كواليس مطبخ أبو جوليا.. حينما يتحول الطهي إلى بهجة

استطاع أبو جوليا خلق فرص لنفسه حتى يمكنه تجاوزها، للتعرف على العالم خارج قطاع غزة الذي عاش فيه 27 عاما من حياته، دون أن يغادره ولو لمرة واحدة.

ابوجوليا
صانع المحتوى محمد اسبيتة المعروف عبر منصات التواصل بأبو جوليا (الجزيرة)

لندن- وجد طريقه بين جمهور التواصل الاجتماعي بعفويته ومحتواه المميز، ووضع لمساته بخفة في وصفات طبخ تقليدية ليخرجها في صورة جديدة مبتكرة، حتى وصل عدد متابعيه على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة إلى 7 ملايين متابع، وخلال عام واحد حقق ما يقرب من 600 مليون مشاهدة لحلقاته عبر فيسبوك ومنصات الأخرى، ليصبح أشهر شيف عربي على منصة فيسبوك.

وصف نفسه بالمرح والمحب للحياة، وحبّا في اسم "جوليا"، كنى محمد اسبيتة نفسه: "أبو جوليا".

درس الأدب الإنجليزي، وعمل في الترجمة والتدقيق اللغوي والتحرير، إضافة إلى المشاريع التنموية. وبالرغم من الظروف القاسية التي عاشها في قطاع غزة، فإنه استطاع خلق فرص لنفسه حتى يمكنه تجاوزها للتعرف على العالم خارج القطاع الذي عاش فيه 27 عاما من حياته دون أن يغادره فيها.

أبو جوليا درس الأدب الإنجليزي وعمل في الترجمة والتدقيق اللغوي والتحرير (مواقع التواصل)

يحكي أبو جوليا للجزيرة نت: خلال فترة مراهقتي وشبابي، عملت مع والدي في مهنة الحدادة لأكثر من 12 عاما، واضطررت للطبخ في الصغر للمساعدة في البيت بحكم كوني الابن الأكبر في فترة مرض والدتي، ولتخفيف الحمل عنها وعن أخواتي، حتى أصبح الطبخ شغفا يتواءم مع حبي للتجربة والاستمتاع بالأكل لأقصى حد مع الأهل والأصحاب وبمفردي أيضا، ثم انتقلت للعيش في لندن منذ 4 سنوات.

كورونا نقطة البداية

أشار أبو جوليا إلى أن تقديم المحتوى عبر منصات التواصل جاء دون تخطيط مسبق، وذلك "عندما تمكنت من تعليم نفسي بعض المهارات على برامج تحرير الفيديو، خاصة في وقت الإغلاق الطويل في لندن بسبب جائحة كورونا".

ويضيف "هذه الفترة أعطتني الوقت لبلورة حضوري المستجدّ والعفوي على منصات التواصل الاجتماعي، كمحب للأكل، وشارح لطرق الطبخ، وصاحب نفَس طيب، يشارك متعته مع العالم على شكل محتوى شيق".

وجاءت عبارة "حبايبنا اللزم" التي يشتهر بها أبو جوليا أيضا بدون تخطيط، فهي شائعة بين الشباب والأصحاب في غزة، وتجري على لسانه بشكل طبيعي، من باب التودد للشخص المقابل وتسهيل الكلام معه وكسر أي جمود في اللقاء، فكلمة "اللزم" تعني المقرب والعزيز، وكلها احترام للآخر.

التبولة والمنسف وانتقادات الجمهور

عن أشهر البلاد العربية متابعة لأبو جوليا، قال "هناك اختلافات بين المتابعين بحسب المنصة الإلكترونية، لكنهم بشكل عام من كل الدول، وأكثر المتابعين من مصر والأردن وفلسطين والعراق".

ويتابع: تأتي المشاركات والصور التي تسعدني من المتابعين من كل دول العالم، ولا أبالغ لو قلت كل الدول حرفيا. فالكثير من المشاركات تكون من الدول المتصدرة من حيث عدد المتابعين، ولكن أيضا تصلني بعضها من أفراد الجاليات العربية المقيمة في دول نائية.

وعلى الرغم من معرفة جمهور أبو جوليا بطريقته المبتكرة في طبخ الأكلات، فإن بعض وصفاته لاقت هجوما وانتقادات من قبل بعض متابعيه، حيث قال إن وصفة التبولة اللبنانية لاقت انتقادات لاذعة من الجمهور اللبناني الذي لم يتقبل أي تعديل أو إضافة ولو بسيطة على الوصفة، مع أن التغيير من طرفي كان بناء على تفضيل شخصي، ولم أدّع أنه أساسي في الوصفة التقليدية.

