كوابيس وفزع ورعب.. هذا ما جناه انفجار مرفأ بيروت على اللبنانيين

Lourdes Fakhri poses for a picture inside her damaged house, in the aftermath of a massive explosion at the port area, in Beirut
رغم نجاة والدي لورد فخري وأشقائها الستة فإن شعور الفزع لا يزال يلازمها (رويترز)

معاناة اللبنانية ساندرا أبي نادر تختصر ما مر به عشرات آلاف اللبنانيين الذين كانوا يسكنون قرب مرفأ بيروت، فباتوا يفزعون من أي صوت ويشعرون أن عليهم الهرب لإنقاذ حياتهم.

ورغم مرور ثلاثة أسابيع على الانفجار الهائل الذي أودى بحياة أكثر من 180 شخصا في بيروت وحوّل أحياء بأكملها إلى خراب، لم تستطع ساندرا تجاوز ما حصل، تقول "قبل عدة أيام كنت أحاول فتح برطمان فكان صوته قويا، فصرخت وشعرت أن عليّ الهرب".

وتدرك ساندرا (18 عاما) حجم محنتها، لكنها غير مهتمة بطلب مساعدة من المختصين. وتقول بنبرة رزينة "اعتدنا التعامل مع مشاكلنا بأنفسنا".

أسلوب ساندرا في التعاطي مع الأمر شائع في لبنان، البلد الذي أكسبته الحروب والصراعات الطائفية صلابة ولا تزال الوصمة الاجتماعية فيه تهيمن على نظرة الناس إلى المشاكل النفسية.

لكن الانفجار عصف بلبنان في وقت حرج للغاية مع أزمة اقتصادية طاحنة مستمرة منذ شهور زادت جائحة فيروس كورونا من شدتها.

ويحذر الأطباء الآن من وضع طارئ في الصحة النفسية على مستوى البلاد، حيث بدأت تظهر على الناس أعراض الصدمة جراء الانفجار ومن بينها ومضات الذكريات المؤلمة والكوابيس والبكاء والقلق والغضب والإنهاك.

Sandra Abinader stands on the balcony of her damaged house, in the aftermath of a massive explosion at the port area, in Beirut
ساندرا تؤكد أنها لم تذرف الدمع منذ الكارثة (رويترز)

ويقول الأطباء النفسيون إن العرض المستمر لصور الانفجار وتبعاته الدامية على التلفزيون اللبناني ووسائل التواصل الاجتماعي زاد من حدة المشكلة.

ويقول جاد داعوق وهو متطوع في جمعية "إيمبرس" (Impress) غير الحكومية المعنية بالصحة النفسية ويتولى الرد على الهاتف في مركز للأزمات أقامته الجمعية "في كل مرة نقول إن الأمور لا يمكن أن تسوء أكثر في لبنان، لكن ذلك يحدث بطريقة أو بأخرى.. الناس يشعرون باليأس حيال الوضع برمته هنا في لبنان".

وتقول الجمعية -التي عادة ما تستقبل ما يتراوح بين 150 و200 اتصال في الشهر- إن عددا أكبر من الناس يتواصل معها منذ انفجار المرفأ.

وأرسلت الجمعية متطوعين للعمل بشكل مستمر في أحد الأحياء المتضررة وبدأت زيارات منزلية.

وتحرك الكثير من المختصين في الصحة النفسية في أعقاب الانفجار لتقديم خدماتهم ونشر نصائح على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن بعضهم يكافح هو نفسه لتجاوز الصدمة.

Children play outisde a UNICEF tent in Beirut
اليونيسيف.. أعراض الصدمة بدأت بالفعل تظهر على نصف الأطفال الذين عاينت حالاتهم في بيروت (رويترز)

وقالت وردة بو ضاهر الطبيبة النفسية "لم أسمع الأطباء النفسيين قط يقولون: لسنا مستعدين للحديث حاليا.. نحتاج إلى وقت للتعافي. لكن الصدمة أصابت الجميع.. إنهم بحاجة لمداواة جروحهم قبل أن يتمكنوا من مساعدة الآخرين".

وفي حين تصر ساندرا على أنها لم تذرف الدمع ولا مرة منذ الكارثة، لم تستطع إحدى قريباتها حبس دموعها وهي تروي ذكرياتها مع الانفجار الذي تسبب في إصابة 6 آلاف شخص وكان دويه هائلا لدرجة أن البعض سمعه في قبرص على بُعد 160 كيلومترا.

وعندما وقع الانفجار، ركضت لورد فخري من المتجر الذي تعمل به إلى منزلها في منطقة الكرنتينا قرب المرفأ، وهي من الأكثر تضررا بالانفجار، خشية أن تكون أسرتها قد راحت ضحية الانفجار.

وقالت "المنزل تحول لكومة كبيرة من الأنقاض.. تخيلت للحظة أنهم كانوا نياما على الأرض والبيت دمر عليهم".

نجا والدا لورد وأشقاؤها الستة لكن شعور الفزع ظل يلازمها.

وبالنسبة لمن هم أكبر سنا في لبنان، أحيا الانفجار ذكريات الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى عام 1990 والحرب الإسرائيلية عام 2006 وغيرها.

وقالت علا خضر اختصاصية في علم نفس الأطفال، إن الكثيرين لم يعالجوا قط من الصدمات التي تعرضوا لها ولا يعلمون كيف يمكنهم مساعدة أطفالهم.

Ola Khodor, a 25-year-old child psychologist, is pictured in Beirut
علا خضر: يستحق الطفل أن يعرف الحقيقة ولكن ليس بأدق تفاصيلها (رويترز)

وأضافت "الكثيرون يقولون لأبنائهم إن شيئا لم يحدث، إنها كانت لعبة". وتابعت "يستحق الطفل أن يعرف الحقيقة ولكن ليس بأدق تفاصيلها، ويستحقون معرفة ماذا حدث بالضبط حتى يمروا بمرحلة الحزن اللازمة للتعافي ويستوعبوا الأمر كما ينبغي".

ويقول الخبراء إن أعراض الصدمة تبدأ في الظهور بعد الحدث بعدة أسابيع مع خروج المرء من فترة "الكرب الشديد".

وقدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن أعراض الصدمة بدأت بالفعل تظهر على نصف الأطفال الذين عاينت حالاتهم في بيروت.

المصدر : رويترز