لماذا يمكن لأحزان الصداقة أن تؤذينا كثيرا؟

يعتبر فقدان الأصدقاء بعد سن الـ25 أمرا طبيعيا، حيث تبدأ الدائرة الاجتماعية بالتقلص في هذا العمر.

الصداقة التي تنتهي تُغرقنا في فراغ لا نفهم سببه (بيكسابي)

في علاقات الصداقة -تماما مثل الحب- يمكن العثور على التوأم الروحي الذي قد تتسبب خسارته في شعور بالحزن من الممكن أن يرافق المرء طيلة حياته.

وفي تقريرها -الذي نشرته صحيفة "لوفيغارو" (LeFigaro) الفرنسية- قالت الكاتبة سيغولين باربي إن الصداقة في بعض الأحيان تبدو رابطا غير قابل للتدمير. ومع ذلك؛ يحدث أن تختفي كيمياء المشاعر في يوم من الأيام. وعند ابتعاد صديق عزيز عليك أو غضبه منك تفوق حدة الحزن الناتج عن ذلك درجة الحزن عقب انتهاء علاقة حب.

من جانبها، ترى الباحثة الأميركية في علم الاجتماع جان ياجر أن أسطورة الصديق مدى الحياة حلّت محل أسطورة "الحب الدائم".

علاقة الصداقة بمثابة طوق النجاة الذي يضفي معنى لحياتنا (بيكسابي)

وذكرت المعالجة النفسية آن لوري بوفيت -صاحبة كتاب "هذه الانفصالات تجعلنا ننمو"- أن العلاقات الودية أصحبت "أكثر أهمية بالنسبة لنا. إنها تمثل طوق النجاة الذي يضفي معنى لحياتنا والذي يسمح لنا بتقديم أنفسنا وتعزيز الثقة في النفس، وتعود في بعض الأحيان بفائدة تتجاوز تلك التي يقدمها الشريك". وعند نهاية العلاقة العاطفية، وبعد مناقشة الصعوبات التي واجهها الطرفان، واللجوء في بعض الأحيان لطلب المساعدة من المختص؛ غالبا ما نكون على بيّنة بأسباب انتهاء القصة.

وعندما يتعلق الأمر بالانفصال الودي، غالبا ما يكون الأمر أكثر قساوة وإثارة للدهشة، وخاصة في ظل اختفاء الصديق فجأة بين عشية وضحاها، تاركا وراءه كمية من الأسئلة العالقة دون إجابات، فضلا عن حزن لا يفهمه المقربون.

من جانبه، يرى الفيلسوف ميشيل إرمان -في كتابه الذي يحمل عنوان "أواصر الصداقة"- أن "الصداقة التي تنتهي تُغرقنا في فراغ لا نفهم سببه؛ إنه أمر مقلق كوننا لا نتوقع ذلك. وعندما نكون في علاقة عاطفية، نكون على علم باحتمالية انتهاء القصة؛ نظرا لأن الحب يعتمد على تقلبات العاطفة، بينما تقوم الصداقة على أساس المنطق ودماثة الخُلق".

في الواقع، يعني فقدان صديق فقدان قطعة من الروح، خاصة في حال كان الصديق يعود إلى مرحلة الطفولة أو الشباب. ومع فقدانه، سيشعر المرء كما لو أنه ودّع سنوات من حياته ويفقد الرغبة في الذهاب إلى الأماكن التي زاروها في السابق معا. ووفقا لدراسة أجراها عالم الأنثروبولوجيا البريطاني روبن دنبار -في جامعة "أكسفورد" (Oxford)- تنتهي بعض علاقات الصداقة مع الوقت بسبب تغيير مدينة الإقامة وتغيّر القيم وبسبب الزواج.

لماذا تعد الصداقة التي دامت لمدةتجاوزت العشر سنوات فريدة من نوعها؟
تفترض الصداقة المعاملة بالمثل والاحترام، وتنتهي إذا ما اختفت هذه الصفات (الجزيرة)

في هذا الصدد، قال ميشيل إرمان "على عكس الحب، الذي يمكن أن يكون من طرف واحد، وغالبا ما يكون من الطرفين؛ تفترض الصداقة المعاملة بالمثل والاحترام، وتنتهي إذا ما اختفت هذه الصفات". وبشكل عام، تعتمد علاقة المرء بالصداقة على الطريقة التي بنى من خلالها نفسه. فلسدّ الفراغ على سبيل المثال، قد يميل الأشخاص غير الآمنين إلى خنق أصدقائهم عن طريق الرغبة المفرطة في امتلاكهم.

تماما مثل جميع حالات الانفصال؛ يمكن أن يساعد انتهاء الصداقة في بعض الأحيان على النمو والتعرف إلى النفس بشكل أفضل وبداية فصل جديد في الحياة. ووفقا لدراسة -أجراها باحثون من جامعة "آلتو" (Aalto) الفنلندية بالتعاون مع جامعة أكسفورد الإنجليزية خلال الفترة الممتدة بين سنة 2007 وسنة 2015- يُعتبر فقدان الأصدقاء بعد سن الـ25 أمرا طبيعيا، حيث تبدأ الدائرة الاجتماعية بالتقلّص في هذا العمر.

من جانبها، أكدت آن لوري بوفيه قائلة إنه "في الكثير من الأحيان، يفتح الشعور بالخيانة من طرف صديق الباب للتساؤل عن سبب حدوث ذلك وتكراره. بالإضافة إلى ذلك، لا يعتبر إنهاء المرء لبعض العلاقات الودية طيلة حياته أمرا استثنائيا. في المقابل، لا يجرؤ الشخص الذي لم يُقم علاقات صداقة مسبقا على الدخول في نوع من هذه العلاقات، وبالتالي، ستجده يفضل العلاقات السطحية أكثر". ويرى ميشيل إرمان أن إلحاق علاقة الصداقة أذى بالمرء سيعكس مخاطرته في إقامة روابط حقيقية في المستقبل.

المصدر : لوفيغارو