استعادت سمعها وعمرها 8 سنوات لتصبح أصغر "شيف" مصرية على يوتيوب

فرح أصغر شيف مصرية على يوتيوب (مواقع التواصل الاجتماعي)

"أهلا بكم.. وحشتوني جدا جدا" كلمات بسيطة تنطقها الشيف فرح بكل حماس على مسامع جمهور لقبها بـ "أصغر شيف في مصر"، بعدما باتت واحدة من بين الأطفال زارعي القوقعة، ممن وجدوا في منصات التواصل الاجتماعي منفذا للتعبير عن قدراتهم التي ينكرها الجميع.

الشيف فرح

تتحضر فرح لكل حلقة باختيار ملابسها، وتتابع فيديوهات الطبخ وتسعى للابتكار في كل حلقة بأبسط المكونات، وتحلم بامتلاك جهاز العجن الكهربائي لخبز المعجنات، وتقديمها لجمهورها عبر يوتيوب.

تواصلنا مع "الشيف فرح" عبر الهاتف، وباتت متحمسة لاهتمام وسيلة إعلامية بما تقدمه عبر قناتها، التواصل الذي سعت والدتها لتأكيده، فقالت إن ابنتها تسمع وتتكلم بعد 3 عمليات جراحية؛ فتخرج فرح على جمهورها كل بضعة أيام بفيديو جديد، ترحب بجمهورها الذي يتابعها عبر يوتيوب، وتستعرض مهاراتها في الطبخ بحماس بالغ، تشرح طريقة تحضير وجبة بسيطة، وتظهر مساعدة والدتها من خلف الكاميرا بالتوجيه وتصحيح مخارج الألفاظ.

لاحظت الأم ضعف سمع فرح في سن 7 شهور، سعت في إجراءات تركيب سماعة لضعف السمع، لكنها لم تستجب، لتبدأ في إجراءات زراعة القوقعة للمرة الأولى بعيدا عن التأمين الصحي، الذي كان يتكفل بأقل من 50% من سعر العملية، ورأت هي معاناة العديد من الأسر للحصول على هذا الدعم الجزئي، والانتظار في قوائم طويلة لسنوات، حتى تضيع فرصة الطفل في الدعم.

 

خضعت فرح للعملية الأولى بمساعدات مالية، لكنها صارت مفزوعة ومرتجفة كلما سمعت صوتا من حولها، حتى اكتشفت الأم فشل العملية، فتابعت مع طفلتها رغم بساطة حال الأسرة، ومعاناة الأب لتحصيل رسوم الأشعة لاكتشاف المشكلة، وهي "تعظم في قوقعة الأذن"، لم ينتبه له الأطباء.

أجرى الأطباء عملية جراحية أخرى لفرح، مقابل تنازل الأهل عن حقهم في مقاضاتهم بتهمة الإهمال، وتكرر الأمر وسط احتفاء الأطباء بنجاحهم، لتكتشف الأم للمرة الثانية فشلهم.

خضعت فرح للعملية الثالثة في سن 8 سنوات في مستشفى حكومي، تحملت الشركة المصنعة للقوقعة تكاليف الجهاز الجديد تعويضا عن الضرر الذي تسبب فيه طاقمها، لتنتبه فرح للأصوات للمرة الأولى كطفل وليد.

فرح تسمع بعد 8 سنوات

تخيلت الأم مرات لو أنها فقدت الأمل، وتوقف زوجها عن تدبير نفقات علاج فرح بكل الطرق الممكنة، وتمنت لو أذاعت خبر شفائها وتأكد الجميع من قدراتها.

حققت فرح تلك الأمنية، بعدما سألت والدتها ببراءة عن سبب عدم حضورها المؤتمر الدولي لتمكين ذوي الهمم برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أو استضافتها في البرامج الرمضانية، واستشعرت حاجتها للظهور علانية أمام جمهور؛ لتعلن أمام أسرتها أنها "شيف مشهورة"، وأنها ستحضر لهم وجبة السحور، وعليهم تصويرها، لنشر الفيديو.

