جيل الشباب في إيران.. لماذا يبحثون عن طرق لمغادرة البلاد؟

يقول محمد جواد محمودي رئيس لجنة دراسات ومراقبة السياسات السكانية للمجلس الأعلى للثورة الثقافية إن معدل النمو الطبيعي للسكان في إيران وصل الآن إلى أقل من 1%، وهذا أدنى معدل منذ 50 عامًا.

الحكومة الإيرانية تمنح قروض زواج مع فترة سداد طويلة الأجل ومع ذلك يعزف الشباب عن الزواج (الأوروبية)

طهران – تقول بهار وهي خريجة هندسة صناعية (25 عامًا) وتعمل في التجارة عبر الإنترنت إن تراجع الأمل في تحسين أوضاع البلاد والمشاكل الاقتصادية وانعدام الحريات الاجتماعية، فضلاً عن تقييد الفضاء السيبراني من بين دوافع الشباب إلى الهجرة من إيران.

وتبين بهار -للجزيرة نت- أن عزوف الفتيات الإيرانيات عن الزواج متعلق بقضايا اقتصادية ومعيشية، وذكرت أنه رغم أن نسبة كبيرة من الفتيات لا يعارضن الزواج، فإن توفير الأجهزة المنزلية التي هي مسؤولية الفتاة، وارتفاع أسعارها مما تسبب في عدم القدرة على تحمل تكاليفها أثرا على انخفاض معدل الزواج في الأسر.

وتابعت بهار -في حديثها للجزيرة نت- أنه بسبب ارتفاع الأسعار وعدم اليقين بشأن المستقبل، يخاف الشباب من الزواج ويؤجلونه أملاً في تحسن الوضع. كما أن تغيير أسلوب حياة وعمل الفتيات في المجتمع والاكتفاء الذاتي أثرا في عزوفهن عن الزواج.

الهجرة الاقتصادية من أهم أنواع هجرة الإيرانيين (الأوروبية)

هذه هموم الشاب الإيراني

يعتقد أفشين (30 عاما) الحاصل على دكتوراه في القانون بأن الهجرة في السابق كانت عبارة عن فرصة لتحسين الظروف المعيشية واكتساب فرص جديدة، حيث كان معظم الشباب يركزون على التنمية الشخصية وتحسين جودة حياتهم واكتشاف فرص جديدة، وكانت تشمل -في الغالب- المتعلمين ورواد الأعمال. لكن الهجرة الحالية -المنتشرة بين جميع شرائح المجتمع- هي نوع من الهروب من الوضع الحالي وعدم الاستقرار والضغوط الاقتصادية.

وعن أسباب عدم رغبة الشباب في الزواج، يقول أفشين -في حديثه مع الجزيرة نت- إن معظمها يتعلق بأمور اقتصادية، فعندما لا يتوفر السكن والاستقرار اقتصادي، يخاف المرء من مستقبله الشخصي، ناهيك عن بدء حياة عائلية.

ورغم نسيج المجتمع الإيراني التقليدي والأسباب الثقافية والدينية ورغبة الشباب الإيراني في الزواج، فإن المشاكل الاقتصادية تمنع ذلك، وفق أفشين.

رغم نسيج المجتمع الإيراني التقليدي ورغبة الشباب الإيراني في الزواج، فإن المشاكل الاقتصادية تمنع ذلك (الأوروبية)

دوافع هجرة الشباب

تظهر إحصاءات مرصد الهجرة الإيراني ارتفاع نسبة المهاجرين الإيرانيين من إجمالي عدد سكان إيران من 1.45% عام 1990 إلى 2.29% عام 2019.

ووفقًا لآخر إحصائيات المرصد، فإن 37% من حاملي الميداليات في الأولمبياد الطلابي و25% من أعضاء مؤسسة النخبة الوطنية يقيمون حاليا في دول أخرى.

وذكر المرصد أيضا أن الهجرة الاقتصادية هي من أهم أنواع الهجرة للإيرانيين، وحتى العديد من الهجرات التي تتم عبر القنوات التعليمية أو قنوات اللجوء لها دوافع اقتصادية أيضًا.

