الغلاء وضيق المعيشة يفاقمان معاناة الأفغان مع قدوم رمضان

طابور المعلمين الأفغان في مدينة جلال آباد للحصول علی مساعدة مالية من قبل اليونيسيف (الجزيرة)

ننغرهار/ شرق أفغانستان- في 15 أغسطس/آب العام الماضي وقع تحول عسكري كبير في أفغانستان، ذلك البلد الذي أنهكته الحروب المتتالية لأكثر من 40 عاما. وتسبب هذا التحول في إسقاط نظام دام 20 عاما تحت الرعاية الأميركية وبإنفاق تريليونات الدولارات من جانب أميركا وأوروبا.

تلك السنوات كانت أعوام حرب شاملة، فلا توجد مديرية أو قرية لم تتأثر بتداعياتها السيئة، وكان أكثر ضحاياها من المدنيين -رجالا ونساء وأطفالا- فضلا عن الشباب الذين كانوا يشاركون في جبهتي القتال، جبهة الحكومة الأفغانية في جميع أجهزتها الأمنية من الجيش، والشرطة، ورجال الأمن وجبهة حركة طالبان بجميع فصائلها.

سعر کيلوغرام لحم الماعز يمکن أن يرتفع مع بداية رمضان (الجزيرة)

سنوات عجاف.. وخصبة

لكن تلك السنوات مع أنها كانت عجافا من حيث الأمن وحفظ النفوس، غير أنها كانت خصبة من حيث ملء الموائد والجيوب، لأن الملايين من الشعب كانوا أصحاب وظائف حكومية، وأصحاب عمل في المؤسسات الخارجية والشركات الداخلية فضلا عن عمل الكثيرين في التجارة، والعمارة، والمصانع.

وكانت الدائرة العسكرية ساحة خصبة لمن لا يجد وظيفة في مكان آخر، فكانوا يتدفقون على هناك بسهولة من دون شروط مانعة من الالتحاق بالمؤسسة العسكرية، فيلتحق بها الشباب والخريجون من الجامعات لكسب رزق أسرهم من دون أن يكون عند الكثيرين منهم رغبة بتقوية الدولة أو الدفاع عنها.

شاب ثلاثيني يدعى جمال الدين كان عضوا في القوات الأفغانية الخاصة، عمل معها حتى في ساحات الحرب الساخنة مثل محافظة فارياب شمال أفغانستان قال للجزيرة نت "لم أجد عملا آخر فالتحقتُ بالجيش الأفغاني لأحصل على راتب شهري حتى أقدم لأسرتي لقمة عيش، ولما ضاقت الساحة على الحكومة من قبل حركة طالبان تركت الوظيفة وجلست في بيتي وصرت بلا عمل".

شاب آخر من محافظة كونر يسمى رحيم حكيمي تخرج من دار تدريب المعلمين التي تساوي شهادتها مع تعليم السنتين الجامعيتين، وبعد تخرجه لم يجد وظيفة مدنية فالتحق بالجيش الأفغاني بالقسم الإداري منه، وهذا الالتحاق كان بدافع الحاجة ولم يكن بدافع الرغبة، كما قال للجزيرة نت.

وعندما سقطت الحكومة وسقطت معها جميع أجهزتها وإداراتها، سقطت معها الوظائف الشاغرة والرواتب العالية وصار مئات الآلاف بلا وظائف وبلا عمل، خاصة أولئك الذين كانوا يعملون في صفوف الجيش والشرطة والأمن، وخلت جيوبهم وانتهت قدرتهم على شراء السلع الضرورية حتى المواد الأولية التي لا يقوم العيش إلا بها، فيما نقصت رواتب الذين بقوا على وظائفهم إلى 40%، وارتفعت الأسعار في الـ7 أشهر الماضية أكثر من 125%.

مولوي محمد قاسم وهو معلم في إحدى المدارس الدينية تحت الرعاية الحكومية كان يتلقى راتبا شهريا بمقدار 17 ألف أفغانية (ما يعادل 200 دولار أميركي)، أما بعد الخصم من راتبه فيقول "الآن أتقاضى أقل من 13 ألف أفغانية (ما يعادل 140 دولارا)، مع الارتفاع في الأسعار، وهذا ما جعل العيش ضيقا جدا".

