ما أسباب ارتفاع نسب العزوبة في العراق؟

حلّ مشكلة العزوف عن الزواج يقوم على عاتق أهل الشباب والفتيات ودعم مؤسسات الدولة.

لماذا يعزف الشباب العراقي عن الزواج؟
العراق وثّق نحو 18 ألف حالة زواج مقابل أكثر من 3 آلاف طلاق في مايو/أيار (شترستوك)

بغداد- تنتشر ظاهرة العزوبة في العراق بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، كما تزداد أسبابها يوما بعد آخر، فمن غلاء المهر إلى ارتفاع البطالة تشكلت حواجز تمنعنا من الزواج، كما يقول مهندس الحاسبات عمر النعيمي الذي يبلغ الثلاثين من عمره.

ويؤكد النعيمي في حديثه للجزيرة نت أن من المستحيل أن يفكر بالزواج حاليا، وهو لا يملك ما يقيه جوع الغد، فكيف بإعالة أسرة كاملة معه.

** للاستخدام الداخلي فقط ** د. محمد صالح
صالح يرى أن العامل الاقتصادي هو الأكثر أهمية في العزوف عن الزواج (الجزيرة)

الأسباب والدوافع

ويرى الأستاذ في جامعة بغداد البروفيسور محمد صالح أن العامل الاقتصادي هو الأكثر أهمية في العزوف عن الزواج، "فالحالة الاقتصادية للرجل هي الأساس في تكوين الأسرة، وهو المؤمن على قوتهم اليومي، لذلك نلاحظ عزم غالبية الشباب الارتباط بامرأة عاملة تسد جزءا من مصاريف الأسرة، حتى إن كان الرجل عاملاً، نتيجة للغلاء المتصاعد"، مشيرا إلى أن معظم الشباب يعزفون عن الزواج لعجزهم عن تأمين معيشة كريمة لأسرهم، لأنهم يعانون من البطالة أو يشتغلون في أعمال مؤقتة.

كما أن ارتفاع تكاليف ومتطلبات الزواج وعدم مراعاة أهالي الفتيات ظروف الشباب والبحث عن المظاهر الباذخة، مع تجاهل كيفية تأمين الشباب هذه المطالب، يشكل سببا آخر لارتفاع نسب العزوبة، وبالتالي زيادة عدد المنتظرات للزواج من الفتيات أيضا، بحسب صالح.

ويشير صالح إلى أن عامل البطالة يدفع الكثير من الشباب للهجرة إلى خارج البلد، مما سيؤخر زواجهم كما يزيد احتمال ارتباطهم بأجنبيات، وبالتالي زيادة نسبة العوانس داخل البلاد، وقد يسبب اختلاف العادات والتقاليد في بلد المهجر صدمة للشاب فيعزف عن الزواج.

وهناك عوامل أخرى تتعلق بنفسية الفرد وعدم ثقته بالنساء، خاصة مع عدم استقرار البلد أمنيا وسياسيا، ورفض الشباب فكرة الاستقرار في بلد متقلب الأحوال، وقد ينغمس بعض الشباب في إكمال دراستهم كالماجستير والدكتوراه فيؤجلون الزواج.

** للاستخدام الداخلي فقط ** حسام سعد
سعد: ثمة  علاقة واضحة بين كثرة العاطلين عن العمل والعازفين عن الزواج (الجزيرة)

من جهته، قال الباحث الاجتماعي حسام سعد "إن العاملين المادي والاقتصادي هما السببان لظاهرة العزوف عن الزواج، حيث العلاقة واضحة بين كثرة العاطلين عن العمل والعازفين عن الزواج.

وأكد أن العامل الاجتماعي يلعب دورا مهما في هذه الظاهرة، إذ لا تزال هناك أعراف وعادات عشائرية وقبلية من ضمنها ما يسمى بالنهوة من قبل ابن العم، حيث يمنع زواج الفتاة إلا لابن عمها.

وقال إن العزوف عن الزواج هو نتيجة لتأثيرات وتراكمات نفسية من ضمنها التجارب الفاشلة في مرحلة الخطوبة، أولى مراحل الزواج، وهذا يدفع الفرد للانطواء على نفسه كنوع من الدفاع الذاتي عن النفس.

وأضاف أن "هناك الكثير من الحالات التي تواجهني خلال عملي، من ضمنها الشباب الباحث عن الهوية الشخصية الذي يعيش في عالم من الضياع، فمعظم الشباب يحملون شهادات جامعية لكنهم عاطلون عن العمل، وحتى إن وُجد عمل أو وظيفة حكومية فالرواتب لا تكفي وفق الغلاء المعيشي الآخذ بالارتفاع".