وكان محمد وحيدي النائب الأول لرئيس لجنة التعليم والبحث بالبرلمان قال –لصحيفة همشهري الإيرانية الرسمية- "تعد إيران واحدة من الدول التي لديها أعلى نسبة الهجرة من بين 98 دولة فقدت نخبها بسبب (هذه) الهجرة".

وفي أعقاب الاضطرابات الاقتصادية وعودة العقوبات الأميركية عام 2018، زادت هجرة الطلاب والناشطين خاصة في مجال الشركات الناشئة بشكل كبير.

ومع كل هذه التفسيرات، يبدو أنه بالنظر إلى الوضع الاقتصادي للبلاد، وكذلك عدم فاعلية المفاوضات النووية، وهمسات حول تقييد مساحة الإنترنت في البلاد، فمن المحتمل أن نرى موجة جديدة من هجرة الإيرانيين، وفق مراقبين.

ويقول الرئيس الثامن لإيران سيد إبراهيم رئيسي -في أول لقاء له مع الإعلاميين- عن الإيرانيين في الخارج "إننا سنوفر كل ما يلزم لتسهيل عودة الإيرانيين من الخارج"، وفق ما نشرت "وکالة أنباء إيسنا الرسمية"(وكالة أنباء الطلبة الإيرانية).

رئيسي أضاف: "مثلما تعتبر الحكومة نفسها مسؤولة عن الإيرانيين داخل البلاد، فإنها مسؤولة أيضًا عن الإيرانيين في الخارج، ويجب أن يتم تسهيل دخول الإيرانيين البلاد من جانب جميع الجهات ذات الصلة، والاستثمار في البلاد من قبل الإيرانيين المقيمين في الخارج يعد أولوية".

رئيسة الجمعية العلمية لأطباء النساء: معدل المواليد عام 1986 كان نحو 3.91%،  وانخفض إلى أقل من 1% (غيتي)

انخفاض عدد السكان

وصرحت رئيسة الجمعية العلمية لأطباء النساء في إيران، أعظم السادات موسوي، لوكالة أنباء فارس الرسمية بأن معدل النمو السكاني في إيران أقل من 1%، وتحدثت عن أن الخوف من المستقبل، والمشاكل الاقتصادية المتزايدة، والدخل غير الكافي، وقلة السكن، هي من بين معوقات الإنجاب.

وقالت موسوي: "شهدنا انخفاضًا في معدل المواليد حيث كان 3.91% عام 1986، ثم أصبح أقل من 1% حاليا".

من جهته، صرح رئيس لجنة دراسات ومراقبة السياسات السكانية للمجلس الأعلى للثورة الثقافية محمد جواد محمودي –لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية– بأنه من المتوقع أن يصل معدل النمو السكاني في إيران إلى صفر بين عامي 2036-2041 لتصبح سلبية بعد ذلك.

وأضاف محمودي "بلغ معدل المواليد من نحو 20 شخصا لكل ألف من السكان عام 2015، إلى 13.3 لكل ألف من السكان عام 2020. وهذا أدنى معدل منذ 50 عامًا، كما انخفض معدل النمو السكاني من 3.2% عام 1986 إلى 1.29% عام 2011 و1.24% عام 2016، وتشير التقديرات إلى أن معدل النمو الطبيعي للسكان قد وصل الآن إلى أقل من 1% (0.73%)".

وأشارت أعظم كريمي مديرة عام مكتب التخطيط والتنمية الاجتماعية لشؤون الشباب بوزارة الرياضة والشباب -في تصريح نشرته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية– إلى أن "الولادات تراجعت بسرعة كبيرة، ويقدر أننا شهدنا انخفاضًا بنسبة 20% في المواليد في السنوات الثلاث الماضية وحدها، وهو انخفاض كبير جدا".

