بعد فحص 4 مليارات تغريدة.. باحثون يربطون بين المناخ وخطاب الكراهية على الإنترنت

عند مناقشة تغير المناخ من المهم أن نتذكر أننا نشعر بتبعاته في حياتنا اليومية (شترستوك)

يقول رئيس جمعية الصحفيين الكندية برنت جولي إن "الانتشار المتسارع لخطاب الكراهية عبر الإنترنت أصبح مشكلة عالمية تهدد نسيج المجتمعات".

كما أظهر تقرير بحثي أعدته كل من أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة أن "الكراهية على الإنترنت قد تؤثر سلبا في رفاه الشخص وصحته العقلية، وتؤدي إلى العصبية والعنف في الواقع".

وأكدت خبيرة مكافحة التنمر سو جونز أن "خطاب الكراهية قد يؤثر على الصحة العقلية للمستهدفين، وعلى تقديرهم لذواتهم وعلى معدلات القلق والاكتئاب".

لكن باحثين بمعهد بحوث تأثير المناخ التابع لجامعة "بوستدام" الألمانية ربطوا بين خطاب الكراهية على الإنترنت وارتفاع درجات الحرارة فوق 30 درجة مئوية، وذلك في دراسة جديدة فحصت أكثر من 4 مليارات تغريدة في الولايات المتحدة حددت موقعها الجغرافي، لرصد ما قد يندرج منها ضمن خطاب الكراهية بتأثير من "تغييرات المناخ وسوء الطقس والعدوانية وارتفاع وتيرة النزاعات الشخصية عبر الإنترنت"، وأظهرت أن الكراهية كانت أعلى في المناطق الأشد حرارة والأشد برودة بشكل فاقم حالات الصحة العقلية، خصوصا بين الشباب.

الاحتباس الحراري والسلوك العدواني

وقالت أنيكا ستيشيميسر المشرفة الرئيسية على الدراسة -التي نشرت في دورية "ذا لانسيت" (The Lancet) الطبية المرموقة في وقت سابق من أيلول/سبتمبر الجاري- "إن خطاب الكراهية مؤشر على مدى قدرة الناس على التكيف مع درجات الحرارة، فكلما ارتفعت درجات الحرارة أو انخفضت بشدة وجدنا أن هناك زيادة في خطاب الكراهية عبر الإنترنت بغض النظر عن الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية أو الدين أو المعتقدات السياسية"، وفقا لما ذكرته "بلومبيرغ" (Bloomberg).

وبناء على أبحاث نشرت عام 2020 تسبب ارتفاع الاحترار العالمي بحوالي 1.1 درجة مئوية في المتوسط ​​منذ عصور ما قبل الثورة الصناعية في إطلاق العنان لجميع أنواع الظواهر المناخية القاسية في جميع أنحاء العالم، حتى ضرب الجفاف وسلسلة من موجات الحر أوروبا والصين والولايات المتحدة هذا الصيف، كما "ارتبط بزيادة دخول الأشخاص مستشفيات الأمراض النفسية، وارتفاع معدلات الانتحار، ومزيد من العنف المنزلي".

وربط مجلس العلاقات الخارجية -وهو مركز أبحاث مقره نيويورك- "بين السلوك العدواني عبر الإنترنت والعنف في الحياة اليومية الواقعية خارج الإنترنت أيضا، حيث أدت المشاركات الغاضبة إلى مزيد من العنف تجاه الأقليات، بما في ذلك عمليات إطلاق النار الجماعية والتطهير العرقي والإعدام خارج نطاق القانون".

نقطة الانهيار

واستخدمت ستيشيميسر ومساعدوها الذكاء الاصطناعي في فحص 4 مليارات تغريدة لمستخدمين مقيمين في 773 مدينة بأنحاء الولايات المتحدة بين عامي 2014 و2020، والتعرف على حوالي 75 مليون رسالة كراهية باللغة الإنجليزية.

ثم حللوا كيف تغير عدد تغريدات الكراهية كلما زادت درجات الحرارة أو انخفضت، ووجدوا أن الكلام الذي يحض على الكراهية عبر الإنترنت -وهو بحسب تعريف الأمم المتحدة "أي نوع من الاتصال بالكلام أو الكتابة أو السلوك يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية للإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الدين أو العرق أو الجنسية أو اللون أو الجنس أو أي عامل هوية آخر"- زاد مع ارتفاع درجات الحرارة القصوى اليومية فوق 21 مئوية.

وارتفعت رسائل الكراهية بنسبة تصل إلى 22% في الأيام الحارة في جميع المناطق المناخية والمجموعات الاجتماعية والاقتصادية في الولايات المتحدة مقارنة بأوقات الطقس المعتدل، كما اشتدت التوترات عبر الإنترنت بشكل أكبر عندما تجاوزت درجات الحرارة 30 درجة مئوية.

ولاحظ الباحثون أن خطاب الكراهية عبر الإنترنت يرتفع بنسبة تصل إلى 24% ببلوغ درجات الحرارة 42 أو 45 درجة مئوية في المناطق الأميركية ذات المناخ الحار.

لا مكان بمنأى عن تأثيرات تغير المناخ

وقالت ستيشيميسر "عند مناقشة تغير المناخ من المهم أن نتذكر أننا نشعر بالآثار في كل مكان وليس فقط في الأماكن التي فيها كوارث كبرى، فهناك أماكن لم تتم فيها مناقشة العواقب الاجتماعية للحرارة باستفاضة، ولا سيما في ما يتعلق بكيفية العيش معا كمجتمع والتفكير برفاهيتنا في المستقبل".

وفي العام الماضي "توصلت دراسة أجراها نفس الباحثين -ولكن بالتركيز على أوروبا- إلى استنتاجات مماثلة"، كما تم رصد وجود علاقة مباشرة بين الحرارة المرتفعة وزيادة الكراهية على الإنترنت في الصين.

كما أوضح أندرس ليفرمان الباحث في جامعة كولومبيا أنه "حتى في المناطق ذات الدخل المرتفع الذي يسمح باقتناء مكيفات الهواء زاد فيها خطاب الكراهية في الأيام شديدة الحرارة، مما يعني أن هناك حدودا محتملة للتكيف مع درجات الحرارة القصوى".

خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري

وعلقت "بلومبيرغ" بأن الباحثين قاموا بتحليل التغريدات ككل ولم يفحصوا حوادث محددة، وهو ما يعني أنه لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كان الطقس قد وقف وراء تفاقم الكراهية عبر الإنترنت بعد مقتل جورج فلويد في مايو/أيار 2020 أو في الفترة التي سبقت الهجوم على مبنى الكابيتول الأميركي في يناير/كانون الثاني 2021 على سبيل المثال.

لكن ستيشيميسر قالت "تظهر نتائجنا أنه إذا كان سبتمبر/أيلول حارا على سبيل المثال فإنه يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من الكراهية على موقع تويتر، ولكن دون أن نعرف ما إذا كانت الكراهية التي نلاحظها مرتبطة بالقضايا السياسية أو العنصرية من عدمه".

وأضافت "ما زلنا نعتقد أن الناس قد يواجهون سلوكا بغيضا أكثر، حيث سيكون هناك المزيد من العدوانية والعنف ما لم يساهموا في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل كبير كأمر بالغ الأهمية لصحتهم العقلية".

المصدر : مواقع إلكترونية