وتابع، كذلك وصفة المنسف، فالشعب الأردني حريص جدا على حفظ المنسف، ويهاجم بقوة أي حياد عن الوصفة التقليدية المتعارف عليها، مع أن تفاصيل المنسف تتفاوت حتى داخل الأردن.

التجديد ضروري

يؤكد أبو جوليا على أهمية الأكلات التقليدية في هوية البلدان وثقافتها، ويضيف أن الوصفات التقليدية محفوظة ولها أهميتها في الذاكرة المجتمعية والإرث الثقافي ويجب توثيقها وتناقلها بين الأجيال، حيث نشرت وصفات تقليدية من هذا النوع. ولكن في المقابل، من المهم جدا وجود مرونة للاستمتاع بالأكل بحسب الظروف المتاحة.

ويقول: في ظروف الغربة، قد نضطر لتعديل بعض المكونات للتحايل على عدم وجود العناصر الأصلية في الأسواق الغربية، وهناك أيضا فئات كثيرة من الناس تعاني من حساسيات غذائية أو من مشاكل صحية تمنعها من استهلاك مكونات معينة.

فضلا عن أن الإنسان بطبيعته يحب التغيير والتجريب، ومن الضروري الابتكار في الأكلات وتقديمها بأشكال جديد ونكهات غير معهودة للاستمتاع بها بعيدا عن الضجر والملل. فالاستمتاع بالأكل مهم جدا حتى نقدره، ونشعر بالامتنان لوجوده، وبالفخر لمشاركته مع الناس من حولنا، العرب والأجانب. ولكل الأسباب السابقة، التجديد المعقول ضروري، بحسب أبو جوليا.

"أم جوليا" وراء الكاميرا

وعن دور زوجته معه ومساندتها له، يحكي أبو جوليا: أحيانا تساعدني زوجتي في تصوير الفيديوهات والقصص اليومية المصورة (ستوريز) على منصات التواصل الاجتماعي، وفي أي مهام جانبية أحتاج إليها، لكنها لا تتدخل في صنع المحتوى وطريقة عرضه، لأن عندي تصوّري الخاص لبناء المحتوى وتسلسل مشاهده وحبكته بشكل عام.

واحتراما لرغبة زوجتي -يتابع أبو جوليا- فهي لا تشاركني الظهور في الفيديوهات التي أنشرها، أما في حياتنا اليومية، فنتشارك الطبخ بين أكلاتي المعدّة للجمهور وأكلاتها الصحية، وبين تجربة الأكلات الجديدة عند الخروج معا.

فالأمر الذي لا أنافسها فيه، قدرتها على تنظيم نزهات لنا في أماكن جميلة في لندن وبريطانيا، وعادة ما أشارك لقطات من هذه الجولات على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما لاقى استحسان المتابعين وإعجابهم.

مطبخ جديد لتصوير البرنامج

وتابع جمهور أبو جوليا تجهيزات مطبخه الجديد خارج بيته، حيث أوضح أن المطبخ قيد التطوير وسوف يكون مخصصا لمشروع جديد لمنصة اليوتيوب التي لم أعطها اهتماما كافيا كالمنصات الأخرى، بسبب ضيق الوقت.

والبرنامج ذو طابع خاص، لكن شخصيتي كأبو جوليا ستظل حاضرة فيه بقوة، وأعتقد أن الجمهور سوف يستمتع بالمحتوى المطروح الذي سيتميز بلمسات مسلّية في طريقة إنتاج الفيديوهات.

وحول مدى إمكانية افتتاح مطعم يقدم فيه وصفاته للجمهور، أكد أن الفكرة مطروحة على الطاولة لكنها تتطلب وقتا للتحضير والدراسة والتخطيط، ويقول: تلقيت الكثير من العروض لفتح مطاعم باسمي في دول عربية وغربية، لكن أرى أن الوقت لم يحن بعد لأخذ هذه الخطوة الكبيرة؛ وحتى ذلك الوقت فهناك الكثير من المشاريع الجديدة التي تشغلني وتنال رضا الجمهور إن شاء الله.

ويستطرد "الأصعب من تحقيق النجاح هو الحفاظ عليه، هدفي الأكبر هو تعميق فهم المتابعين لدور الأكل في حياتنا وتأثيراته على صحتنا ونفسياتنا، من خلال تقديم المزيد من المحتوى الشيّق والممتع والمدعم بالأدلة العلمية، وخطواتي القادمة كلها تسعى لتحقيق هدفي".

المصدر : الجزيرة