وتتفق مصادر خاصة في هيئة الأمم المتحدة في العراق على أن ازدياد نسب العزوف عن الزواج مرتبط بارتفاع نسبة العاطلين عن العمل بين الخريجين، بالإضافة لازدياد متطلبات الزواج عن السابق، مما شكل عبئا كبيرا على كاهل الشباب وأسرهم.

الدكتور عبد الأمير الربيعي
الدكتور عبد الأمير الربيعي يربط العنف الأسري بالعزوف عن الزواج

العنف الأسري

ويربط الدكتور النفسي عبد الأمير الربيعي ظاهرة العنف الأسري بالعزوف عن الزواج، ويقول إن "هناك بعض مناطق في عقل الإنسان تسترجع الذكريات بصورة غير مباشرة، فنرى بعض الشباب انطوائيين بشكل متزايد نتيجة تعرضهم للتنمر في طفولتهم، وهو ما يسمى بالعقل اللاواعي الذي يحول الذاكرة إلى ردة فعل غير مقصودة، ولهذا فإن تزايد حالات العنف الأسري اليوم سيكون سببا في زيادة نسبة العزوف عن الزواج غداً.

ويعتبر الربيعي أن الزواج عقد اجتماعي مبني على الاتفاق بين الطرفين، لذا فإن إجبار الفرد له مخاطر كثيرة أصغرها الطلاق وأكبرها أن ينتحر نتيجة عدم تفاهمه مع الشريك، وهي حالة تزداد نوعاً ما في العراق.

وأشار إلى أن الطبيعية الفطرية التي تسمع مثل هذه الأخبار يتولد لديها نفور وتردد تجاه الإقدام على خطوة الزواج خوفاً من المصير نفسه، خاصة أننا نعيش في عالم وسائل التواصل الاجتماعي وما يتيحه من نشر الأخبار دون تفاصيلها.

وأكد الباحث حسام سعد "أن تنشئة الطفل في بيئة اجتماعية مليئة بالمشاكل الزوجية تلقي بظلالها على شخصية الطفل، وتكبر معه مسببة عقد نفسية تبعده عن الزواج".

ولا تتفق الناشطة في حقوق الإنسان وبناء السلام صفا صالح مع الرأي القائل بارتباط أزمة العزوبية بالعنف الأسري، إذ تقول "إن الوعي المجتمعي في العراق لم يصل لمرحلة إدراك العنف الأسري وربطه بقرار العزوف عن الزواج، مؤكدة عدم وجود علاقة بين العزوبة والمشاكل الأسرية".

Marriage Crisis
زيادة الضغوط على الرجل من أسباب زيادة العنف الأسري (الجزيرة)

أسباب المشاكل الأسرية

ويرى البروفيسور محمد صالح أن ضغوط الحياة الاقتصادية التي تتراكم على المتزوجين وخصوصاً المتزوجين حديثاً الذين يواجهون طلبات الزوجة الكثيرة، تجعلهم في موقف ضعيف، لذا يلجأ بعضهم لإثبات نفسه عبر سلوكات غير سوية واستخدام العنف والقسوة، لعدم تمكنه من توفير حياة كريمة لعائلته.

ويقول الباحث الاجتماعي حسام سعد "إن الدوافع وراء انتشار العنف الأسري كثيرة، وإضافة للعامل الاقتصادي فإن المستوى التعليمي المتدني والتأثر بثقافات أخرى هو سبب أيضاً، حيث ينجرف الكثير من المتزوجين وراء أبسط المغريات التي تصدر من الغرب، كالمسلسلات الأجنبية التي تدفع بالطرفين إلى رفع سقف طموحهم وبالتالي الإحساس بعدم كفاءة الشريك لهم".

وفي تواصل مع جمعية الأمل العراقية، تم تزويد الجزيرة نت بدراسة عن العنف الزوجي خلال جائحة كورونا في بغداد، صادرة عن مكتب المستشار الوطني للصحة النفسية، وتشير إلى أن 55% من المعنفات تتراوح أعمارهن بين 20 و29 سنة، كما أن ذوات التحصيل العلمي المتوسط يشكلن 40% من المعنفات.

ويذكر التقرير أنه "كلما زاد تعليم المرأة قل تعرضها لسلوك التسلط من الرجل والعنف النفسي واللفظي والجسدي، وتشكل مهنة ربة بيت نسبة 88%"، مستندا الى دراسة للدكتورة أسماء كاظم.

