مشروع قانون يرمي لمعالجة العنف ضد أطفال العراق

تقارير لليونيسيف حذرت من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال ووصفته بأنه بلغ مستويات خطيرة بالعراق (شترستوك- تعبيرية)

بغداد- وضع البرلمان العراقي خطواته الأولى لسنّ مشروع قانون حماية الطفل بعد تعثره خلال الدورات السابقة للحدّ من ظواهر العنف ضدّ الأطفال. لكنّه لقي بعض "الاعتراضات" لافتقاره واقعياً إلى التوازن بين تأمين الحماية من طرف والعادات والتقاليد والقيم والأعراف المُجتمعية من طرف آخر.

ويضم مشروع القانون الكثير من البنود التي تقف إلى جانب الطفل، لا سيما في ما يتعلق بتكليف الدولة مسؤولية حمايته من جميع أشكال التعنيف ورعايته بصورة كاملة اجتماعياً وتعليمياً ومادياً ومعنوياً.

غير أن بعض فقراته تصطدم بإشكاليات في تطبيقها على أرض الواقع وعدم تقبلها اجتماعياً بحسب مراقبين، خصوصاً ما يتعلق بمادتين وضعتا آليات تتيح للطفل تقديم شكوى ضد ذويه في حال تعرّضه للتعنيف أو انتهاك الحقوق.

مبنى البرلمان العراقي، الجزيرة نت
البرلمان وضع خطوته الأولى لسنّ مشروع قانون حماية الطفل بعد تعثره خلال الدورات السابقة (الجزيرة)

ارتفاع معدلات العنف

لقيّ مشروع القانون بعض "الاعتراضات" من كتل سياسية خلال القراءة الأولى له الأحد الماضي، بسبب ما ورد فيه من بنود مُخالفة للأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية. وهو المصير ذاته الذي واجهه قانون مناهضة العنف الأسري، مما حال دون تشريعه ورفضه مرات عدة خلال الدورات البرلمانية السابقة.

وكان العراق من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989. لكنه شهد ارتفاعاً كبيراً في معدلات العنف ضد الأطفال بعد عام 2003، لعدم تطبيق القوانين والأزمات السياسية والأمنية التي مرّ بها البلد، مع غياب الرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية واستغلال الأطفال وتجنيدهم في الأعمال العسكرية والنزاعات المسلحة.

وكشفت تقارير سابقة أن نحو 90% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عام و14 عاماً يتعرّضون بشكل أو بآخر للعنف بأساليب مختلفة.

وعام 2019، سجلت 1606 دعاوى عنف ضد الأطفال بحسب بيانات مجلس القضاء الأعلى. أما عام 2021، فشهد 1141 دعوى عنف أسري ضد الأطفال، بينما سجلت خلال النصف الأول من العام الحالي 500 دعوى.

وفي وقتٍ سابق، حذرت تقارير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال ووصفته بأنه بلغ مستويات خطيرة في العراق، وذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن 80% من أطفال العراق يتعرضون للعنف.

وعالج قانون العقوبات العراقي رقم "111" لعام 1969 وقانون الأحداث لعام 1983 موضوع العنف بحق الأطفال، إذ شدّد العقوبة بحق الاعتداء على الأطفال دون سن 18 عاماً. وتدريج هذه العقوبات بحسب نوع العنف، منها أن الاغتصاب بحق الطفل تصل عقوبته إلى الإعدام والضرب المتسبب بعاهة تصل عقوبته إلى السجن أكثر من 3 سنوات.

وخلال الآونة الأخيرة، شهد العراق ارتفاعاً مُخيفاً وملحوظاً في حالات العنف والتعذيب ضد الأطفال على أيدي ذويهم بأساليب مُختلفة. أبرزها رمي أم لطفليها في نهر دجلة من أعلى جسر شمالي العاصمة بغداد. وأخرى لأب قام بإعدام أولاده الثلاثة شنقًا حتى الموت في محافظة ميسان بسبب خلافات عائلته مع زوجته.

الدكتورة فراح غانم القريشي (الجزيرة 1)
القريشي: يجب أن يتضمن النظام التربوي مناهج تُساعد الطفل على تعلم الدفاع عن نفسه عند تعرّضه للعنف (الجزيرة)

هل يُعالج القانون ظاهرة العنف؟

يرى مراقبون ومتخصصون أن مشروع القانون سيُساهم في معالجة ظاهرة العنف ضدّ الأطفال والحدّ منها. وتقول الأكاديمية المتخصصة في العلوم النفسية والاجتماعية الدكتورة فرح غانم القريشي "تفعيل مشروع القانون يعني وجود قانون يحمي الطفل في المحاكم ويحذر الأسرة من أنه محمي قانونياً في حال فكّر شخص ما بتعنيفه".

وفي حديثها للجزيرة نت، تقترح القريشي ضرورة أن يتضمن النظام التربوي مناهج تُساعد الطفل على التعلم كيفية الدفاع عن نفسه عند تعرّضه لأي عنف، سواء لفظياً كان أو جسدياً وداخل الأسرة أو خارجها في المدرسة مثلاً أو أي مكان آخر، من أجل زيادة الوعي وتربيته تربية صالحة.

وساهم تفشي البطالة وانتشار الآفات الاجتماعية السلبية، كالتسوّل وانتشار المخدرات والتفكك الأسري وارتفاع معدلات الفقر، في زيادة ظاهرة تعنيف الأطفال. إلا أن وجود هذا القانون -في حال إقراره- سيعمل على إنهاء كل ذلك والحدّ منها بنسبة كبيرة جداً، بحسب القريشي.

