"أنا المستضعف".. ظاهرة "الانحياز للأضعف" تصنع نجاحات للأشخاص والشركات

آبل بدأت من "مرآب"، وأوباما "أسود مستضعف".. هكذا تنجح العلامات التجارية والسياسيون في كسب تعاطفنا بضعفهم

الانحياز للأضعف ظاهرة يؤثر بها الرأي العام على نفسه في المجالات التي بها منافسة لمجرد كون أحد الأطراف هو الأضعف (بيكسلز)

أن تكون ضعيفا قد يكون أكثر تسويق ناجح لتبدو شخصا قويا وتحقق نجاحات، أو هذا ما يراه بعض علماء النفس الذين يعتقدون وجود ظاهرة "الانحياز للأضعف" (The Underdog Effect)؛ إذ إن قصص نجاح بعض المشاهير والمؤثرين والأغنياء تعتمد على فكرة الاستضعاف ليحققوا نجاحا وقوة حقيقية.

الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وخطاباته قبل الانتخابات المبنية على فكرة "الاستضعاف" مكنته من أن يصبح أول رئيس ذا بشرة سوداء، وكسب أصوات الشعب الأميركي ليكون الرئيس الـ44 للولايات المتحدة، والأول من أصول أفريقية.

كما تعتبر فكرة "الاستضعاف" منهجية تسويق وعلامة تجارية قوية يستخدمها معظم السياسيين، فإنها منهجية يتبعها عدد من العلامات التجارية المشهورة مثل "آبل" (Apple)، و"غوغل" (Google)، و"أديداس" (Adidas)، حتى أنها أثبتت نجاحها مع أكثر القصص شعبية للأبطال المستضعفين، التي كسبت دعم وقلوب الجماهير، مثل "هاري بوتر"، بالإضافة إلى المشاهير والمؤثرين والشخصيات الملهمة الذين كانت حياتهم مليئة بالصعوبات، ثم حققوا نجاحا يظهرهم أبطالا، مثل محمد علي كلاي، ونيلسون مانديلا، وأوبرا وينفري.

تأثير المستضعف هو أحد المظاهر العديدة المفترضة لـ"التأثير غير الشخصي" على مواقف الأفراد أو معتقداتهم (بيكسلز)

ظاهرة "الانحياز للأضعف"

هي ظاهرة يؤثر بها الرأي العام على نفسه في المجالات التي بها منافسة لمجرد كون أحد الأطراف هو الأضعف، فمثلا عندما يرى الناخبون في الانتخابات أن حزبا أو مرشحا معينا هو الفائز المحتمل، فإنهم يميلون إلى دعم منافس يُتوقع أن يخسر أو "مستضعف" في هذا السباق.

تأثير المستضعف هو أحد المظاهر العديدة المفترضة لـ"التأثير غير الشخصي" على مواقف الأفراد أو معتقداتهم أو سلوكياتهم المستمدة من انطباعات هؤلاء الأشخاص حول مواقف أو معتقدات أو سلوكيات مجموعات الآخرين المجهولين خارج نطاقهم. ورغم أن أصل المصطلح غير واضح، فإنه يُزعم أنه استخدم لأول مرة في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 1948.

وفي أحيان كثيرة، يدرك الشخص أو الجهة أنها تظهر نفسها في صورة المستضعف وتركز الضوء على بدايتها المتواضعة، والصعاب والصراعات التي خاضتها، مما يدفع الجمهور أو المستهلك إلى دعم هذا الشخص أو الجهة عندما يرون هذه الجوانب المستضعفة، ليس للضعف في حد ذاته، بل للصفات التي ترافقه في هذه السردية، مثل العزيمة والصلابة والإصرار.

ويعتقد العلماء أن هذا التفضيل والتحيز الذي يملكه كثيرون تجاه المستضعفين متجذر في معتقداتنا، بسبب النظر إلى أننا نعيش في عالم مليء بالظلم وعدم المساواة، لذلك نميل إلى تفضيل الجانب الأقل حظا، خاصة إذا كنا في يومٍ مكان هذا المستضعف الذي يحارب الصعاب.

علامات تجارية تستخدم تأثير المستضعف

هذا التأثير يفسر احتفاظ شركات عملاقة -مثل آبل وغوغل وفيسبوك وأديداس وغيرها- بفخر شديد ببداياتها المتواضعة في إنشاء علامتها التجارية، فنسمع عن قصص بداية مشروع ضخم يحقق أرباحا بالملايين، ويتحدث أحدهم بفخر عن بدايته من مرآب أو غرفة منزل متواضع، وفي بعض الأحيان ينشر هذه الصور المتواضعة ليطالعها المستهلكون.

أيضا، قد تكون هذه الظاهرة وسيلة ترويج للعلامات التجارية بدعم المستضعفين أو تسليط الضوء على أحد رموزها الذي كان مستضعفا.

عام 2004، ركزت حملة أديداس بعنوان "المستحيل ليس شيئا" على قصص رياضيين مشهورين عانوا في حياتهم مثل محمد علي كلاي، وشركات أخرى أيضا مثل آبل تحظى بشعبية، بفضل القصة المثيرة لستيف جوبز الذي عانى وطرد من الشركة، لكنه ثابر حتى عاد ليقود الشركة حتى تصبح العملاق الذي نعرفه اليوم.

وتدرك هذه العلامات التجارية أن إظهار هذا الجانب يعني المزيد من الداعمين والمستهلكين الذين يرون في نجاح الشركات أملا في تخطي الصعاب والانتصار وتحقيق النجاح، بحسب البحث الذي نشرته كلية "هارفارد للأعمال" (Harvard Business School).

تأثير المستضعف في السياسة

"عندما يكون اسمك باراك أوباما، فأنت دائما مستضعف في السباقات السياسية.. دعونا نواجه الأمر. وجودي في هذه المرحلة لم يكن مرجحا إلى حد كبير"، بهذه الكلمات تحدث أوباما عام 2004 أمام المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في بوسطن، ووقتها لم يكن معروفا دوليا بعد ولا حتى محليا.

تحدث أوباما كثيرا عن أصول والده المتواضع من قرية صغيرة في كينيا، وجده لوالدته الذي قاتل في الحرب العالمية الثانية، وقال لجمهوره إنه يدرك أن قصة استضعافه هي جزء من القصة الأميركية الأكبر، واتجه للحديث عن العبيد الذين غنوا للحرية، والمهاجرين الذين ألقوا بأنفسهم في البحار لفرص أفضل، وقد مهدت هذه الخطابات الطريق أمامه ليصبح رئيسا بعد 4 سنوات.

أيضا؛ وجدت دراسة نشرت عام 2009 أن تصنيف المرشحين على أنهم مستضعفون يمنحهم ميزة إستراتيجية في المنافسة بكسبهم تعاطف الجماهير.

ووفق دراسة نشرت عبر موقع "ميديوم" (Medium) الأميركي، فإن صنع علامة تجارية أو تحقيق نجاح شخصي عبر البدايات المتواضعة يتم عبر اختيار نقطة ضعف يُمكن أن تستخدم في التسويق للشركة أو للشخص، مع ضرورة أن تكون هناك قصة مؤثرة يُمكن سردها، والمثابرة مع نقطة الاستضعاف حتى الوصول للهدف.

وتشير الدراسة إلى أن بعض العلامات التجارية قد لا يناسبها سردية المستضعف التي قد تأتي بنتائج عكسية تضرب جودة ما يتم تقديمه.

المصدر : مواقع إلكترونية