سوق المباركية الكويتي يروي قصصا على امتداد 125 عاما

سوق المباركية تروي تاريخ الكويت وحاضرها، محافظة على مكانتها السياحية والتجارية في البلاد.

سوق المباركية له شهرة كبيرة داخل الكويت وخارجها(الجزيرة)
سوق المباركية لها شهرة كبيرة داخل الكويت وخارجها (الجزيرة)

الكويت ـ قبل 125 عاما أنشأ حاكم الكويت ومؤسس نهضتها الشيخ مبارك الصباح دكانا في منطقة القبلة وسط الكويت، كان غرضه الاستماع إلى شكاوى المواطنين والنظر في مشاكلهم، وبعد فترة تحول الدكان إلى أول محكمة بالكويت تقضي في شؤون المتخاصمين.

وكان التجار يجتمعون بالقرب من ذلك الدكان في تلك المنطقة التي يجلبون إليها بضائعهم من الهند والعراق وعمان وغيرها، لتتحول هذه المنطقة إلى أكبر سوق تقليدية في البلاد، اتفق التجار على تسميتها بالمباركية نسبة إلى الشيخ مبارك.

المباركية سوق كويتية يجسد ذاكرة شعب، ويحافظ على طابعه التقليدي، ليعطي الزائر فرصة للتعرف على معلم تراثي وطني ما زال حيا وشاهدا على عقود من تاريخ الكويت ونشاطها الاقتصادي والطبيعة التجارية لسكانها والبضائع التي كانت رائجة فيها عبر الزمن.

يكتظ سوق المباركية التراثي طوال أيام العام، ولا سيما خلال شهر رمضان المبارك وطوال مواسم الأعياد، بالمتسوقين الراغبين في اقتناء الملابس التراثية والحديثة وشراء الحلويات والخضروات والحاجات المتنوعة وارتياد المقاهي والمطاعم والعيش في أجواء تعبر عن عبق الماضي.

يصل عمر سوق المباركية الى ٦٢ عاما (الجزيرة)
سوق المباركية أحد أهم مراكز التسوق التقليدية في الكويت (الجزيرة)

أيمن بائع شاي وقهوة في ساحة المباركية يرى أن سر المباركية في روادها، فالكل يمر ببساطة يشرب الشاي أو القهوة مع أسرته أو رفاقه ويمضي.

ويرصد أيمن الابتسامة الدائمة على وجوه مرتادي السوق والفروق الاجتماعية الذائبة بين زواره، فالجميع يأتي إلى السوق راغبا في التمتع بتلك الأجواء.

أقدم سبيل

ويميز سوق المباركية أيضا وجود سبيل "بن دعيج" الذي يعد الأقدم في الكويت، فحكايته بدأت كما يرويها أحد أفراد أسرة بن دعيج بطلب العابرين المتزايد على شرب الماء في تلك الأجواء الحارة، فكان بيت بن دعيج هو الأكبر في المنطقة وسمات أهله تبشر بالعطاء لمن يطرق بابهم.

ليقرر أصحاب البيت وضع جرة كبيرة من الفخار أمام باب البيت ليشرب من يشرب مجانا لوجه الله، في وقت كان يأتي فيه الماء العذب إلى الكويت من البصرة على سفن وينقله الحمالون على الحمير والبغال إلى البيوت بثمن غير قليل.

تزايد الطالبون للماء البارد فقرر صاحب البيت إنشاء أول سبيل لوجه الله؛ بل وضيق بيته واقتص منه لينشئ محالا تجارية حوله ويوقف إيجارها لسقيا الماء، وهكذا دأب الورثة على الفعل نفسه حتى يومنا هذا وفق مشروعات متطورة لصدقة جارية.

بساطة كبيرة

مدير سوق المباركية الأسبق عبد العزيز المسعود يرى أن سر تألق السوق يعود إلى أنه جمع بين السوق النظامية والسوق الشعبية في الوقت نفسه في ظل نظام وبساطة كبيرة، قائلا "هناك بركة في البيع والشراء وترتيب بسطات ومحلات التي يقدر عددها بنحو 600 وحدة، كل هذا مع نظافة 24 ساعة".

