كيف تعيد بناء ذاتك بعد المرور بصدمة في حياتك؟

في بعض الأحيان تتسبب حادثة ما في تحديد مجرى الحياة بأكمله. لا يكون الأمر سهلا دائما، لكن يجب ألا نفقد الأمل أبدا.

لا تدع مشاعرك تسيطر عليك. تعلم توجيهها لاستخدامها علامة تحذير في حالة الخطر (غيتي)

قد يقلب الفقدان المفاجئ لشيء أو شخص ما حياتك رأسا على عقب. لذلك، إليك بعض الطرق التي تساعدك على التخفيف من وقع الصدمة، وحتى من الشعور بالذنب الذي تلحقه أيضا بأحبائك.

تقول الكاتبة كريستين ميرابل سارون في تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" (lefigaro) الفرنسية، إن حوادث الحياة التي نواجهها غالبا ما تكون مختلفة ومتعددة، وقد تكون أيضا متباينة العنف والخطورة. لكن الأمر الوحيد المشترك هو الخسارة المفاجئة لشيء أو لشخص ما، أو حتى لجزء من ذاتك عليك العثور عليه وإعادة بنائه.

وتفقد الحياة معناها في مثل هذه الحالات، لأن الخسارة -مهما كانت خطيرة- تؤثر على السلامة الجسدية والهوية والاستقلالية، وتعمق الافتقار العاطفي ويبدو أنها تدمر كل الخطط وكل الأمل. وبالإضافة إلى المعاناة الجسدية، يمكن أن يكون لذلك وقع نفسي من قبيل فقدان الذاكرة، ونوبات القلق، واضطرابات النوم، إلى غير ذلك.

نحن ضحايا ومذنبون في الوقت نفسه، بسبب المعاناة التي نولّدها لدى الآخرين، الذين غالبا ما يخفي تعاطفهم شكلا من أشكال القلق.

التعاسة

وعند عيش صدمة ما، سيكون من المستحيل العودة إلى الوراء. يتمثل الاختلاف الوحيد في الوقت المستغرق لتجاوز كل مرحلة من مراحل إعادة تكوين ذاتك واحدة تلو الأخرى. على سبيل المثال، إذا تعرضت امرأة لحادث مروري، عندما تستيقظ في المستشفى، فإنها تبدأ بإنكار ما حدث لها، رغم الكسور العديدة في عظامها. بعد اقتناعها بالعودة إلى العمل بعد شهر، تسعى للمرور إلى مرحلة "الانتقال"، لكن الإنكار سرعان ما يليه الغضب، حيث من المؤكد أنها ستقول لنفسها "لماذا أنا؟".

وفي غضون ذلك، تظل تفكر مليا، وبالتالي تنتقل بطريقة لا واعية إلى المرحلة الثالثة، وهي المساومة. فتقول مثلا: "الطب يفعل العجائب اليوم، سأفعل كل ما يطلب مني، لدي ثقة به. شهر آخر وسأستعيد عافيتي".

ولكن الوقت ينفد. بعد 3 أشهر من الإقامة في المستشفى، تلوح في الأفق الإقامة في مركز إعادة التأهيل، لكن إلى متى؟ في الأثناء، ستقضي ليلة طويلة مظلمة قبل الوصول إلى المرحلة النهائية، وهي التقبل. عند وصولها إلى هذه المرحلة، لم تعد ترى الحياة كما كانت عليه من قبل، ولكنها تشعر بأنها قادرة على العيش بشكل جيد وطبيعي تقريبا.

مرحلة التقبل تعني أن الحياة ليست كما كانت عليه ولكن يمكن العيش بشكل جيد وطبيعي تقريبا (غيتي)

المعاناة

لكن، ماذا تفعل بتلك الساعات والشهور والسنوات من تحمل آلام الحياة؟ كيف يمكن تقليل الصدمة وحتى الشعور بالذنب بسبب المعاناة التي ولّدتها لدى أحبائها أيضا؟ وبالتالي، عندما يزيد التوتر والقلق من ألم الموقف الذي يبدو أنه لا سبيل إلى الخلاص منه، فإن كل ما تريده هو الانغلاق على الذات والنسيان للهروب من متلازمة الكرب التالي للصدمة، وفي حوالي 3% من الحالات، تلي ضغط المرحلة الحادة.

وبدلا من أن يظلوا يقظين، فإن الكثير منهم يلجؤون إلى مسكنات الألم وأي منتَج قادر على تخدير الجسم والعقل. عندما تكون الكارثة جماعية، هناك شبكات دعم، لكن حين تكون الشخص الوحيد المعني بذلك، عليك الاتصال بجمعيات المساعدة.

الشعور بمعنى الحياة

كل شخص لديه حادث مرّ به في حياته، تكبد فيه خسائر وعاش معاناة في بعض الأحيان، تتسبب حادثة ما في تحديد مجرى الحياة بأكمله. لا يكون الأمر سهلا دائما، لكن يجب ألا نفقد الأمل أبدا.

اعتن بنفسك، واحرص على الحفاظ على النظافة الشخصية الجيدة: اتبع نظاما غذائيا صحيا ومتوازنا، وواظب على ممارسة الرياضة، من الأفضل أيضا أن يكون نومك منتظما. وقبل كل شيء، استمتع بوقتك، بضع دقائق ستكون كافية، ولكن عدة مرات في اليوم.

لا تكن صارما مع نفسك، ضع لنفسك أهدافا قابلة للتحقيق وامدح نفسك في كل مرة تخطو فيها خطوة إلى الأمام. يمكن أن يكون المسار بطيئا ومتعثرا، لكن لا تثبط عزيمتك، عليك أن تظهر العكس من ذلك. فعلى الرغم من وضعك الهش، فإن عليك أن تعرف طريقك وتدرك مهاراتك وأهدافك. تعلم أن تقول "لا" لأي شيء يمكن أن يمنعك من الحفاظ على مواردك المتاحة على المدى الطويل.

من المهم أن تدرك أن الحياة لم تعد على حالها بعد تجاوز الصدمة، وعليك البحث عن أشخاص إيجابيين (غيتي)

قدّر السعادة

علاوة على ذلك، لا تدع مشاعرك تسيطر عليك، بل تعلم بدلا من ذلك توجيهها لاستخدامها علامة تحذير في حالة الخطر؛ عليك أن تحدد عواطفك. من المهم أن تكون إيجابيا قدر الإمكان، على سبيل المثال، احتفظ بدفتر يوميات لتدوين الأعمال التي قمت بها خلال يومك وتشعر بالرضا عنها، بل حتى بالفخر. لا تتردد في تدوين اللحظات التي تشعر فيها بأقل قدر من السعادة، حتى لو استمرت بضع ثوان.

من المهم أن تدرك أن الحياة لم تعد على حالها. ربما كنت تخطط لتغيير مهنتك، ومستقبلك، ولم تعد تقبل القيود غير الضرورية، أما الآن، فأنت تبحث فقط عن رفقة أشخاص إيجابيين مثلك.

إحصائيات

بحسب الإحصائيات، فإن الحوادث اليومية لدى البالغين تعتبر السبب الثالث للوفاة بعد السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، أي ما يعادل 20 ألف وفاة وحوالي 15 زيارة لغرفة الطوارئ يوميا، دون احتساب 550 ألف ضحية لحوادث الطرق، وضحايا الكوارث الطبيعية أو التكنولوجية أو الاعتداء بالضرب أو الاغتصاب.

المصدر : لوفيغارو