رياضة الهايكنغ.. متعة واستجمام ومغامرة

الهايكنغ من الرياضات الجماعية وتحتاج إلى خرائط أو مرشد جبلي متخصص (الجزيرة)

تكثر النشاطات التي يمكن للبناني أو للسائح القيام بها في لبنان، وخصوصا خلال فصلي الربيع والصيف، ومن هذه النشاطات رياضة "الهايكنغ" (المشي مسافات طويلة في الجبال والطبيعة). ونظرا لطبيعة لبنان وكثرة جباله ومساحاته الخضراء، تتعدّد المسارات فيه وتتوزع على المناطق اللبنانية كافة، من الشمال إلى الجنوب، مرورا بالمناطق الساحلية والجبلية.

والمشي الجبلي (الهايكنغ) رياضة ممتعة، وتتطلب لياقة بدنية جيدة، كما أن لها الكثير من الأبعاد التاريخية والتراثية والاجتماعية، وهي رياضة مليئة بالتأمل الذي يستوحي البيئة والطبيعة وغرابة المكان وظروف الطريق وتحدي الصعود وبعضا من المغامرة، مما يجعلها رياضة فريدة تبقى ذكرياتها زمنا طويلا، وهي رياضة تجعل الإنسان محبا للطبيعة، وصديقا للبيئة.

الطبيبة نتالي تكتشف عالما جديدا بانخراطها في ممارسة رياضة المشي الجبلي بعد انتشار كورونا والحجر المنزلي (الجزيرة)

تأمل واسترخاء وراحة

وينبغي أن تنتشر هذه الرياضة خصوصا بين الشباب، لما فيها من دروس وتأملات يحتاجونها، ومغامرات ممتعة تروق لهم. وهي رياضة تنشط التفكير؛ لأن المشي مسافة كبيرة ولوقت طويل في أجواء الطبيعة يطرح على العقل أسئلة كثيرة تتداعى معظمها حول الحياة، ورحلة واحدة كفيلة بأن تجعل الشخص يفكر في نمط حياته وما هو الأنسب له.

عدد كبير من الناس يمارسون هذه الهواية بشغف ويعتبرونها تجربة مميزة في حياتهم، وهذا ما تفعله الطبيبة نتالي في أعالي المناطق الجبلية بلبنان، لتنسى كل مشاكلها وهمومها، هناك يكون الجو مثاليا للتأمل والاسترخاء وتجنب التعب، ولتكتشف عالما جديدا من خلال ممارستها رياضة المشي الجبلي باستمرار، خاصة بعد انتشار جائحة كورونا والحجر المنزلي.

تقول نتالي للجزيرة نت "إنها رياضة السياحة الداخلية في لبنان خاصة بعد جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية. ولحسن الحظ، لم تكن هذه الرياضة -المعروفة بالهايكنغ- من الأنشطة الممنوعة ممارستها خلال الجائحة، خاصة أن لها فوائد بالجملة، منها: تقوية القدرات الذهنية أكثر من الرياضات الأخرى، لكونها تسعى لاستكشاف الطرق والمسارات الطبيعية الجديدة التي لم يعتد الدماغ على التعامل معها من قبل، وهو ما يدفع الدماغ للتأقلم معها وإيجاد السبل الأنسب لاجتيازها".

وتشعر هذه الرياضة ممارسيها بالسعادة والسكينة، وتحد من الاكتئاب، وتكسر روتين الحياة من خلال رؤية المناظر الطبيعية الخضراء، خلافا لرياضة المشي العادي الذي ينحصر برؤية المباني والشوارع المألوفة داخل المدن.

العصا ضرورية لأنها تساعد على التوازن أثناء المشي في رحلات الهايكنغ وخاصة للمبتدئين (الجزيرة)

تقوية الترابط والشعور بالأمان

وتكمل شرحها قائلة إن هذه الرياضة تقوي علاقة ممارسيها بالآخرين، من خلال توجيه دعوات إليهم للمشاركة في رحلات الطبيعة، وهو ما يؤدي لتقوية أواصر الترابط بين الناس والشعور بالأمان أكثر بقرب بعضهم من بعض.