الأكاديمي والباحث الاجتماعي الدكتور وعد ابراهيم (الجزيرة 3)
خليل: القانون سيحمي الأطفال من استخدامهم في النزاعات المسلحة (الجزيرة)

اعتراضات مُجتمعية

ومن إيجابيات مشروع القانون أنه يحظر تشغيل الأطفال تحت سن 18 عاماً أو إشراكهم بالجماعات المسلحة أو دخولهم النوادي الليلية أو صالات السينما في حال كان العرض غير مخصص لأعمارهم، وحماية الطفل من المخدرات واستغلاله جنسياً ومنع بيع الألعاب المحرضة على العنف والقتال.

هنا، يقرّ الأكاديمي والباحث الاجتماعي الدكتور وعد إبراهيم خليل بأن مشروع القانون سيحمي الأطفال من استغلال الذين يُسخّرونهم سواء في تشغيلهم بمهن غير مناسبة لأعمارهم أو استخدامهم في النزاعات المسلحة.

ومع ذلك، يُشير خليل إلى أنه يصعب على مشروع القانون مُعالجة جميع ظواهر العنف ضد أطفال العراق لأن العنف ليس ظاهرة حديثة وهو يرتبط بجذور أعمق ومُسببات كثيرة في المجتمع العراقي، ولكن بإمكانه أن يتحوّل إلى وسيلة للحدّ منها على الأقل.

والشائع في العراق أن أسلوب تأديب الطفل، من خلال ضربه أو معاقبته صورياً أو مادياً، منتشرٌ داخل المجتمع منذ قرون. لكن أن يقوم الطفل بتقديم شكوى ضدّ الأب أو الأم أو ولي أمره، هنا، يقرّ ابراهيم بـ "استحالة" أن يتقبله المجتمع، وليس بالأمر الهيّن أبداً "لأنها تُخالف التنشئة التربوية الاجتماعية".

ويرى خليل أن المجتمع العراقي بطبيعته مجتمع ذكوري شرقي يُعطي القوة والغلبة للرجل والأب، مما يسمح له بشكل أو بآخر باستخدام العنف ضدّ الأطفال الذين يصفهم بـ "الفئة الأضعف اجتماعياً". ويؤكد صعوبة قدرة مشروع القانون على تغير كل تلك الأعراف، لا سيما تلك المُرتبطة بالسلطة داخل الأسرة، خلال وقت قصير، وربما يحتاج الأمر إلى فترة أطول.

وفي تعليق منه على منح مشروع القانون وزير العمل والشؤون الاجتماعية حق اختيار عائلة بديلة لأي طفل تعرّض للانتهاك أو فقد أحد والديه، يوضح خليل استحالة تقبّل المجتمع العراقي هذه الفقرة حالياً لأنها تحتاج إلى وعي ويمكن حصول ذلك بعد فترات بعيدة جداً وتدريجياً.

يُذكر أن العراق شهد -خلال السنوات الأخيرة- انتشاراً واسعاً للألعاب الإلكترونية المحرّضة على العنف، لا سيما المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي والصالات و"الكافيهات" التي باتت مُتنفساً لعدد كبير من الأطفال، للتعبير عن صور العنف التي يشاهدونها يومياً، في بلد شهد أزمات وصدمات كثيرة كرّست سلوك العنف على أنه شبه طبيعي في ذاكرتهم. وهذا ما يصفه الأكاديمي خليل بـ "الخطير جدًا" لأنهم سيعتمدون على العنف كأول الحلول لمشكلاتهم.

النائب سهام الموسوي (الجزيرة 1)
الموسوي: غاية مشروع القانون حماية الطفل ومعالجة العنف التي يتعرّض لها نتيجة العمالة والتسول وترك المدرسة (الجزيرة)

غياب الرعاية الحكومية

من جانبها، تُشيد عضو لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية النائب سهام الموسوي بمشروع القانون، مؤكدة أنه "إيجابي" وغايته حماية الطفل ومعالجة ظاهرة العنف التي يتعرّض لها نتيجة العمالة والتسول وترك المدرسة، واستغلاله من قِبل عصابات المخدرات والاتجار بالبشر وفي قضايا "غير أخلاقية".

وفي حديثها للجزيرة نت، تنتقد الموسوي غياب الرعاية الحكومية للأطفال وكذا الحال مع العوائل والأسر، موضحة أن مشروع القانون قد يحتاج إلى بعض التعديلات "البسيطة" بعد اعتراضات وردت على بعض بنوده.

قانون رقم 76

بدوره يوضح الخبير القانوني علي التميمي أن "الفقرة المتعلقة بإقامة شكوى ضدّ الأب أو الوصي على الطفل يستحيل تطبيقها على أرض الواقع لأسباب قانونية وأخلاقية ومجتمعية، إذ من شأن ذلك أن "يؤدي إلى التفكك الأسري وعداوات بين الطرفين".

ويُشير التميمي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن "قانون رعاية الأحداث رقم 76 لعام 1983 لا يسمح بإقامة دعوى لمن عمره دون 9 سنوات إلا بوجود الأب أو الوصي. وهذا ما يعني صعوبة أن يقوم الطفل بتقديم شكوى ضدّ والده أو الوصي عليه إذا لم يُكمل سن البلوغ وهو 18 عاما".

المصدر : الجزيرة