يضيف المسعود "ما زالت المباركية هي المبتغى خاصة في رمضان عندما تبحث عن مكان حيوي دافئ لتتناول فيه وجبة ساخنة في الفطور أو السحور مع أهلك أو معارفك ففي الوقت الذي قد تنفق فيه 120 دينارا (394 دولارا تقريبا) لتعزم أصحابك في أحد مراكز التسوق تنفق هنا 30 دينارا فقط".

سوق المباركية متنفس كبير لكافة سكان الكويت (الجزيرة)
سوق المباركية تجمع بين السوق النظامية والشعبية (الجزيرة)

سمة الكرم من السمات الأصيلة في المباركية التي لا يشقى جليسها فطوال شهر رمضان لا يمر محتاج دون دعوة مجانية للإفطار، وبحسب تعبير المسعود "اللي عنده واللي ما عنده مرحب به".

ويتحمس المدير السابق بحديث يشع رغبته في العطاء تحت أي مسمى فيقول "المباركية أفضل سوق في العالم حتى الأوروبيين يستمتعون بالمكان".

كل ما تحتاجه

وتعج السوق بالمتسوقين الأجانب، فعلى مقربة من أحد المحلات يقف الشاب الألماني يورغن غيير يشتري عبوات التمر والعطارة المنوعة ليهديها لوالديه وأصدقائه حين عودته لبلاده، ويقول إنه ليس غريبا عن الكويت، فلقد تزوج منها وعمل فيها معلما للغة الألمانية 3 سنوات قبل أن يعود إلى أوروبا مجددا.

والمباركية مكان مفضل لغيير، فقد اشترى منها التمر والهيل والبخور وعطر العود، فضلا عن أوشحة وعباءات، وهي بضاعة ومنتجات يرى أنها رخيصة وجيدة في الوقت نفسه.

ويضيف الشاب الألماني "أفضل السير في أروقة السوق ومشاهدة الحركة الدائبة فيه، فهنا كل الجنسيات المقيمة بالكويت والسياح أيضا، لا تفرق بين شخص وآخر، الحياة بسيطة جدا وهذا هو سر جذبها لي".

بالمباركية مقاه شهيرة وقديمة قدم نشأتها، منها مقهى بوناشي ومقهى الرعيل الأول، فضلا عن مقاه شبابية، تجمع تلك المقاهي بين الفكرة الشعبية والديكور المعاصر بألوانه الباردة الذكية.

محطة ثابتة

وعلى مقربة من أحد المقاهي يجوب الممثل البحريني الشاب أحمد سعيد السوق مع رفقائه ويؤكد أن المباركية هي محطة ثابتة لزيارة كل خليجي يأتي للكويت، "يكفي المقاهي العامرة حتى وقت متأخر من الليل كما يكفي أن نزور حوالي 20 سوقا في طلعة واحدة".

في الباحة الخارجية وكأنهما جناحا رحمة للمسجد، ثمة منطقتا ألعاب للأطفال بينهما نافورة مائية ملونة. صوت ضحكات الصغار تصدح من كل ركن هنا، والعاملات المنزليات مندسات بين الأطفال في يقظة دائمة وعلى وجوههن مظاهر التعب كي لا يصيب أي من الصغار أقل ضرر من الألعاب وطيش اللهو بها.

لا تخلو الحياة من منغصات، فمن أكبر الأزمات التي واجهت السوق كانت ارتفاع الإيجارات في مارس/ آذار 2017 بنسبة اقتربت من 300% بحجة التحديث لمحلاته المشبعة برائحة التاريخ، وساعتها أغلقت المقاهي والمطاعم والمحلات أبوابها حتى تدخلت الحكومة وساهمت الشركة المؤجرة للسوق من إدارة أملاك الدولة في حل المشكلة بعد سلسلة مفاوضات ناجحة.

والخلاصة التي يخرج الزائر بها من جولة سريعة بالمباركية لفض سرها، أن هنا قلب الكويت بلا منازع، وهنا ملاذ الباحثين عن الألفة والدفء، وهنا رائحة التاريخ وسيرة الأجداد، وكما يجذب الضوء الفراشات، ينجذب الزائر إلى المباركية، الفارق الوحيد أنه لا يحترق، بل يأكل ويشرب ويتسوق.

المصدر : الجزيرة