ولهذه الرياضة قدرة على حرق السعرات الحرارية أكثر من المشي العادي، وهذا يرجع إلى وجود التلال والأرض غير المنتظمة التي يجب على المشاركين المشي فوقها بجهد أكبر، كما تسهم ببناء عضلات الساقين والفخذين، وتحسين قدرات الممارسين على الاتزان، وإبعاد خطر السمنة.

المتسلق والمغامر اللبناني نضال صلح رفع علم لبنان في 4 إنجازات منها  تسلق جبال الألب بفرنسا (الجزيرة)

متسلق مغامر ينشر هواية المشي

أما الصحافي والمصور الفوتوغرافي نضال صلح، وهو رياضي ومتسلق ومغامر لبناني رفع علم بلاده مقدما 4 إنجازات بتسلق قمم عالية في العالم، منها: قمة كازبك (5033 مترا) بجورجيا عام 2017، وقمة ميرا سنترال (6441 مترا) بنيبال عام 2018، وجبال الألب (4710 أمتار) بفرنسا عام 2019.

وأطلق نضال مشروعا في لبنان تحت شعار مجموعة "إكسبيدشن بعلبك" (xpedition Baalbek) التي تحولت لإطلاق ثقافة جديدة في منطقة بعلبك عبر مشاريع هايكنغ عرّفت عشرات اللبنانيين على هذه الهواية في العديد من المناطق اللبنانية، بمشاركة أطفال لم تتجاوز أعمارهم 5 سنوات.

على المجموعة الالتزام بإرشادات وتعليمات المرشد الجبلي، كما يؤكد صلح (الجزيرة)

تقنية ممارسة المشي الجبلي

الالتزام بتعليمات المرشد من العناصر الرئيسية لحفظ المجموعة من المخاطر، ويعتبر صلح أن المشي الجبلي "الحركلة" نشاط جسدي تتم ممارسته في الطبيعة، وتحديدا في المناطق الريفية الجبلية، لأنه من الرياضات البيئية، ويعتمد على القدمين أولا وأخيرا، وهو يحتاج لياقة بدنية متوسطة، ولا يحتاج تجهيزات كثيرة أو معدات معقدة.

أما الطريقة الصحيحة للمشي بشكل عام فهي أن يبقى الجسم مستقيما، وأن لا تكون المسافة واسعة بين الخطوات، وأن تبقى متناغمة.

وما يميز المشي الجبلي عن غيره من أنواع المشي أنه يدخل في إطار المسافات الطويلة التي تبدأ في الحد الأدنى من 10 كلم، وتمتد لعشرات الكيلومترات، وتتميز في غالبيتها بدروب ومسالك في المناطق الريفية، وهو يختلف عن المشي في المناطق المأهولة بالسكان والحدائق العامة.

كما أنه من الرياضات الجماعية لا الفردية، ويحتاج لخرائط ومرشد جبلي متخصص عارف بتلك البقعة الجغرافية، وهنا يأتي الدور الأساسي للمرشد الجبلي بتوجيه المجموعة كما يجب لتبقى سالمة، حيث إن الالتزام بتعليمات المرشد من العناصر الرئيسية لحفظ المجموعة من المخاطر التي قد تحدث.

ينبغي نشر هذه الرياضة خصوصا بين الشباب لما فيها من دروس وتأملات ومغامرات تروق لهم (الجزيرة)

ملابس الهايكنغ

تختلف الملابس الرياضية المطلوبة لممارسة المشي الجبلي بحسب الفترة الزمنية من السنة، فموسم الصيف يتطلب لباسا خفيفا، مثل: "تيشيرت" القطني وسروال مريح والابتعاد عن الجينز، وهناك أنواع من الملابس للقسم الأعلى من الجسم مصنعة من مواد تعمل على إزالة العرق -كالبوليستر أو النايلون- وتجف بسرعة، وهي مثالية في الصيف وفي الشتاء، ولها القدرة على إدارة الرطوبة مع بقية الملابس، كما يقول صلح.

