"على رأسه ريشة".. التاريخ المذهل لدخول الريش عالم الأزياء

لا يزال ريش النعام والطاووس الأكثر رقيا في الملابس (مواقع التواصل)

في الثقافة الشعبية يقال "على رأسه ريشة" كناية عن الشخص الذي تتم معاملته بصورة أفضل من الآخرين من دون سبب واضح، أما في الحكايات الشعبية فتروى قصة عن لص سرق دجاجة فذهب صاحب الدجاجة للقاضي حتى يحدد السارق من بين المشتبه فيهم، فقال القاضي "هذا أمر سهل فمن سرقها توجد ريشة على رأسه"، وبالطبع لم يتحسس أحد رأسه سوى اللص فتم إلقاء القبض عليه.

الريش علامة الانتصار

لكن لماذا لجأ الإنسان إلى استخدام الريش في مجال الملابس والأزياء؟ بدأ الأمر في الحضارات القديمة التي كانت تتميز بالقبلية، وكان كثيرًا ما تدخل القبائل ضد بعضها البعض في معارك متعددة، وكان كل قائد قبيلة يضع ريشة في قبعته مع كل انتصار له في معركة، لذا تشتهر صورة سكان أميركا الأصليين وهم يرتدون قبعات طويلة مزينة بريشات كثيرة.

في القرن 16، وبعد استعمار أوروبا الأميركتين؛ أعطى القائد الإسباني ومستعمر أرض قبائل الأزتك في المكسيك هيرنان كورتيس إلى ملك إسبانيا وقتها مجموعة من قبعات قادة القبائل المزينة بالريش مع مجموعة من الطيور التي لا تتواجد في أوروبا ولم يروها قبل ذلك.

أعجبت الطبقة الملكية بفكرة تزيين القبعات بالريش، وبدأت صيحة وضع ريشة في القبعات سواء لقادة الجيوش أو لهؤلاء المنتمين للطبقة الحاكمة والمخملية، وتحولت الريشة في القبعة من رمز للانتصار على العدو إلى رمز لسمو المكانة ورفعة الوضع الاجتماعي، مما استدعى خلق مهنة جديدة، وهي مهنة استيراد الريش الفاخر الناعم وبيعه.

بالطبع انتقلت حمى الريش لأوروبا كلها، وأصبحت القبعات ذات الريشة أمرا رائجا لقرن من الزمان، حتى جاء لويس الرابع عشر ملك فرنسا، الذي لم يكتف بوضع الريش على حالته الأصلية، بل أمر بصبغه بألوان زاهية، وبدأت سيطرة فرنسا على صيحة الريش تتضخم مع ابتعاد إسبانيا عن أضواء عالم الأزياء.

وظلت تلك الصيحة متواجدة بقوة في المجتمعات الراقية التي تتنافس بريشتها الموضوعة على رأسها ولأي طائر عجيب تنتمي إليه، سواء كان طاووسا أو بجعا أو نعاما، بينما الطبقة الاجتماعية الأدنى قليلا فكانت ترتدي الريش المأخوذ من الطيور العادية التي يسهل الحصول عليها.

صيحة الريش ظلت متواجدة بقوة في المجتمعات الراقية التي تتنافس بريشتها الموضوعة على رأسها (غيتي)

على رأس ماري أنطوانيت

لكن كل ما سبق في صيحة الريش لا يصل للمستوى الذي وصل إليه الأمر عندما أصبحت ماري أنطوانيت ملكة على فرنسا، وابتدعت صيحات جديدة وغريبة للشعر، فكانت ترفعه عاليا للغاية وتضع عليه شتى الإكسسوارات، وبالطبع كان الريش حاضرا، ولكنه على رأس الملكة ماري ليس على أي رأس آخر، فكان من الممكن أن يصل ارتفاع الريشة الواحدة إلى 3 أقدام، وتدريجيا أصبحت صيحة الريش مرتبطة بالنساء، واختفت من على قبعات القادة والرجال.