أماکن بيع الخضروات والفواکه تبدو شبه خالية لارتفاع أسعارها وقلة المشترين عشية رمضان (الجزيرة)

رمضان والأسعار

في هذه الظروف العصيبة من العيش للشعب الأفغاني يطل شهر الفضيل، وعادة ما ترتفع الأسعار جدا في هذا الشهر بهذا البلد الفقير. يقول مولوي محمد قاسم للجزيرة نت، في وقت سابق، "لم يهل علينا رمضان بعد.. ومن الآن بدأ رفع الأسعار فقد وصل سعر الطحين مثلا إلى 2400 أفغانية (يعادل 27 دولارا) لكل 50 كيلوغراما، بينما كانت قبل أيام بـ2100 أفغانية، كما كانت قبل سقوط الحكومة المنصرمة 1700 أفغانية، وقس على هذا الأشياء الباقية".

قبل حلول شهر رمضان بأيام بدأت الأسعار بالارتفاع وتحركت الأسواق نحو الأعلى رغم أن تكاليف النفط والغاز بدأت بالنزول، وكانت عادة ما ترتفع الأسعار مع زيادة أسعار النفط.

وقال عمران -بقال بإحدى نواحي مدينة جلال آباد شرق أفغانستان- للجزيرة نت "ارتفعت أسعار بعض الأشياء وانخفض بعضها"، وأشار إلى محطة النفط والغاز الواقعة أمام بقالته.

ورصدت الجزيرة نت انخفاض أسعار النفط في محطة البنزين، حيث كان قبل أسبوع 67 أفغانية، فيما انخفض عصر اليوم الأول من أبريل/نيسان إلى 63 أفغانية.

*للاستخدام الداخلي فقط* الجزيرة تغيير أسعار البنزين في أفغانستان خلال أسبوع
أسعار النفط عصر اليوم الجمعة الأول من أبريل (يمين) وأسعاره قبل أسبوع (الجزيرة)

أما الخضروات والفواكه واللحوم فأسعارها تتجه إلى الأعلى، فسعر كيلوغرام من البرتقال مثلا قبل أسبوع كان قرابة 50 أفغانية، والآن صار فوق 75، ويمكن أن يصل إلى 100 أفغانية مع بداية رمضان.

وقال الجزار أحمد للجزيرة نت "أسعار لحم الماعز لم ترتفع حتى الآن وهي بحدود 450 أفغانية للكيلوغرام، لكن من الممكن أن يرتفع السعر". أمام هذه الظروف يبدو أن موائد أكثر الشعب الأفغاني ستكون شبه خالية من اللحم والفواكه، ولا يوجد عليها إلا البطاطا، كما يقول المولوي محمد قاسم للجزيرة نت.

وقال المتحدث الرسمي باسم بلدية مدينة جلال آباد بختي جان مراد للجزيرة نت "ارتفاع الأسعار ليست مشكلة المنطقة الشرقية ولكنها مشكلة البلد بأكملها وقد شكلت بلدية مدينة جلال آباد لجنة مكونة من 11 دائرة حكومية بما فيها المخابرات، لمراقبة الأسعار وتكوين القائمة وإلزام التجار بها، وهذه القائمة على قيد العمل وسنوزعها في اليوم الثاني من رمضان".

من جانبها، قامت بلدية مدينة كابل بإغلاق بعض المتاجر لمخالفتها قائمة الأسعار المحددة من قبل البلدية كما نقلت وكالة "باجواك" الأفغانية في تقرير على موقعها وذلك بعد أن حددت بلدية المدينة أسعار 19 سلعة أساسية من المواد الأولية، وقال المتحدث باسم البلدية نعمت الله باركزاي للصحافة الأفغانية إن البلدية حددت الأسعار منعا للغلاء والاحتكار.

المصدر : الجزيرة