ورغم سياسات المرشد الإيراني على خامنئي التي أعلن عنها عام 2014 لتعويض الانخفاض في معدلات النمو السكاني والخصوبة، فلم يتم تنفيذ هذه السياسات بشكل صحيح، وفق ما نشره موقع "فارسي" (موقع إلكتروني تابع للمرشد).

حامد بركاتي: في السنوات الأربع الماضية، انخفض معدل المواليد بنحو 25% (مواقع التواصل)

وقال مدير عام مكتب صحة السكان والأسرة والمدارس بوزارة الصحة حامد بركاتي مؤخرا –لوکالة أنباء الطلبة الإيرانية– "إن الوضع السكاني آخذ في التدهور؛ ففي السنوات الأربع الماضية، انخفض معدل المواليد في البلاد بنحو 25%".

وإضافة إلى القضايا الاقتصادية، تظهر الآثار الثقافية والتغيرات في المعتقدات والقيم وأنماط الحياة في انخفاض الرغبة في الزواج أو رغبة الزوجين في الإنجاب. ويعد نقص الدعم الحكومي للإنجاب عاملاً آخر في تقليل رغبة الأزواج في إنجاب الأطفال، بحسب متتبعين.

تغيير أسلوب حياة وعمل الفتيات والاكتفاء الذاتي أثرا في عزوف الفتيات عن الزواج (الأوروبية)

العزوف عن الزواج

وأفادت أعظم كريمي -خلال حديثها مع إذاعة كفتكو المحلية- بأنه "حسب نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت على المجتمع الإحصائي، فإن 60% من الشباب يؤكدون ضرورة الزواج، و30% منهم أشاروا إلى نقص فرص العمل كونه سببا أساسيا لتأخر الزواج".

وأكد رئيس لجنة مواجهة الأضرار الاجتماعية في البرلمان أحمد نادري أن "نقص الوظائف وبطالة الشباب، ومواصلة التعليم بالإضافة إلى القضايا الاقتصادية -لا سيما مشاكل السكن- من أسباب تأخر زواج الشباب في إيران، وهو ما يؤدي في بعض الأحيان إلى العزوبة المطلقة للشباب".

وحسب وسائل الإعلام المحلية ووفقا لدراسات الميدانية في طهران العاصمة، وصلت مدة انتظار شراء البيت لكل عامل نحو قرن من الزمن، في وقت ارتفعت فيه أسعار العقارات نحو 400% خلال الـ5 سنوات الماضية.

وتقدم الحكومة قروض زواج مع تسهيلات سداد طويلة الأجل لتيسير الزواج للشباب، وتصل قيمة هذه القروض إلى نحو 5 آلاف دولار مع فترة سداد 5 سنوات وفائدة بنسبة 4%، وسيرتفع المبلغ إلى 7 آلاف دولارا إذا تم تخفيض سن الزواج إلى أقل من 25 سنة للشباب وأقل من 23 سنة للشابات.

كما قال وزير الرياضة والشباب السابق الدكتور مسعود سلطاني فر -في تصريح نشرته وكالة أنباء إرنا الرسمية– "ارتفعت نسبة الزواج عام 2020 إلى 4.6% مقارنة بعام 2019، الأمر الذي أظهر الجهود الطيبة والفعالة في هذا الصدد، ونأمل أن نشهد انخفاضًا في معدلات الطلاق أيضا".

علي رضا زالي: من بين 13 مليون إيراني من الرجال والنساء العازبين، 2.5 مليون تجاوزوا سن الزواج (مواقع التواصل)

وأشار رئيس جامعة شهيد بهشتي للعلوم الطبية علي رضا زالي -في خبر نشرته وكالة أنباء إرنا الرسمية– إلى أنه "من بين 13 مليون إيراني من الرجال والنساء العازبين، 2.5 مليون تجاوزوا سن الزواج".

وبحسب صحيفة "آرمان ملي"، بلغ متوسط سن الزواج في إيران 28 سنة للفتيات و32 سنة للشباب.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الإيرانية + مواقع إلكترونية