من سيكون رئيس لبنان الجديد؟.. مرشحان و7 أسباب للتعطيل
أخفق مجلس النواب اللبناني للمرة 12 في انتخاب رئيس للجمهورية يخلف ميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022 . شارك في جلسة الانتخاب الأولى التي عقدت في 29 سبتمبر/أيلول الماضي 122 نائبا من أصل 128، اقترع 63 منهم بورقة بيضاء، في مؤشر على غياب توافق الكتل النيابية والتيارات التي تمثلها، وكذلك الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في المشهد السياسي اللبناني على شخصية الرئيس المقبل.أما في الجلسة رقم 12 التي عقدت في 14 يونيو فحصل جهاد أزعور على 59 صوتاً مقابل 51 للوزير السابق سليمان فرنجية، وصوت واحد لجوزيف عون و6 لزياد بارود و 8 أصوات بشعار «لبنان الجديد» وورقة ملغاة وورقة بيضاء وأخرى ضائعة .
وتمثل انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان نقطة حساسة في الحياة السياسية منذ عقود، نظرا لارتباط هذا الاستحقاق بالعديد من القضايا والتوازنات والظروف الداخلية والخارجية. ووصل معظم الرؤساء إلى سدة الرئاسة تاريخيا بمقتضى تسويات داخلية لها بعد خارجي، نظرا لموقع لبنان ودوره وارتباطاته.
وبحسب الفصل 49 من الدستور اللبناني، ينتخب رئيس الجمهورية -مسيحي ماروني بمقتضى الميثاق الوطني- بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التالية، وتدوم رئاسته 6 سنوات، ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد 6 سنوات من انتهاء ولايته.
ويوصف لبنان بأنه جمهورية ديمقراطية برلمانية، حيث يتولى مجلس النواب انتخاب بديل للرئيس المنتهية ولايته خلال شهر أو اثنين قبل انتهاء أعوام الولاية الست. والتزمت البرلمانات المتعاقبة منذ ظهور لبنان دولة مستقلة بانتخاب رئيس في مواعيد ثابتة، باستثناء حالات شهدت خلالها البلاد إما حربا أهلية (1975-1989) أو صراعات داخلية، حال فيها الانقسام السياسي والطائفي دون التوافق على انتخاب رئيس، خصوصا بعد انسحاب الجيش السوري من أراضيه عام 2005، وانحسار نفوذ دمشق المباشر.
وضمت قائمة الرؤساء المنتخبين 12 شخصا، لكن اثنين منهم -هما: بشير الجميل ورينيه معوض- قضيا اغتيالا، في سبتمبر/أيلول 1982 ونوفمبر/ تشرين الثاني 1989 (على التوالي)، بعد 3 أسابيع فقط من انتخابهما، مما جعل قائمة الرؤساء الذين أمضوا ولاية كاملة أو ولاية ونصفا، تقتصر على عشرة فقط، إضافة إلى الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون.
قائمة الرؤساء .. للقراءة اضغط على الصورة
صلاحيات أقل
بعد استقلال لبنان عام 1943، منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة ليكون المنصب الأبرز والأكثر نفوذا في الدولة، لكن هذه الصلاحيات تقلصت بعد التعديلات الدستورية التي تلت اتفاق الطائف عام 1989، وهي التي كانت محل خلاف بين الأطراف السياسية اللبنانية، في اتجاه إعادة بناء وهيكلة السلطة السياسية ومؤسساتها وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لفائدة الحكومة ورئيسها. وأفرزت التعديلات الدستورية لعام 1909 والتي تلت اتفاق الطائف، تعديلات على بنية النظام السياسي اللبناني وحدّت بشكل كبير من صلاحيات الرئيس.
ومن أهم الصلاحيات التي فقدها رئيس الجمهورية بعد تعديلات عام 1990، تصدّره للسلطة الإجرائية التي كان يتولاها بمعاونة الوزراء، وفقا لأحكام الفصل 17 من الدستور. بينما نصت المادة بعد تعديلها على أن السلطة الإجرائية "منوطة بمجلس الوزراء، وهو يتولاها وفقا لأحكام هذا الدستور".
ووفقا للمادة 18، كان "لرئيس الجمهورية ومجلس النواب حقّ اقتراح القوانين"، وبعد تعديل هذه المادة أصبح "لمجلس النواب ومجلس الوزراء حقّ اقتراح القوانين، ولا ينشر قانون ما لم يقرّه مجلس النواب".
وقبل التعديلات، كان رئيس الجمهورية -وفق المادة 53- يملك حق تعيين الوزراء، ويسمي منهم رئيس الحكومة ويولي الموظفين مناصب الدولة، "ما خلا التي يحدد القانون شكل التعيين لها على وجه آخر"، لتسحب هذه الصلاحيات ويُسمح له "بتسمية رئيس الحكومة المكلف، بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، استنادا إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسميا على نتائجها".