بعدما قطعت الثورة الفرنسية رأس ماري أنطوانيت ورؤوس الطبقة الحاكمة وأصدقائهم، اختفت وتغيرت كثير من الأمور، ولكن استخدام الريش لتزيين النساء لم ينته، بل على العكس أصبح من الإكسسوارات الضرورية لكل امرأة.

ماري أنطوانيت ابتدعت صيحات عديدة لموضة تصفيف الشعر من بينها استخدام الريش الطويل (مواقع التواصل)

استخدام العامة للريش

تدريجيا، أصبح الجميع يطمح إلى ارتداء الريش، وانتبه العاملون في مجال الاستعراض أن الاستعانة بالريش في الرقص يخلق حركة انسيابية لا تضاهيها الاستعانة بالخامات الأخرى، فاستخدموا الريش في ملابس الاستعراضات وفي الأوشحة التي يرتدونها على المسرح، لتتغير رمزية استخدام الريش مرة أخرى، وتتحول من علامة على رفعة مكانة الشخص إلى غرض يؤدي دوره المطلوب على المسارح الفنية.

لم تعد الأزياء المزينة بالريش غريبة على الأعين، ولا مرتبطة بطبقة معينة، ولا مستخدمة لهدف محدد؛ فقد شاع استخدامها بين الناس بكل طبقاتهم، حتى أصبح من الممكن إضافة الريش لأي قطعة ملابس سواء كانت رسمية أو غير رسمية، ومن الممكن تزيين أي قطعة إكسسوار به سواء كانت قبعة أو حقيبة أو حتى المجوهرات، من دون أن يبدو غريبا أو منفرا.

الأمران الوحيدان اللذان ظلا مرتبطين باستخدام الريش في الأزياء من عصر ما قبل الثورة الفرنسية أنه أصبح مرتبطا بخزانة ملابس المرأة وابتعد تماما عن عالم الرجال، وكذلك ظلت التفرقة بين أنواع الريش بناء على الطائر، فلا يزال ريش النعام والطاووس الأكثر رقيا.

أخلاقيات ارتداء الريش

هل استخدام الريش في صناعة الأزياء يعد أمرا أخلاقيا؟ يؤكد العاملون في مجال حقوق الحيوان أن استخدام الريش يجب أن يسلط عليه الضوء مثله مثل استخدام الفراء والجلود، لأن أغلب الريش المباع في السوق يأتي من طيور حية تعذبت أثناء عملية النتف، وفي رأيهم أن عامة الناس لا يهتمون بالريش مثلما يهتمون بالفراء والجلود، لأن الفراء والجلود تذكرهم بحيواناتهم الأليفة، لكن الريش لا ينتبهون لأصله ولا يذكرهم بشيء.

بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض مصممي الأزياء يقولون إنهم يحصلون على الريش بشكل طبيعي من المصانع التي تعمل في مجال الغذاء وتستخدم الطيور بوصفها جزءا أساسيا من عملها، وبذلك لا يتعذب أي طائر بسبب ريشه.

استطاعت بيوت الأزياء العالمية تقنين طريقة حصولها على الريش (بيكسابي)

وإن كانت بيوت الأزياء العالمية استطاعت تحجيم وتقنين طريقة حصولها على الريش -حسب صحيفة ذا غارديان (The Guardian) البريطانية- فإن 80% من الريش المستخدم في صناعة الملابس بالجملة قادم من الصين، حيث لا يوجد اهتمام بكيفية الحصول على الريش، وإنما الاهتمام منصب على كميته.

في النهاية، ربما كان المثل الشعبي المصري محقا عندما قال "على راسه ريشة"، فقد كانت الطبقات الحاكمة والراقية تضع الريش على رأسها لتميز نفسها عن الآخرين لا لشيء سوى لثرائها ونسبها، وربما قد حان الوقت -كما يرى المدافعون عن حقوق الحيوان- لنزع هذه الريشة عن الرؤوس بدل نزعها عن أجساد الطيور.

المصدر : مواقع إلكترونية