تصاعد حالات العنف ضد الرجل بكردستان العراق

العنف ضد الرجال ظاهرة منتشرة في أنحاء العالم وليس في إقليم كردستان وحده (غيتي)

تستمر مشكلة العنف ضد الرجال في إقليم كردستان العراق بالتزايد وسط غياب الحلول وتفاقم الحالة الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية الخطيرة.

ورغم صعوبة الوقوف على الأعداد الحقيقية للمعنفين من الرجال في عموم العراق بسبب الحرج من تقديم شكاوى حول تعرضهم للتعنيف من قبل زوجاتهم، لاعتبارات اجتماعية، فإن التقارير تؤكد تعرض الآلاف من الرجال للعنف خلال السنوات القليلة الماضية.

تردي الأوضاع في البلاد وضغوط الحياة اليومية وراء تصاعد العنف (الفرنسية)

عنف متزايد

ويؤكد رئيس منظمة الحقوق المدنية والمواطنة ضياء بطرس صليو، تسجيل تزايد في حالات العنف ضد الرجال خلال السنوات الأخيرة.

ويبيّن صليو للجزيرة نت أن أي إنسان في العراق رجلا كان أو امرأة فهو معرّض لعدة أشكال من العنف سواء العنف الأسري، أو المجتمعي أو السياسي أو الاقتصادي، بسبب الأوضاع المأساوية التي تشهدها البلاد منذ عام 2003.

ويعزو أسباب تصاعد العنف إلى تردي الأوضاع في البلاد وضغوط الحياة اليومية، فضلا عن دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وضعف دور منظمات المجتمع المدني لتثقيف المجتمع حول كيفية مناهضة هذا العنف.

ويعرب صليو عن اعتقاده بأن منح دور أكبر للمرأة في المجتمع والاعتماد عليها والسماح لها بالعمل سوف يقلل حالات العنف الأسري سواء ضد المرأة أو الرجل.

إحصاءات

وكشف صليو عن أن إحصائيات النصف الأول من عام 2022 سجلت مناطق كردستان 233 شكوى عنف ضد الرجل، و21 حالة انتحار لرجال معنفين و3 رجال قتلوا على يد نساء.

وأضاف أنه في عام 2021 كان هناك 521 شكوى قدمها رجال تعرضوا للعنف، و68 حالة انتحار لمعنفين، و6 حالات لقتل رجال على يد زوجاتهم، مشيرا إلى أن الإقليم سجل أكثر من 101 ألف حالة طلاق خلال 10 سنوات، نسبة كبيرة منها بسبب تعرض الرجال للعنف، ما ترك 71 ألف طفل فاقد الأبوين.

ودعا صليو إلى ضرورة إقرار قانون مكافحة العنف الأسري، والاهتمام بدور رعاية المسنين، ودعم منظمات المجتمع المدني المهتمة بالأسرة وشؤونها، فضلا عن تفعيل دور الإعلام في تثقيف المجتمعات.

جمعة أكد ضرورة أن يكون هنالك دور فاعل للقانون من أجل القضاء على التعنيف (الجزيرة نت)

معالجات قانونية

ويستبعد المحامي والخبير القانوني محمد جمعة، مساهمة القانون في ازدياد حالات التعنيف ضد الرجال لأن قوانين إقليم كردستان تعاقب الزوجة إن عنفت الرجل.

ويوضح للجزيرة نت أن قانون العنف الأسري في كردستان لا يفرق إن كانت الزوجة تعنف أو الزوج، فكل عنف هو مجرم، لذا فالقوانين لم تشجع على هذا النوع من التعنيف.

وحول طريقة الإبلاغ عن حالات العنف التي يتعرض لها الرجل، يذكر جمعة أنه بموجب القانون على الرجل نفسه هو أن يبادر إلى الإبلاغ بحصول التعنيف ضده، وعليه أن يجلب الشهود أو التقارير الطبية التي تثبت فعلا حصول التعنيف ضده، وعليه أن يذهب إلى محكمة التحقيق المختصة أو مركز العنف الأسري المختص لتقديم بلاغ رسمي حول تعرضه للتعنيف من قبل زوجته أو أحد أفراد عائلته.

ويلفت جمعة إلى أن معظم بلاغات الرجال عن تعرضهم للتعذيب هي كيدية، يحاول الزوج من خلالها الدفاع عن نفسه قانونيا في حال اتهمته زوجته بتعنيفها، حيث يتم إسقاط الدعويين عن طريق تنازل الطرفين.