كما أصبح على الرئيس أن "يصدر، بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم"، (بعد موافقة ثلثي أعضاء الحكومة بموجب المادة 69)، ثمّ صار في إمكانه أن "يدعو مجلس الوزراء استثنائيا، كلما رأى ذلك ضروريا، بالاتفاق مع رئيس الحكومة".
وبحسب المادة 55 من الدستور قبل تعديل 1990، كان يحق لرئيس الجمهورية أن "يتخذ قرارا معللا بموافقة مجلس الوزراء، بحل مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة". لتتقلص هذه الصلاحية، ويكون "لرئيس الجمهورية -في الحالات المنصوص عنها في المادتين 65 و77 من هذا الدستور- الطلب إلى مجلس الوزراء..".
وبشكل عام أنيطت الكثير من الصلاحيات التي كان الرئيس ينفرد بممارستها في السابق إلى الحكومة ورئيسها. ومع ذلك، احتفظ الرئيس بصلاحيات تشريعية وتنفيذية مهمة، من بينها الدور الأساسي في تشكيل الحكومات.

انتظام واضطراب
انتظمت عملية انتخاب رئيس الجمهورية، حتى عندما كان الرئيس المنتخب يتعرض للاغتيال. فقد انتخب أمين الجميل في 22 سبتمبر/أيلول 1982، بعد 6 أيام من مقتل شقيقه بشير. وانتخب إلياس الهراوي في 4 سبتمبر/أيلول 1989، بعد 12 يوما من مقتل سلفه رينيه معوض.
أما الاستثناءات التي عطّلت انتخاب الرئيس في المهلة المحددة بالدستور، فقد سجلت في 5 حالات: ففي السنة الثانية للحرب الأهلية، صوّت 68 نائبا بضغط من القيادة السورية في 10 أبريل/نيسان 1976، لصالح تعديل المادة 73 من الدستور، لإتاحة انتخاب حاكم المصرف المركزي إلياس سركيس، قبل 6 أشهر من انتهاء ولاية الرئيس سليمان فرنجية حليف دمشق. وبعد انتهاء ولاية إلياس الهراوي في نوفمبر/تشرين الثاني 1995، مدد مجلس النواب له بضغط سوري أيضا 3 سنوات أخرى، وفعل الشيء ذاته في نوفمبر/تشرين الثاني 2004 مع إميل لحود بعد انتهاء ولايته الدستورية.

وبعدما غادر لحود القصر الجمهوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2007، حال الانقسام بين فريقي 8 و14 آذار دون انتخاب خلف له. ولم تحل أزمة فراغ موقع الرئاسة إلا بعد توقيع الأطراف اللبنانية المتنازعة على اتفاق الدوحة يوم 21 مايو/أيار 2008، مما أتاح الفرصة لانتخاب قائد الجيش ميشال سليمان بعد 4 أيام.
وحال تجدد الأزمة بين فريقي 8 و14 آذار دون انتخاب خلف لسليمان، عند انتهاء ولايته في مايو/أيار 2014. ولم تحل الأزمة إلا بعد عامين ونصف عندما تخلى تيار 14 آذار عن تحفظه على ترشح ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر المتحالف مع حزب الله، فالتأمت جلسة للبرلمان في 31 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016 لينتخب ميشال عون بغالبية 83 نائبا مقابل 36 ورقة بيضاء وثمانية أصوات ملغاة.
الفراغ الدستوري
عرف لبنان تاريخيا 4 حالات من الفراغ الرئاسي:

كانت الأولى من 18 إلى 22 سبتمبر/أيلول 1952، بعد عزل الرئيس بشارة الخوري، إذ تشكلت حكومة عسكرية برئاسة فؤاد شهاب لأيام قليلة، تولت صلاحيات الرئيس حتى انتخاب كميل شمعون.
وامتد الفراغ في المرة الثانية من 23 سبتمبر/أيلول 1988 إلى 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، بعد انتهاء فترة الرئيس أمين الجميل وتعذر انتخاب من يخلفه، حين عرف لبنان انقساما سياسيا أدى إلى قيام حكومتين: الأولى برئاسة العماد ميشال عون والثانية برئاسة الدكتور سليم الحص، وقد تنازعتا صلاحيات رئيس الجمهورية.
وكانت المرة الثالثة بين 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2007 وحتى 25 مايو/أيار 2008، مع انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود وتعذّر انتخاب خلف له، إذ تولت حكومة فؤاد السنيورة صلاحيات رئيس الجمهورية حتى انتخاب العماد ميشال سليمان.
عند انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في مايو/أيار 2014، امتد الفراغ الرئاسي لنحو عامين ونصف، وتولت حكومة تمام سلام صلاحيات رئيس الجمهورية حتى انتخاب ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر المتحالف مع حزب الله، في جلسة 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016، عندما تخلى تيار 14 آذار عن تحفظه على ترشحه.
