العمل من المنزل عزز إنتاجية الرجال وآفاقهم المهنية وزاد الضغوط على النساء

العمل عن بعد ساهم في تحول المجتمع من العمل المتزامن إلى العمل غير المتزامن، حيث امتدت ساعات العمل على كامل اليوم، وازدادت أيام العمل الأسبوعية شيئا فشيئًا

مع العمل من المنزل زاد متوسط طول يوم العمل بنسبة 8.2%، أي ما يقارب 50 دقيقة (غيتي)

أوجدت الجائحة الفرصة المثلى لأرباب العمل للهيمنة الكاملة على حياة موظفيهم، حيث أصبح المنزل هو مكان العمل، وأصبحت الوظيفة تستحوذ بشكل غير مسبوق على المزيد من الوقت المخصص للحياة الشخصية.

وفي تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" (theguardian) البريطانية، يقول الكاتب جون هاريس إن ظهور العديد من الوسائل التكنولوجية الحديثة خلال السنوات الماضية نسف الحواجز بين أوقات العمل والراحة، وساهمت الحواسيب المحمولة والهواتف الذكية في انتهاك حياة الموظفين الخاصة، مما أدى إلى تصاعد الجدل بشأن "الحق في قطع الاتصال"، الذي يمكن الموظفين من الفصل بين الحياة المهنية والشخصية.

وبحسب الكاتب لا ينبغي أن يحجب مقدار الحرية والمرونة التي تمتع بها الموظفون في الفترة الماضية خلال العمل عن بعد، سلبيات هذا النموذج، خاصة أن الأوضاع الاقتصادية الراهنة قد تدفع الموظفين إلى الاستجابة للشروط المجحفة التي يفرضها أرباب العمل، ومنها:

الأوضاع الاقتصادية الراهنة قد تدفع الموظفين إلى الاستجابة للشروط المجحفة التي يفرضها أرباب العمل (غيتي)

زيادة ساعات العمل

نشر باحثون من جامعة نيويورك وكلية هارفارد للأعمال، في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، دراسة تحليلية لرسائل البريد الإلكتروني والاجتماعات عبر الإنترنت لحوالي 3.1 ملايين عامل عن بعد في مدن مثل شيكاغو ونيويورك ولندن وبروكسل وغيرها، في المراحل المبكرة من عمليات الإغلاق الأولى في هذه الدول.

ووجد الباحثون أن متوسط طول يوم العمل قد زاد بنسبة 8.2%، أي ما يقارب 50 دقيقة. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى اضطرار الموظفين للعمل لوقت إضافي لكتابة رسائل البريد الإلكتروني وحضور الاجتماعات بعد ساعات العمل الرسمية.

ويرجح الباحثون أن زيادة وقت العمل يعود إلى شعور الموظفين بقدر أكبر من الحرية في جدول عملهم اليومي وعدم قدرتهم على الفصل بين العمل والحياة الشخصية، حيث يصبح من السهل تخطي وقت العمل الرسمي بسبب عدم وجود حدود واضحة بين المكتب والمنزل. هذا ما جعل البعض يربطون بين العمل من المنزل وزيادة الإنتاجية، والسبب هو أن الموظفين أصبحوا يعملون وقتا أطول.

وحسب تقرير صادر عن خلية التفكير البريطانية "أوتونومي"، فإن العمل عن بعد ساهم في "تحول المجتمع من العمل المتزامن إلى العمل غير المتزامن، حيث امتدت ساعات العمل على كامل اليوم، وازدادت أيام العمل الأسبوعية شيئًا فشيئًا".

وأشارت تقارير بريطانية صدرت مؤخرا إلى أن أكثر من ربع الأشخاص الذين يعملون من المنزل يجلسون على الأريكة أو يعملون في غرفة النوم، وأن أكثر من ثلثهم يعانون من مشاكل في العضلات والعظام.

وحسب الكاتب، فإن الآثار السلبية لنموذج العمل عن بعد تشمل آليات مراقبة نشاط الموظفين العاملين في المنزل، فقد أصبحت برامج التتبع ميزة شائعة لإعدادات العمل عن بُعد، وترصد هذه التطبيقات عدد الساعات التي يقضيها الموظف في العمل، وتقيس الإنتاجية، وتعطي بيانات مفصلة عن جميع الأنشطة.

هل أصبح العمل عن بعد خطرا على المكاتب؟ (بيكسلز)
ضغوط العمل المنزلي زادت على كاهل النساء العاملات، حيث يجدن أنفسهن في مواجهة مسؤوليات عديدة، مثل رعاية الأطفال ومتابعة دروسهم  إضافة لمتطلبات العمل (بيكسلز)

ضغوط على المرأة العاملة وتكريس للفوارق

يضيف الكاتب أن ضغوط العمل المنزلي تقع أساسا على كاهل النساء، حيث يجدن أنفسهن في مواجهة عديد المسؤوليات، مثل رعاية الأطفال والحرص على متابعة دروسهم وتلبية الطلبات المختلفة داخل المنزل، بالإضافة إلى متطلبات العمل.

وأظهرت دراسة أميركية أن العمل من المنزل كان مفيدا للرجال بشكل أكبر، فقد عزز من إنتاجيتهم وآفاقهم المهنية. في المقابل، فُصلت عن العمل خلال العام الماضي في الولايات المتحدة حوالي 3 ملايين امرأة.

ويرى الكاتب أن انتشار العمل عن بعد أدى أيضا إلى تكريس بعض مظاهر عدم المساواة بين الفئات الاجتماعية، حيث يُسمح لبعض الفئات بالعمل من المنزل، وتُحرم فئات أخرى من هذا الخيار. كما أن البيئة المنزلية تختلف من موظف إلى آخر، وهو ما يعني تكريس الفوارق في ظروف العمل.

وترتبط فعالية العمل عن بعد بعدة عوامل، منها المساحة المخصصة للعمل وهدوء المكان. وفي الواقع، هناك فرق كبير بين العمل في منزل مشترك أو فردي، وبين إنشاء مكتب ضمن مساحة ضيقة أو في مسكن واسع في الضواحي أو الريف.

كما أن العمل من المنزل قد يؤثر على حقوق الموظفين، حيث من السهل أن يتحول الموظف العامل بدوام كامل إلى موظف بدوام جزئي، ويفقد بذلك الحقوق المهنية التي كان يتمتع بها في السابق.

وعبر الكاتب عن خوفه من أن يمهد الوضع الحالي إلى مستقبل أكثر قتامة في بيئة العمل، تستمر فيه الاتصالات والاجتماعات إلى وقت متأخر، وترصد فيه برامج المراقبة كل تفاصيل حياتنا في المنزل، ولا يبقى للموظف أي وقت للتمتع بحياته الشخصية.

المصدر : غارديان