia, February 5, 2018.
الحرب في أوكرانيا واستمرار الأزمة وارتفاع الأسعار تهدد إمدادات القمح بالعالم العربي.
الحرب في أوكرانيا واستمرار الأزمة وارتفاع الأسعار تهدد إمدادات القمح بالعالم العربي.

ولا تقتصر حاجة البلدان العربية الغذائية على القمح، فهي عمليا تستورد معظم المواد الغذائية الأساسية كالسكر واللحوم والذرة والشعير والأبقار والأغنام بدرجات متفاوتة، وبالتالي تبقى في أمنها الغذائي رهينة لتقلبات الأسواق العالمية والأزمات الكبرى والمناخ، كما يحصل حاليا بتفجر أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، وكما حصل خلال أزمة الإغلاقات والشحن في أوج انتشار فيروس كورونا في العامين الماضيين. ويبين الإنفوغراف التالي حجم اعتماد الدول العربية على الأسواق الخارجية في عدة مواد غذائية أساسية.

Egyptian farmers examine wheat that has come out of hammer mill on a farm in Beni Suef, 75 miles, (120 kilometers), south of Cairo, Egypt, Friday, May 22, 2015. Egyptian farmers are struggling to maintain crop productivity due to outdated irrigation and harvest methods, as well as the government's lifting of energy and agricultural subsidies. (AP Photo/Amr Nabil)
القمح يمثل العنصر الأساسي في الفجوة الغذائية بالعالم العربي (أسوشيتد برس)

فجوة غذائية

وفي حين حققت بلدان عربية اكتفاءها الذاتي نسبيا من بعض المواد الغذائية الأساسية كالخضر والفاكهة والبيض والأسماك والحليب والألبان، فإن بعضها ما زال يعتمد بشكل كبير على الواردات، يأتي جزء منها ضمن التجارة البينية العربية.

ورغم الفوارق بين بلدان العالم العربي في نسبة العجز الغذائي والاعتماد على الواردات، بحكم العوامل الطبيعية والاقتصادية والمساحة وعدد السكان، إذ إن بعض البلدان يصل اعتمادها على المنتجات المستوردة إلى 80%، تؤكد المؤشرات الكلية وجود خلل كبير بين حجم الصادرات والواردات الغذائية على المستوى العربي.

محمد علي لطيفي ..سوق باب سعدون للخضروالغلال الحكومي في ظل حملة المقاطعة
بعض البلدان العربية حققت اكتفاءها من الخضر والغلال وتصدر منتوجاتها (الجزيرة)

ويتضح من خلال الرسم البياني التالي الفجوة الكبيرة (نسبة العجز) بين قيمة الصادرات الغذائية الرئيسية التي بلغت 16 مليار دولار عام 2020 والواردات الغذائية الرئيسية، التي بلغت قيمتها 61.41 مليار دولار في العام نفسه بفارق بلغ 45.41 مليار دولار، كما يتضح حجم الفجوة بين الصادرات الزراعية والواردات التي بلغت 67.22 مليار دولار عام 2020.

قيمة الصادرات والواردات الكلية الزراعية والغذائية بالعالم العربي

ويأتي القمح في المرتبة الأولى من حيث تأثيره على ارتفاع قيمة الواردات بنسبة 34.79%، ثم اللحوم بنسبة 12.90% والألبان ومنتجاتها بنسبة 12.37%.

من خلال هذه المؤشرات يبدو العجز الغذائي واضحا، وقد يستمر في ضوء الأزمة الراهنة ونقص الإمدادات الغذائية وارتفاع أسعارها خلال سنة 2022 وربما بعدها، وهو ما سيزيد من الأعباء المالية الناجمة عن تكاليف الاستيراد. ويبين الإنفوغراف التالي القفزة الكبيرة في أسعار المواد الغذائية الأساسية في فبراير/شباط مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.

مؤشر أسعار الغذاء

ويستخدم مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (FAO) لأسعار الأغذية لقياس التغيير الشهري في الأسعار الدولية لسلة من المواد الغذائية الأساسية.

مخاطر ومخاوف

ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء واللجوء لزيادة الأسعار ورفع الدعم عن المواد الأساسية في العالم العربي قد تؤدي إلى توترات اجتماعية.

