مهن تؤثر على أصحابها بالشهر الكريم.. جنود مجهولون في رمضان

هناك العديد من المهن لا يستطيع أصحابها الاستمتاع بطقوس شهر رمضان المبارك بسبب أعمالهم ودورهم الذي يؤدونه تجاه مجتمعهم.

سوق المباركية له شهرة كبيرة داخل الكويت وخارجها(الجزيرة)
أجواء رمضان لا يستمتع بها جميع الناس بسبب المناوبات وطبيعة عملهم (الجزيرة)

الكويت- هناك مهن شاقة تفرض على أصحابها ظروفا صعبة في شهر رمضان المبارك، ولا يتمكن هؤلاء من الاستمتاع بطقوس الشهر الكريم بسبب أعمالهم ودورهم الذي يؤدونه تجاه مجتمعهم.

فيحمل صقر الصقر الرائد في مركز إطفاء المنقف (جنوبي الكويت) حقيبة بها قليل من زاد الزهرة والطحينة لوجبة إفطار اليوم الأول من رمضان، ومعها لوعة بسبب فراقه أهل بيته في هذا اليوم تحديدا. وهناك في مركز الإطفاء حيث ينتظر بلاغات محتملة طوال الوقت سيفطر مع رفاق الخير شركاء المهام الصعبة، وهناك سينتظر في أي لحظة جرس التنبيه للخروج في مهمة إخماد حريق، والله وحده يعلم كيف سيعود من المهمة.

قبل عبور صقر بوابة البيت يستوقفه طفلاه "يا با خلك معنا اليوم"! الرائد صقر الصقر الذي خبر لسنوات طويلة كيف يحاصر النيران ويخمدها يقاوم دموعا تعرف طريقها إلى قلبه. وزوجته رغم أنها تعرف جيدا طبيعة عمله تكمل على مقاومته العاطفية فتقول له "على حظنا رؤية هلال رمضان تثبته اليوم ولو كان أول يوم الصيام غدا كانت نوبتك في العمل اليوم وتفطر معنا الغد".

صقر الصقر مع زميله بمركز الإطفاء (الجزيرة)

مكالمات يومية

يقول الصقر للجزيرة نت "بالنسبة للإفطار اتفقنا في رمضان على أن يأتي كل منا بطبق طعام من بيته رغم توفير العمل طباخا وأكلات ساخنة، وعادة بعد الإفطار أتحدث إلى صغاري لمدة دقائق مكالمة صوت وصورة لأطمئن عليهم وأطمئنهم وبعدها يتعودون".

لكن كيف يطمئنون وحرائق ضخمة تبتلع مع المباني -أحيانا- البشر؟ يتساءل الصقر وفي عينيه الرحبتين الراضيتين ما تتعرض فيه روحه وأرواح زملائه للخطر كل يوم قائلا "الحرائق التي تأخذ زخما إعلاميا لضخامتها كحريق المباركية الذي وقع قريبا يجعل الأسرة كلها في قلق حتى يعود كل إطفائي إلى بيته، لكن الحرائق الأقل جسامة لا ينتبه إليها أحد رغم أنها تحمل خطورة علينا أيضا، فكم من مرة أتعرض وزملائي للاختناق من كثافة الدخان".

يعمل الرائد صقر الصقر منذ 15 عاما في مهنته، ويمارس الرياضة البدنية قبل مغادرته العمل لأن هذا "الروتين الإلزامي" يضمن للإطفائي لياقة بدنية ورئتين قابلتين لمكافحة الدخان.

فرق الإطفاء تكافح عشرات الحرائق يوميا (مواقع التواصل)

وجبات المستشفى

في مستشفى الصباح فرق من الجنود المجهولين أيضا، بين أطباء وممرضين وإداريين، من الجنسين، ويراعون المرضى ويستعدون في أقسام الطوارئ لعلاج أي حالة قدر ما يستطيعون.

طلعت محمد طبيب باطنة شاب هو أحد هؤلاء المرابطين على الجبهة أمام خطوط الأمراض المهاجمة أو المستوطنة في حصونها المنيعة، وهو يميل لطلب وجبات جاهزة للإفطار مع زملائه وأصدقائه رغم أن المستشفى يوفر وجبات أيضا، ويقول عنها إنها كافية وصحية وشهية أحيانا.