رأت الأسرة في ذلك تعزيزا لثقتها بمهاراتها، وفرصة لنشر حالتها الصحية التي لا تعد معها زراعة القوقعة سوى خطوة أولى، تستمر مراحلها طوال الحياة، وكما تمنت أسرة فرح مساعدة أهالي الأطفال شديدي ضعف السمع، من خلال بث الأمل في أرواحهم مرة أخرى.

اليوم، تحتاج فرح لتسجيل 4 آلاف ساعة مشاهدة من حلقاتها على يوتيوب، وزيادة أعداد المتابعين؛ لتتمكن من الإعلان عن نفسها، والتكسب من جهدها، وتحلم كل ليلة بالشهرة، وبيوم تعمل فيه طبيبة "سماعة" على حد وصفها؛ وألا تترك طفلا يتواصل بلغة الإشارة، أو أما تبكي كلما ذهبت بطفلها إلى الطبيب.

زراعة القوقعة في عمر الزهور

كشف تقرير لوزارة الصحة المصرية عام 2019 عن نسبة الأطفال المصابين بضعف السمع منذ ولادتهم، وبلغت 3 أطفال لكل ألف طفل، ما قدرته الوزارة بعدد 8 آلاف طفل ضعيف السمع سنويا بين المواليد الجدد.

كان فقدان السمع كليا هو مصير هؤلاء الأطفال حتى العام الماضي، مع التدخلات الدولية لرفع تصنيف مصر في القطاع الصحي أمام المنظمات الدولية، بتوفير عمليات تركيب القواقع السمعية ضمن برنامج دعم صحي يتكفل بقيمة 75% من ثمن العملية حسب موقع وزارة الصحة، والتي قدرتها الوزارة بـ 130 ألف جنيه (نحو 8250 دولار)، بينما تصل إلى 240 ألف جنيه (نحو 15 ألف دولار) في القطاع الخاص.

وأكد المعهد الوطني الأميركي للصمم أن الأطفال المؤهلين الذين يتلقون غرسة القوقعة الصناعية قبل سن 18 شهرا يطورون مهارات لغوية بمعدل مماثل للأطفال ذوي السمع الطبيعي، وينجح كثير منهم في الفصول الدراسية العادية.

ويمكن لبعض البالغين الذين فقدوا كل سمعهم أو معظمه الاستفادة من غرسات القوقعة الصناعية، الأمل الذي يفتقده الأطفال في مصر إذا تخطوا سن 5 سنوات، برفض ملفهم بالتأمين الصحي، وفقا لنص بالقانون المصري؛ بحجة استحالة شفائهم، والترويج لذلك على أنه مثبت علميا، وأثبتت فرح خطأه.

ويعرف المعهد الوطني الأميركي للصمم تلك العملية بأنها تتضمن غرس قوقعة صناعية، وهي جهاز إلكتروني صغير ومعقد، يمكن أن يساعد في توفير إحساس بالصوت لشخص يعاني من ضعف السمع بدرجتيه الشديد والعميق.

ويتكون الجهاز من جزأين، أحدهما خارجي خلف الأذن، والآخر يوضع جراحيا تحت الجلد؛ لتضخيم الأصوات وتحفيز العصب السمعي مباشرة؛ فيتعرف الشخص إلى إشارات التحذير وفهم الأصوات في بيئته المحيطة.

وتحتاج السماعة الخارجية للتحديث كل فترة، ويصل سعر غيار أبسط جزء تالف فيها لأكثر من 30 ألف جنيه (نحو 1900 دولار)؛ الأمر الذي تعجز عنه مئات الأسر، ويعود الطفل أصم، يتواصل بلغة الإشارة فترات طويلة من حياته بعدما ذاق نعمة السمع، حتى يحل دوره في قوائم الجمعيات الخيرية؛ بسبب عدم إدراج الأجهزة الخارجية للقوقعة كجهاز تعويضي تتكفل به الدولة المصرية للأطفال أقل من 5 سنوات، وهو البند الذي تسبب في استمرار إعاقة المئات من الأطفال.

المصدر : الجزيرة