تأخر الحسم
هناك عدة عوامل تساهم في تعطل انتخاب الرئيس وتأخر الحسم في الاستحقاق الرئاسي بشكل عام وخلال الانتخابات الحالية:

- عدم وجود مرشح توافقي أو شخصية جامعة تنال قبول جميع الأطراف السياسية الممثلة في البرلمان في الجلسات الأولى.
- يخضع انتخاب الرئيس لتوازنات شديدة الدقة في مجلس النواب، وعدم توفر النصاب القانوني (86 نائبا) يجعل عملية الانتخاب متعسرة.
- دخول أطراف جديدة للبرلمان اللبناني (التغييريون) والسعي إلى تغيير المنظومة التي تفرز المناصب العليا في الدولة.
- يخضع انتخاب الرئيس اللبناني لتوازنات إقليمية ودولية تبدو بدورها معقدة خلال الفترة الراهنة.
- التركيبة الحالية للبرلمان تعكس عدم توازن سياسي وحساسية بين الكتل، مما جعل أي تفاهم بينها أصعب من أي مرة مضت في البرلمانات السابقة.
- تراجع تمثيل السنة بالانتخابات البرلمانية بغياب تيار المستقبل عنها لأول مرة، وعدم وجود كتلة وازنة لهم يجعل التوافق الداخلي على هوية رئيس جديد وفقا للنهج المعهود في لبنان صعبا.
- الأزمات الدولية الراهنة تجعل الإقليمية والقوى الكبرى أقل اهتماما بقضية حسم الرئاسة اللبنانية.
المرشحون البارزون
شهدت الانتخابات الرئاسية الحالية قبل جلسة التصويت الأولى حشدا من المرشحين الذين لم ترد أسماء أي منهم في جلسة الانتخابات الأولى، بينما استمر في الميدان تلقائيا: جبران باسيل وسمير جعجع، زعيما أبرز الأحزاب المارونية الممثلة في البرلمان (التيار الوطني الحر، والقوات اللبنانية).
وأفرزت جولة التصويت الأولى اسما ثالثا حلّ ثانيا بعدد الأصوات (بعد الأوراق البيضاء)، هو النائب ميشال معوض نجل الرئيس الراحل رينيه معوض الذي اغتيل عام 1989.
إلا أن المنافسة ما لبثت أن دخلت طورا جديدا في مطلع مارس/آذار 2023، مع تبني حزب الله وحركة أمل ترشيح سليمان طوني فرنجية، حفيد الرئيس الأسبق سليمان فرنجية (1970-1976).
وفي 31 مايو/أيار، فجر التيار الوطني الحر مفاجأة بتوافقه مع حزب القوات اللبنانية على ترشيح الخبير المالي جهاد أزعور، وما تلاه من تنازل معوض لصالحه، مما فتح الباب لمواجهة بين الكتلتين. أما اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون، فما زال قيد التداول السياسي والإعلامي.
وُلد عام 1966 في سير الضنية شمالي لبنان، وينتسب لأسرة ذات علاقة بالشأن العام، إذ كان خاله جان عبيد نائبا ومرشحا لمنصب رئيس الجمهورية.
عمل أزعور محاضرا في الاقتصاد في الجامعة الأميركية ببيروت، وهو حاليا مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي.
عين يوم 19 يوليو/تموز 2005 وزيرا للمالية في حكومة فؤاد السنيورة بعهد الرئيس إميل لحود، وظل بهذا المنصب حتى 11 يوليو/تموز 2008
مولود عام 1970 لعائلة سياسية.
تولى قيادة "تيار المردة" من عمه روبير عام 1990، وشارك في كل الحكومات التي تشكلت بعد اتفاق الطائف ولغاية عام 2005 وزير دولة أولا، ثم وزيرا للإسكان مرتين ثم الصحة مرتين، فوزيرا للداخلية في آخر حكومة شكلها عمر كرامي في عهد الرئيس إميل لحود.
ولد عام 1963، ودرس العلوم السياسية والعسكرية.
انضم إلى السلك العسكري عام 1983، وفي عام 2017 رقي إلى رتبة عماد، وأصبح القائد الرابع عشر للجيش اللبناني.
.
ويساور اللبنانيين القلق بشأن عدم التوصل إلى اتفاق بشأن خليفة الرئيس ميشال عون حتى بعد انتهاء ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما سيؤدي إلى فراغ مزدوج في الرئاسة والحكومة التي تقوم بتصريف الأعمال منذ مايو/أيار في خضم أزمة مالية واجتماعية عميقة وتحديات أمنية واقتصادية.
فريق العمل:
تحرير: محمد العلي- زهير حمداني
تصميم: قسم الوسائط