وفي المناطق الرطبة جدا خلال فصل الربيع، يفضل وجود سترات وسراويل مخصصة للحماية من الأمطار، كونها غير قابلة للبلل.

أما بالنسبة للأحذية، فيمكن ارتداء حذاء خاص (hiking shoes)، فهي تتميز بأنها أخف وزنا وأكثر مرونة من غيرها وتكون مناسبة للمشي في دروب ممهدة أو مستوية ذات ارتفاعات قليلة. وإذا كان الطقس رطباً، فيجب اختيار أحذية خاصة لحماية القدمين من البلل، وإذا كان حارا وجافا فيجب اختيار حذاء بفتحات للتهوية.

المغامر اللبناني نضال صلح يطلق مشروعا لتشجيع ثقافة رياضة الهايكنغ (الجزيرة)

أما "بوط" المشي فهو معد للرحلات الشاقة والطويلة، ويعتبر من فئة الأحذية الشديدة الصلابة، ويفضل استعمالها مع المبتدئين لضمان عدم تعرضهم لالتواء القدم أو التعثر بالمشي. كما يجب عدم نسيان القبعة والنظارات المخصصة ومرهم الحماية من الشمس، إضافة إلى العصا (sticks) التي تساعد على التوازن أثناء المشي.

يقول صلح إن من الأخطاء الشائعة أن يعتبر البعض رياضة الهايكنغ نزهة، بل يجب دائما الاستعانة بمتخصص حتى لا يضيع الدرب مع المشاركين ويسبب القلق النفسي له وللآخرين، ولا شك أن عدم الالتزام بتعليمات المرشد الجبلي بكل الخطوات المطلوبة سوف يؤدي إلى معاناة المشاركين، كما قد تؤدي إلى التهلكة، وهذا ما حصل في مايو/أيار الماضي، حيث سقطت إحدى المشاركات في رياضة الهايكنغ في نهر إبراهيم، ولم يعثر على جثتها إلا بعد 4 أيام، لذلك يكرر صلح ويشدد على ضرورة الالتزام بإرشادات وتعليمات المرشد الجبلي.

رياضة الهايكنغ توفر فرصة لرؤية المناظر الطبيعية الخضراء التي تبعث في النفس السعادة والطمأنينة (الجزيرة)

رياضة سكينة وسعادة وطمأنينة

لا شك أن أزمة كورونا أرخت ظلالها على العالم أجمع وما تزال، ومنها لبنان، كما أدت لتراجع كبير في سفر اللبنانيين إلى الخارج لقضاء فترة الصيف، مما دفع بعض المجموعات والمرشدين لإطلاق مشاريع متنوعة مرتبطة بالسياحة الداخلية، وتعريف اللبنانيين على أماكن لا تقل جمالا عن العديد من دول العالم.

وبدأت رياضة الهايكنغ منذ عام 2020 تؤتي نتائجها الإيجابية، بالابتعاد عن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ولو لفترة محدودة.

ويؤكد صلح أن رياضة الهايكنغ توفر فرصة رؤية المناظر الطبيعية الخضراء التي تبعث في النفس مشاعر السكينة والسعادة والطمأنينة، وتقوي أواصر الترابط بين الناس وتجعلهم يشعرون بالأمان أكثر عند المشي معا، والتكاتف في حال التعرض للحوادث والإصابات أثناء ممارسة هذه الرياضة. كما أنها رياضة مفيدة للجسم، وبحسب جمعية الهايكنغ الأميركية، فإن الهايكنغ لها فوائد كثيرة فيما يتعلق بصحة القلب وضغط الدم والسكري وهشاشة العظام وغيرها.

المصدر : الجزيرة