الأمثال الشعبية على لسان الأجداد في المواقف والمناسبات.. هل يحفظ الجيل الجديد هذا الإرث؟

نايف النوايسة: المثل الشعبي أحد أعمدة الأدب ومن أقواها تأثيرًا وأكثرها شيوعًا لعبارته الوجيزة وملامسته لحياة الناس وتجاربهم وخبراتهم وسهولة حفظه.

هناك فجوة كبيرة بين الأجيال في تداول الأمثال ودلالاتها في المجتمع الواحد- (بيكسلز)
حكايات الأمثال متشابهة في كثير من الدول وهذا يدل على مرونة المثل وقدرته على الانتقال من بلد إلى آخر (بيكسلز)

عمان – للأمثال الشعبية سحرها الذي لا يستهان به، فهي "حاضرة" على لسان الأجداد، فلا يتردّد أي جد أو جدة في استحضارها بإحدى المناسبات أو في موقف ما، يقينًا منهم بأن هذه الأمثال "وصفة" اجتماعية لتلخيص الحدث أو تقييمه أو التعليق على مجرياته، وفق تجارب السابقين "مطلقي الأمثال الشعبية"، فهل يحفظ الأبناء والأحفاد "أجيال التيك توك" هذا الإرث؟

للإجابة عن هذا التساؤل، حاورت الجزيرة نت مجموع من كبار السنّ للاستفادة من تجاربهم وآرائهم، كما أوضح الأديب والباحث في التراث الأستاذ نايف النوايسة وجهة نظره في الموضوع.

تناقل الأمثال الشعبية

ترى الستينية أم زياد أن تناقل الأمثال الشعبية يكون عبر الأجيال، أما الجيل الناشئ فقد لا يكترث بها ولا يحفظها، ولكنه بات محظوظا بمحرك البحث "غوغل" الذي يوفر كمًّا هائلا من الأمثال الشعبية والمصادر من الكتب والفيديوهات التي قد تتيح التعرف على المثل وتاريخه ومناسبة قوله.

وتقول للجزيرة نت "الأمثال حصيلة تجارب حياتية معيشة، وتخرج من أفواه الأمهات وفقا لموقف ما يتطلب النطق بها، فتكون مطابقة لبعض المواقف التي ليس لها كلمات مناسبة تقال فيها، ونحتفظ بها في أنفسنا، وفي الوقت المناسب تقال".

وتضيف أن الأم والجدة قد تمدح وقد تنتقد سلوكا معينًا أمامها أو قد تدخل نوعا من الفكاهة على الجلسة، مثل نوادر جحا وما أكثرها، وقد تُبنى بالأمثال قواعد حياتية مثل "من جدّ وجد".

النوايسة المثل الشعبي لا يختلف كثيرا عن الفصيح- (بيكسلز)
الأمثال الشعبية تُتناقل عبر الأجيال أما الجيل الناشئ فقد لا يكترث بها ولا يحفظها (بيكسلز)

هل تتوافق الأمثال الشعبية مع مستجدات العصر؟

يقول السبعيني أبو عمر -للجزيرة نت- إن بعض الأمثال في العصر الحديث قد لا تتوافق مع مستجدات العصر، فيحرّفها البعض، مثل "وخير جليس في الزمان كتاب" إلى آيباد أو خلوي أو الإنترنت.

ويبيّن أن الأمثال الشعبية حاضرة على لساننا، فالإنسان يحنّ الى ماضيه ويبحث عنه من حين إلى آخر، فهذه الحكم والأمثال صاحبت قصصا أو مواقف مرّ بها السابقون، فصارت حكمة أو مضرب مثل، فتحوّلت إلى نبراس لإنارة الدرب، مثل "النظافة من الإيمان"، و"لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد".

الأمثال الشعبية تتسم بالديمومة

ويعبّر الستيني أبو فيصل عن رأيه بالقول "الأمثال والحكم لا يوجد لها تاريخ انتهاء، فهي تتسم بالديمومة، ويمكن إطلاقها في أوقات متغايرة، والهدف من نقلها الاستفادة".

ويتابع أن الأمثال قد تتطرق إلى العديد من جوانب الحياة، مثل إدارة المال أو الترفيه عن النفس، وقد تمسّ عادات المجتمع، فربما تكون أقصر جملة تعبّر بفطنة عما يدور في النفس وفقا لموقف معين، بلغة يسهل تداولها بيسر وتكون معبّرة بعدد كلمات محدود، مثل "الحب أعمى"، "تزرعه يقلعك"، "المال السايب بعلم السرقة"، "الرفيق قبل الطريق"، "القرش الأبيض ليومك الأسود"، وغيرها.

وعن حفظ هذا الإرث يقول للجزيرة نت "نحن نكرر إطلاق الحكم والأمثال أمام أبنائنا وأحفادنا لتبقى راسخة في العقول، بالإضافة إلى أن الإنترنت يجمع كل أمثال العالم، لينهل منها كل وفق رغبته".

