أكلة المنسف الأردنية على لائحة التراث الثقافي الحي لليونسكو

arab food mansaf jurdan milk and meat jameed; Shutterstock ID 1989378356; purchase_order: ajnet; job: ; client: ; other:
تاريخ المنسف يعود إلى نحو 3 آلاف عام وفق مؤرخين (شترستوك)

عمّان- على تلة مقابلة لقلعة الكرك الأثرية القديمة، أنشأت الثلاثينية أماني البشابشة وعائلتها أكاديمية تدريبية لتعليم فنون طهي أكلة المنسف الأردنية الشهيرة، وإنتاج أقراص لبن الجميد التي تعد مكوّنا أساسيا في طبخ المنسف المقترن بمدينة الكرك (جنوبي الأردن).

وللمنسف طريقة أردنية فريدة في الطبخ تختلف عن مثيلاتها من الأكلات من الصنف والاسم نفسه في دول مجاورة، سواء من حيث المكوّنات أو طريقة التجهيز أو اللبن المستخدم أو طريقة التقديم، وحتى طريقة الأكل.

ويتميز المنسف الأردني بمكوناته الطبيعية المنتقاة من بيئة المكان، سواء اللحم البلدي أو الخبز المجهز من القمح البلدي أو اللبن الجميد المصنع من حليب الأغنام البلدية، أو الأعشاب البرية البلدية المستخدمة في منحه نكهة ومذاقا جميلين، حسب ما تقوله البشابشة في حديثها إلى الجزيرة نت.

وفي سابقة تاريخية، تمكن الأردن خلال الأسبوع الماضي من إدراج أكلة المنسف المحلية على لائحة التراث الثقافي غير المادي (الحي) لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، متقدما على أطباق عدة ومشروبات عربية ودولية، أبرزها أكلة الكسكس المغربية والبيتزا الإيطالية والقهوة العربية السعودية وغيرها.

وتمكن الأردن -بمشاركة دول عربية- من إدراج النخلة الأردنية ضمن قائمة التراث غير المادي لمنظمة اليونسكو خلال عام 2019، وإدراج الخط العربي عام 2021، وفن السامر الأردني عام 2018، وملف المساحة الثقافية لبدو البتراء ووادي رم عام 2008.

تقدم وجبة المنسف بالمناسبات الاجتماعية خاصة الأعراس . الجزيرة . من أرشيفي حفل زفاف في مدينة السلط
وجبة المنسف تقدم في المناسبات الاجتماعية، خاصة الأعراس (الجزيرة)

المنسف والصراع مع اليهود

يعود تاريخ المنسف إلى أكثر من 3 آلاف عام، وفق مؤرخين، وذلك عندما طلب الملك المؤابي "ميشع" من أبناء شعبه في القرن 19 قبل الميلاد طبخ اللحم باللبن، مخالفا بذلك اليهود الذين يحرّمون طبخ اللحم باللبن أو الحليب، وحتى يمكنه ذلك من تمييز أبناء شعبه عن اليهود.

ويتسيّد المنسف مأدبة الأردنيين في المناسبات الاجتماعية في مختلف محافظات المملكة، ويعمّق الروابط الأسرية والاجتماعية بين مكونات المجتمع، فضلا عن كونه مأدبة الضيافة الرسمية التي يستقبل بها الضيوف والزوار.

ويمثل المنسف جزءا مهما من التراث الأردني لاحتفاظه بالعناصر التي عُرف بها قبل أكثر من 200 عام، ولا يزال محتفظا بطقوسه الخاصة به. وأجود أشكال المنسف ما يتم إنتاجه من مكونات "بلدية" خالصة، من اللحم والجميد والخبز والجريش البلدي، حسب المتخصص في التراث الأردني نايف النوايسة.

وترتبط بالمنسف الكثير من العادات الحميدة -كما يقول النوايسة للجزيرة نت- منها إكرام الضيف وتوقير الكبير وصلة الأرحام، وإصلاح ذات البين، وإطعام الجائع والفقير؛ فالمنسف أكبر من أن يكون مجرد أكلة وتنتهي في مناسبة اجتماعية محددة، إذ يمثل مظهرا اجتماعيا تكافليا حضاريا يتميز به الأردنيون.

وكانت البعثة الأردنية الدائمة باليونسكو أعلنت إدراج ملف "المنسف في الأردن: وليمة احتفائية ودلالاتها الاجتماعية والثقافية" على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية في منظمة اليونسكو في نهاية مارس/آذار 2021، خلال مشاركة المملكة في الدورة 17 للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي.

للاستخدام الداخلي فقط - - سياح أجانب يتناولون المنسف في منزل الضافة بمدينة الكرك. الجزيرة. الصورة من صاحبة المشروع أماني البشابشة
سياح أجانب يتناولون المنسف في منزل الضيافة بمدينة الكرك (الجزيرة)

الإعداد ودلالات اجتماعية

يتم إعداد طبق المنسف عبر طهي لحم الضأن باللبن الجميد، حيث تُكسّر أقراص لبن الجميد المجفف إلى قطع صغيرة، وتُنقع في الماء ساعات عدة، ثم تُطحن وتُضاف بهارات المنسف إلى اللبن المطحون واللحم المطبوخ في قدر كبير.

بعد ذلك -كما تقول البشابشة- يُضاف اللبن الجميد إلى اللحم من بداية طبخه لينضج اللحم باللبن. وخلال تجهيز اللحم، يُحضّر خبز العيش أو ما يعرف بـ"خبز الشراك" من طحين القمح البلدي المخبوز على صاج موقد تحته الحطب، ويُضاف الملح إلى عجين طحين القمح من دون أية إضافات أخرى.

ولسكب المنسف، يُستخدم وعاءٌ واسعٌ، يُعرف بـ"السدر"، يُفرش ذلك بخبز الشراك ويتم وضع طبقة من شوربة اللبن المطبوخ باللحم على الخبز، ثم تُفرد عليه طبقة الأرز، وفوقه يوضع اللحم، ويتوسط اللحم رأس الذبيحة، في إشارة إلى كرم الضيافة وتقدير الضيف.

وقديما، كانت تستخدم الأسر الأردنية ما يعرف بـ"جريش القمح" ليوضع فوق خبز الشراك لتجهيز المنسف، لكن تم استبداله بالأزر، ويوضع فوقه اللحم الناضج، ويتم تزيين "سدر" المنسف بالصنوبر واللوز المحمص، وفي المحافظات الشمالية الأردنية يزين "السدر" بحبات من الكبة المحشوة باللحم.

ويتناول الأردنيون المنسف باليد اليمنى، بعد رش الأرز بشوربة اللبن، ولا يقتصر إعداد وتجهيز وجبة المنسف على النساء فقط، بل يسهم الرجال في تجهيزه بإشعال النيران بالحطب تحت القدور التي يُطبخ اللحم فيها للمناسبات الاجتماعية والولائم الكبيرة.

تحمل أكلة المنسف الأردنية جملة من الدلالات الاجتماعية والثقافية للأردنيين، بوصفها شكلا من أشكال التعبير الثقافي غير المادي للعادات الغذائية الأردنية، وتعكس الهوية الثقافية الوطنية، حسب المندوب الأردني الدائم في اليونسكو مكرم القيسي، الذي يشير إلى أن المنسف يمثل رمزا وطنيا يخدم جهود التعريف بالأردن وكرم أهله ونخوتهم.

المصدر : الجزيرة