واستدرك بالقول، إن ذلك لا ينفي وجود حالات تعنيف يتعرض لها الرجال، لكنه في الأغلب لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الأعراف والقيود المجتمعية التي تعيب على الرجل القيام بذلك.

وأكد الخبير القانوني ضرورة أن يكون هنالك دور فاعل للقانون من أجل القضاء على التعنيف، وينبغي على ضحايا التعنيف أن يثقوا بالقانون، كما ينبغي الاهتمام بالبرامج النفسية، لحل مشاكل الأزواج، لأن العلاج من السلوك العنيف هو إحدى الطرق الفاعلة والناجحة للقضاء على العنف الأسري.

الهموندي يعتقد بأن المنظمات الحقوقية وتدخل الأحزاب يمكنه الحد من حالات من العنف (الجزيرة نت)

عوامل كثيرة

من جانبه، يقول ممثل سفير المفوضية الدولية لحقوق الإنسان في كردستان الدكتور صلاح الهموندي، إن هناك أسبابا كثيرة لهذه الظاهرة المنتشرة في أنحاء العالم وليس في إقليم كردستان فقط.

ويبين في حديثه للجزيرة نت أن هناك عوامل كثيرة لهذا النوع من العنف منها اقتصادية، وأخرى تعود لغياب التفاهم الزوجي، وكذلك السياسة والدور السلبي للإعلام وغياب القانون.

ويكشف الهموندي عن تصاعد حوادث العنف ضد الرجال خلال السنوات الماضية، حيث سجلت الفترة بين 2014-2020 نحو 3797 حالة عنف، و568 حالة انتحار لرجال معنفين، فضلا عن هجرة الكثير بسبب التعنيف، وفق بيانات اتحاد الرجال في كردستان، وهو منظمة غير حكومية.

سماري ترى أن أسباب تعنيف الرجال تعود لقلة الوعي والوضع الاجتماعي والتعلق بمواقع التواصل (الجزيرة نت)

وأعرب عن اعتقاده بأن الحضور القوي لمنظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية، وتدخل الأحزاب الموجودة في كردستان يمكنه الحد من حالات من العنف.

وتعرب الناشطة الحقوقية مها إبراهيم سماري للجزيرة نت عن رفضها للعنف ضد الرجل، مرجعة أسبابها إلى قلة الوعي وقلة الثقافة وطبيعة الحالة الاجتماعية، ومشاكل الإنترنت التي دمرت العلاقات الأسرية.

وتدعو الناشطة الحقوقية إلى حجب بعض المواقع الإلكترونية المسيئة، والاهتمام بتوعية المرأة والرجل على طريقة التعامل الصحيح بينهما.

شوقي: غياب العمل بالقانون والاحتكام للأعراف العشائرية من الأسباب الرئيسة للعنف الأسري (الجزيرة نت)

شرخ أسري

بدوره، يرجح الكاتب نور شوقي أن يكون غياب العمل بالقانون والاحتكام للأعراف العشائرية وانعكاسات ذلك على المجتمع وتطوره؛ من الأسباب الرئيسة لمشكلة العنف الأسري.

ويحذّر شوقي في حديثه للجزيرة نت من مشاكل مواقع التواصل الاجتماعي عندما تحاول المرأة تطبيق ما تراه في تلك المواقع ضمن بيئة بيتها على زوجها، وكذلك يفعل الزوج فيحصل صدام بينه وبين زوجته، ويحدث شرخ في العلاقة التقليدية التي كانوا متعايشين عليها.

وينوه إلى أنه أحيانا تحاول الزوجة أن تكون مسيطرة في البيت من خلال استعمال العنف أو أساليب أخرى تتعامل من خلالها مع الزوج بسلبية، وهذه كلها تؤدي إلى انهدام الأسرة وبالتالي يتفكك المجتمع.

ويدعو شوقي إلى تنظيم حملات لتوعية المجتمع عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والتلفاز والمنشورات، وقيام المنظمات المدنية بعمل لقاءات مع شخصيات موزونة بالمجتمع لتقوم بمحاضرات إرشادية تحل المشكلة من جذورها.

وشدد على ضرورة أن تقوم الحكومة باتخاذ خطوات عملية لبحث أسباب المشكلة وإيجاد الحلول لها، وحفظ حقوق جميع شرائح المجتمع، لاحتواء هذا الأمر.

المصدر : الجزيرة