نايف النوايسة- (الجزيرة)
نايف النوايسة: المثل الشعبي لا يختلف كثيرا عن الفصيح وهو أحد أعمدة الأدب (الجزيرة)

دراسات وإحصاءات قليلة

يقول الأديب والباحث في التراث نايف النوايسة للجزيرة نت "على الرغم من الجهود التراثية الشعبية المبذولة في أرجاء الوطن العربي وما قدمه الباحثون من دراسات ومسوح وعمليات رصد للتراث الثقافي غير المادي، فإن هذه الجهود قليلة قياسًا بالنتاج الثقافي الغزير في أبواب الحركة الثقافية عمومًا".

ويضيف "تكشف لنا رفوف المكتبة الثقافية العربية ضعف مصادرها من كتب التراث، وهذا الأمر يتطلب من الباحثين التراثيين مضاعفة جهودهم، وحث الباحثين في شؤون الثقافة والمؤسسات الثقافية والأكاديمية على تكثيف البحث المتعلق بشؤون التراث".

وقد أشار الباحث النوايسة إلى هذا الموضوع في رحلة البحث في مرحلة إجراء المسوح التراثية لمشروع "مكنز التراث الوطني الأردني" الذي قامت به وزارة الثقافة الأردنية، فيقول النوايسة "بالإضافة إلى ما توافقنا عليه في أحد مؤتمرات خبراء التراث في القاهرة لمواجهة هذه المشكلة التي تؤرقنا نحن الباحثين بأقسام التراث الثقافي غير المادي على مستوى الوطن العربي، ومن هذه الأقسام (المثل الشعبي)".

المثل الشعبي أحد أعمدة الأدب

يرى النوايسة أن المثل الشعبي أحد أعمدة الأدب، سواء في جانبه الفصيح أو في جانبه الشعبي، وهو من أقواها تأثيرًا وأكثرها شيوعًا "لعبارته الوجيزة وملامسته لحياة الناس وتجاربهم وخبراتهم وسهولة حفظه".

ومن المعروف أن المثل الفصيح مستقر بقالب لغوي سيّار عند كل الإخباريين الذين تناقلوه في كتبهم كالميداني مثلًا، وفق النوايسة، أما المثل الشعبي "فإنه لا يختلف كثيرا عن الفصيح، إلا أنه يرد في صيغ بلهجات مختلفة في أرجاء الوطن العربي مع أن دلالات هذه اللهجات متقاربة وبمضارب واحدة حتى إن حكايات الأمثال متشابهة في هذا القطر وذاك، وهذا يدل على مرونة المثل وقدرته على الانتقال من بلد إلى آخر".

أجداد وجدات مع أحفادهم..
هناك فجوة كبيرة بين الأجيال في تداول الأمثال ودلالاتها في المجتمع الواحد وداخل الأسرة الواحدة (شترستوك)

الأجيال وتداول الأمثال

يوضح النوايسة للجزيرة نت أنه لمس في المدة الأخيرة أن هناك فجوة كبيرة بين الأجيال في تداول الأمثال ودلالاتها في المجتمع الواحد وداخل الأسرة الواحدة؛ فالأب يحفظ أمثالا شعبية وصلته من أجيال سابقة وتتطابق مضاربها وحكاياتها ويستخدمها في حياته اليومية وواقعه اجتماعي، بالإضافة إلى قصص متصلة بكيفية نشوء المثل، وبالمقابل فإن الابن يعيش واقعًا جديدًا مختلفًا إلى حد كبير عن واقع الأب، فيُحوّر هذا المثل بصيغ تتناسب وواقعه الجديد الغارق بمسيرة اجتماعية مختلفة وقنوات اتصال عديدة تضخ عليه أشكالا وألوانا من الثقافات الخاصة بالأمثال وغيرها وبخاصة بعض المواقع الالكترونية في ظل غياب لدور المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية، وضعف السيطرة على هذا الأمر.

دور المواقع في حفظ الأمثال

ولا يقلّل النوايسة من دور هذه المواقع الإلكترونية في حفظ الأمثال وتيسير أمر ذيوعها، إلا أنه يطالب المعنيين بتصحيح صيغها من أجل المحافظة على الجذر التراثي من جهة وتوفير مزية المرونة التي يتصف بها المثل الشعبي، "فقديمًا كانوا يطابقون بين صيغة المثل وقصته ودلالته الاجتماعية، لكن الأجيال الشابة الآن لا تعرف ذلك كله، وبات الأمر متروكًا للباحثين في شؤون التراث".

ويشدد على أن "الأمر يحتاج إلى مواجهة دقيقة من الباحثين حتى لا نفقد علاقتنا بهويتنا الثقافية التي نواجه بها قبضة العولمة وما تضخه علينا في قنواتها من معلومات تحتاج إلى تصفية بدلًا من أن يقبلها الجيل المعاصر ويظنها مسلمات".

ويختم النوايسة بالقول "هذه الجهود تساعدنا على ترسيخ الوجه الحقيقي لخصوصيتنا الثقافية، والأمر يتطلب عقد ندوات ومؤتمرات خاصة متعلقة بموضوعات ربط جذور المثل الشعبي مع الواقع الحضاري الذي يتغير كل يوم، من مبدأ أن أمة بلا تراث كالشجرة بلا جذور".

المصدر : الجزيرة