التليفون الذكي خدمه كما خدم الرائد الصقر فيمكّنه من محاورة أهله ووقف نزيف الشوق إليهم ولو مؤقتا، ومع نكات أو "قفشات" تعلق على طبيعة الوجبة التي أعدوها أو طلبها يكون المسكن بجرعة معقولة.

يقول طلعت محمد للجزيرة نت "كل 4 أيام عمل عادية يتحتم علينا السهر في "خفارة" (مناوبة) أو "أوفرتايم" (عمل إضافي) بالمستشفى لكن يمضي الوقت سريعا في رمضان مع مباشرة المرضى ثم الصلاة وقراءة القرآن لحين وصول حالة تستدعي الكشف والعلاج، واعتدنا العمل حتى قبل تخرجنا واعتدنا النوبات والخفارة، وتساعدنا على ذلك الإدارة المنظمة هنا وتفهّم البيت لما نمر به".

ويحكي الطبيب طلعت محمد عن مواقف تعرض لها في رمضان عندما كانت المطاعم كلها مغلقة بسبب كورونا، فيقول "كنت في المستشفى مع زميلي وعادة نتجه لمطعم المستشفى قبل دقائق من الأذان لتسلم وجبات الإفطار، لكن في هذا اليوم فوجئنا بالمطعم يغلق أبوابه لأن كل طاقمه أصيب بالفيروس شديد العدوى، وفضلا عن تعرضنا كصفوف أولى في مواجهة الأمراض المعدية، تساءلنا ما العمل؟ لا مطاعم خارجية ولا يوجد مطعم داخلي؟ صحيح استمر صومنا ساعات إضافية في هذا اليوم، لكن بتعاون الإدارة والكتابة على مجموعات العمل تمكنوا من إرسال وجبات الإفطار والسحور لاحقا".

متطوعون من أجل الكويت في محاربة كورونا
الأطباء وقطاع التمريض كان أكثر المتضررين إبان كورونا (الجزيرة)

 الرقابة البحرية

حمد الخضير (نوخذة) من الرقابة البحرية التابعة لهيئة الزراعة وشؤون الثروة السمكية، يعمل منذ 20 عاما في مطاردة مخالفي الصيد، ينطلق من بيته ليقضي يومين متصلين في نوبة عمل بمركز رأس الأرض في منطقة السالمية، وهناك بين الدوريات ذهابا وإيابا في عمق البحر وديوانية الموظفين يقضي هذين اليومين مع زملاء الواجب.

يحكي حمد كيف تراعي الإدارة ألا يستغل المخالفون وقت الإفطار كثغرة فيتم تقسيم هذا الوقت الحرج على الزملاء، حيث يفتقد حمد تناول وجبة الإفطار مع العائلة مثل سائر الزملاء المناوبين، ويقول "الإفطار بالبيت له طعم آخر، ومع الزملاء ندبر الأمر إما من مطعم أو يأتي كل منا بطبق جاهز من بيته".

نظام النوبات نفسه قبل رمضان؛ يومان عمل و4 أيام راحة. وتمثل طلعة البحر خطورة عندما يحاول المخالفون الاصطدام بالدورية عمدا لتعطيلها، وقد تهب عواصف مفاجئة، "كل شيء ممكن بالبحر لكن ما عندنا مشكلة"، هكذا يقول الفارس النوخذة للجزيرة نت.

ورغم تقليص ساعات جولة الدورية في رمضان، فإن مواقف طريفة تحدث معه، مثل عطل مفاجئ للدورية أثناء العودة، فيفطر النواخذة في البحر على تمرات لحين وصول الزملاء بدورية أخرى وإصلاح الطراد، أو قد تأخذ إجراءات مخالفة مركب صيد وقتا من دون الإحساس بمروره، فيؤذن للمغرب والجميع منهمك في عمله بالبحر.

ومثل صقر وحمد وطلعت، هناك آلاف ممن يعملون في صمت أثناء رمضان ويحرمون أنفسهم من البقاء مع أسرهم وقت لمّ الشمل على طعام الإفطار أو السحور.

المصدر : الجزيرة