لقطات للجزيرة من احتجاجات أزمة الخبز في مصر
لقطات للجزيرة من احتجاجات أزمة الخبز في مصر
ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء واللجوء لزيادة الأسعار ورفع الدعم عن المواد الأساسية في العالم العربي قد تؤدي إلى توترات اجتماعية.
ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء واللجوء لزيادة الأسعار ورفع الدعم عن المواد الأساسية في العالم العربي قد تؤدي إلى توترات اجتماعية.

مؤشرات متفاوتة

بشكل عام، يقارب المؤشر الغذاء في العالم العربي المؤشر العالمي، وتبدو الدول العربية الخليجية ذات مؤشرات أمن غذائي عالية، لكن سد الحاجات الرئيسية يكلف معظم الدول العربية نفقات هائلة خصوصا مع الحرب الروسية على أوكرانيا والزيادة الهائلة في أسعار المواد الأساسية.

وإذا كانت بعض الدول -من غير دول الخليج العربي- قد استفادت أيضا من الزيادة القياسية في أسعار النفط والغاز، بما يمكنها من تحقيق التوازنات المالية، فإن بلدانا أخرى خصوصا اليمن وتونس ومصر والمغرب ولبنان والأردن وسوريا واليمن ستشهد انخراما كبيرا في موازناتها وصعوبة في سد حاجياتها من الأسواق العالمية، بما ينذر بمشاكل اقتصادية واجتماعية، خصوصا إذا استمرت الأزمة وعمدت إلى مزيد التقشف ورفع الأسعار والدعم عن المواد الأساسية.

الزراعة التعاقدية في السودان تحقق نجاحاً كبيراً
متوسط إنتاج الحبوب الإستراتيجية في العالم العربي تبلغ 1.6 طن للهكتار (الجزيرة)

ثروة مهدورة

تقدر المساحة الإجمالية للعالم العربي بحوالي 13.5 مليون كيلومتر مربع وهي تمثل 10.2% من مساحة العالم، وتقدر مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بحوالي 220 مليون هكتار (نحو مليوني كيلومتر مربع) وهو ما يعادل 16.4% من المساحة الكلية للعالم العربي.

وتقدر مساحة الأراضي التي تُستغل في الزراعة بنحو 34% من إجمالي المساحة المتوفرة (220 مليون هكتار). ويمثل متوسط الإنتاج الزراعي العربي نحو 4% من الإنتاج العالمي.

وبلغ متوسط إنتاجية الحبوب الإستراتيجية (القمح والأرز والذرة والشعير) في المنطقة العربية نحو 1.6 طن للهكتار (مقابل 3.6 أطنان للهكتار عالميا)، وتساهم الزراعة بنحو 13% فقط من الإنتاج المحلي، بينما يشغل القطاع نحو 29 مليون نسمة،أي 33% من مجموع القوة العاملة البالغ عددها 117 مليون نسمة وفق تقديرات المنظمة العربية للتنمية الزراعية عام 2019.

المساحة الصالحة للزراعة في العالم العربي والمقدرة بنحو مليوني كيلومتر مربع تعادل المساحة الكلية لدول تصنف معظمها ضمن أكبر 15 دولة مصدرة للقمح في العالم مثل أوكرانيا ولاتفيا والمجر ورومانيا وليتوانيا وبولندا.

الزراعات مهددة بهجر المزارعين لها بسبب ارتفاع أسعار السولار اللازم لتشغيل آلات الزراعة. (تصوير خاص لزراعات مهددة بالبوار ـ
يمتلك العالم العربي مساحات كبيرة صالحة للزراعة معظمها غير مستغل (الجزيرة)

ما الذي يعيق تحقيق الأمن الغذائي؟

يفتقر العالم العربي إلى إدارة جيدة للموارد واستغلال أمثل للإمكانات المتاحة لتحقيق الأمن الغذائي.