وترى صفا صالح أن حالات العنف الأسري المسجلة أو الظاهرة مجرد نسبة ضئيلة جدا مقارنة بالأعداد الحقيقية المكممة الأفواه بالخوف وأعراف المجتمع القاسية، وهي ظاهرة واضحة للعيان في المجتمع العراقي وخاصة بعد جائحة كورونا والحظر المنزلي الذي أجبر جميع أفراد الأسرة على البقاء في البيت سويا، وهو ما جعل الجاني يطغى بجرائمه بشكل أكبر والضحية تتعرض لعنف أكثر.

ويقول المصدر العامل مع بعثة الأمم المتحدة للجزيرة نت إن غياب التشريعات القانونية التي تردع الجناة والطبيعة الدينية والقبلية لأغلب مناطق العراق التي تعطي الحق في استخدام العنف تجاه الزوجة أو الطفل، والزواج المبكر، وعدم فهم الزوجين للحياة، وعدم قدرتهما على حل مشاكلهما بالطرق السلمية، إضافة للوضع الاقتصادي الصعب الذي أدى إلى زيادة الضغوط على الرجل؛ كلها من أسباب زيادة العنف الأسري.

ويذكر أن العراق قد وثق ما يقارب 18 ألف حالة زواج، مقابل تسجيل أكثر من 3 آلاف حالة طلاق، بحسب إحصائيات مجلس القضاء الأعلى لشهر مايو/أيار الماضي.

** للاستخدام الداخلي فقط ** إنتظار أحمد السلطاني
انتظار السلطاني ترى أن دور المنظمات المحلية والدولية غير ملموس (الجزيرة)

المجتمع المدني والإعلام

وأكد المصدر -الذي فضل عدم ذكر اسمه- وجود تعاون وثيق بين بعثة الأمم المتحدة والشرطة المجتمعية التي تأخذ على عاتقها توعية المجتمع حول هذه المشاكل وأهمية معالجتها، وأضاف أن هناك تعاونا مع وحدة حماية الأسرة والطفل ودائرة تمكين المرأة التابعة لوزارة الداخلية العراقية ومنظمات أخرى، وأغلب الوكالات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الألمانية العاملة في العراق.

إلا أن الإعلامية والناشطة المدنية من محافظة بابل انتظار أحمد السلطاني، فترى أن دور هذه المنظمات غير ملموس وهن مجرد "رايات وأعلام على البنايات"، بحسب تعبيرها، مطالبة بإنشاء نافذة إلكترونية تجمع الناشطين من جميع المحافظات العراقية من أجل إيصال صوتهم وتأسيس هيئات دفاع قانونية أو حكومية مختصة، للحرص على تجنيب الناشط المدني المسائلة القانونية أو العشائرية في حال تدخله.

وتعتبر أن دور الإعلام ضعيف جداً ولا تكفي تغطياته لجعل حالات العنف الأسري قضية رأي عام، حيث إن معظم البرامج الإعلامية اليوم بعيدة عن توثيق الحالات الإنسانية إلا ما ندر.

أما عن كيفية حل هذه الأزمة، فيرى الأستاذ في جامعة بغداد محمد صالح أنها تحتمل شقين: الأول يقع على عاتق عائلة الشاب المتقدم للزواج وكيفية مساعدته في بداية حياته وتقديم شتى أنواع الدعم، سواء كان ماليا أو ماديا، عبر شراء بعض متطلبات الزواج كالأجهزة الكهربائية وغيرها، والشق الثاني يقع على عاتق أهالي الفتيات من خلال تقليل المهور مقتدين بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "خير الصداق أيسره"،  وعدم تحميل الشباب فوق طاقتهم ونبذ المظاهر الدخيلة على مجتمعنا مثل البذخ والمبالغة في طلبات الزواج التي أصبح بعض الأهالي يتباهون بها.

هذا من الجانب الأسري، أما من جانب الدولة، فيقول صالح إن على الحكومة أن تتدخل في دعم الشباب وتقدم لهم القروض الميسرة وسلف الزواج التي عادة ما تكون دون فوائد، إضافة الى الدعم المعنوي وإعطاء أولوية التعيين للمقبلين على الزواج.

ويختتم الدكتور عبد الأمير الربيعي حديثه بالقول إن "المواطن العراقي لا يزال يترقب هذه الإصلاحات، وما يرافقها من تخفيف لأزمة العزوبة في العراق الغني نفطيا لكن شعبه فقير ماديا".

المصدر : الجزيرة