أسعار الخبز الحر في مصر تقفز 50% بسبب ارتفاع سعر القمح (الجزيرة نت)
أسعار الخبز الحر في مصر تقفز 50% بسبب ارتفاع سعر القمح (الجزيرة نت)

رغم الضغوط الكبيرة التي ستسببها الأزمة، يمكن للبلدان العربية الأشد تأثرا بتبعات الحرب الدائرة في أوكرانيا على وارداتها من المواد الغذائية الاعتماد ظرفيا على أسواق بديلة وإبرام عقود جديدة ولو بتكلفة إضافية لا شك ستترك أثرها البالغ على توازناتها المالية وعلى المستوى المعيشي لمواطنيها.

لكن تحقيق الأمن الغذائي المستدام في وجه الأزمات الناشئة يتطلب مقاربة مختلفة وإستراتيجية طويلة الأمد تتجاوز المشاكل وأوجه القصور الراهنة، كما تحددها الدراسات والأبحاث في هذا المجال وتقارير الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي والمنظمة العربية للتنمية الزراعية.

مشاكل مزمنة

  • الزحف العمراني على المناطق الزراعية خصوصا حول المدن.
  • الزيادة السكانية العالية التي لا تواكبها زيادة في المحاصيل.
  • اعتماد نظم ري قديمة والقصور في استعمال التكنولوجيا الحديثة.
  • زحف الصحراء وشح المياه وتقلص المساحات الزراعية.
  • قصور دور القطاع الخاص في الاستثمار الزراعي.
  • غياب خطط إستراتيجية فعالة للتطوير الزراعي.
  • ضعف سياسة الدعم وتشجيع الزراعة والتصنيع الغذائي.
  • ضعف سياسات وآليات ووسائل التخزين والتسويق.
  • قلة المشاريع البينية العربية رغم وجود تجارب ناحجة.
  • الرسوم والضرائب العالية على مستلزمات الإنتاج الزراعي (بذور، آلات أسمدة ، مبيدات..).
  • ارتفاع تكاليف البنية التحتية الضرورية للزراعة من مياه وكهرباء ونقل.
  • تشتت الملكية الزراعية وتناقصها خاصة الأراضي ذات الجودة العالية.

كيف يتحقق الأمن الغذائي؟

  • تطوير التعاون البيني العربي واستغلال الموارد المتاحة عربيا
  • ضرورة التخطيط الإستراتيجي المتكامل للإنتاج الزراعي
  •  التركيز على الزراعات الإستراتيجية المهمة في الأمن الغذائي
  • إعطاء زراعة الحبوب أولوية قصوى في الدعم الحكومي
  •  منح قطاع الزراعة أولوية في سياق التنمية الشاملة لتأمين الأمن الغذائي.
  • تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الزراعة.
  •  دعم مؤسسات أو صناديق التعويض أوالمخاطر الزراعية.
  • اعتماد سياسة ضريبة مخففة أو إلغاء الضرائب على الزراعة ومستلزماتها
  • التقليل من تكاليف البنية التحتية الضرورية للقطاع الزراعي.
  • إدخال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة.
  • الاهتمام بملف التغير المناخي واستصلاح الأراضي والطاقة البديلة.
  • وضع إستراتيجية لحفظ وتخزين المنتجات الزراعية الأساسية.
  • تشجيع الشباب وأصحاب الكفاءة على الاستثمار في الزراعة.

كشفت الحرب الروسية على أوكرانيا وتبعاتها على الصادرات الغذائية هشاشة وضع الأمن الغذائي العربي ومعضلاته الهيكلية، سواء بتعريفه  الواسع المتمثل في توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين من أجل حياة صحية ونشطة، أو كونه تحقيق الاكتفاء الذاتي  عبر اعتماد الدولة على مواردها الخاصة وإمكاناتها الذاتية في إنتاج احتياجاتها الغذائية محليا.

وارتبطت "أزمات الغذاء" في العالم العربي بتوترات اجتماعية وسياسية عميقة أحيانا، إذ أدت الضغوط المتمثلة في نقص الغذاء أو زيادة الأسعار ورفع الدعم إلى ما عرف تاريخيا بانتفاضات الخبز أو "إضرابات الطعام" في عدة بلدان والتي أفرزت تغييرات في بنية الأنظمة السياسية.

فريق العمل 

زهير حمداني - محمد العلي

المصدر : الجزيرة