أضرارها تحد من فائدتها.. لماذا يجب التوقف عن بناء ناطحات السحاب؟

ناطحات السحاب شيكاغو
ناطحات السحاب أكثر ضررا مما نعتقد (بيكسابي)

بعدما ازداد عدد السكان في العالم، وقلت المساحات الزراعية، لم يعد التوسع الأفقي مجديا في المساكن، وبدأ التحول إلى التوسع الرأسي، الذي يجعل المساحة نفسها تستوعب عددا أكبر من البشر.

لم يتوقف الأمر عند التوسع الرأسي بشكل عادي، لكن ظهرت ناطحات سحاب شاهقة للسكن والعمل، بعدما كانت الصروح الشاهقة تخص الحكام والديانات والإمبراطوريات العظيمة، من برج بابل الأسطوري، إلى أهرامات الجيزة العظيمة.

ظهر الجيل الأول من ناطحات السحاب الحديثة في ثمانينيات القرن الـ 19، في مدينتي شيكاغو ونيويورك، وبني أول أطول مبنى في العصر الصناعي الحديث بواسطة ويليام لو بارون جيني بارتفاع 12 طابقا.

وشهدت الثورة التكنولوجية الأميركية من عام (1880- 1890) اندفاعا إبداعيا ساعد المهندسين المعماريين على بناء مبانٍ شاهقة، بالإضافة إلى مصانع الحديد التي أنتجت حديدا أكثر مرونة مما سبق، سمح للمصاعد الكهربائية بالارتفاع لأكثر من 10 طوابق.

ظهرت المباني العالية في المدن المزدحمة، مثل باريس ولندن ومانهاتن وهونغ كونغ، بالأماكن التجارية، وأحدثت ثورة في العمل المكتبي، لأنها مكّنت الإدارة من تركيز المكاتب والإدارات في مبنى واحد، خاصة مع ظهور الترام ومترو الأنفاق وخطوط السكك الحديدية التي تنقل العمال من أماكن سكنهم إلى موقع  واحد للعمل، قبل عقود من إمكانية تملك كل شخص لسيارته الخاصة.

تسابقت المدن الكبرى لتملك أعلى المباني، وبدأ الاحتياج يزداد إلى التهوية والضوء الصناعي، كضرورة للسكن البشري في تلك المباني العالية.

وتراجعت أنماط الزخرفة التقليدية، والنوافذ المعروفة، لتظهر النوافذ المدرجة التي تعد من سمات ناطحات السحاب، وبعدما بدأ الأمر لحل مشكلة عدد السكان ونقص المساحات، أصبحت المنافسة والرغبة في إظهار التقدم والسطوة أسباب بناء ناطحات السحاب.

وبلغت ذروة الهوس بها في عام 1931 مع بناء مبانٍ مثل كرايسلر (Chrysler Building) وإمباير ستيت (Empire State Building)، وتراجعت مباني الأرت ديكو (Art Deco) لصالح النمط الزجاجي والمباني التي تشبه الصناديق ذات الإطار الفولاذي، التي نراها في كل عواصم العالم اليوم.

إبهار غير آمن

بعدما كافح المهندسون لبناء أطول ناطحات السحاب في العالم، تعود الهندسة المعمارية الآن، لتخبرنا أن ناطحات السحاب أكثر ضررا مما نعتقد، حيث تتطلب المباني الشاهقة الكثير من الجهد لإيقاف التمايل، ما يتطلب مزيدا من الحديد والخرسانة، كما أنها تحتاج إلى أساسات أكثر قوة وأكبر عمقا، لتناسب هذه الارتفاعات الشاهقة.

وتستهلك المباني الشاهقة كثيرا من الطاقة لتشغيل مكيفات الهواء والإضاءة الصناعية والمصاعد، كما أن انبعاثات الكربون الصادرة منها أزيد بنسب كبيرة عن تلك الصادرة من المباني متوسطة الارتفاع، ما يعني أن البنايات الشاهقة تحل مشكلات السكان والإدارات المكتبية من جانب.

لكنها من جانب آخر تمزق أطنانا لا حصر لها من الأراضي الطبيعية من أجل الأساسات العميقة، وتضخ أطنانا أخرى من الغازات والكربون في الغلاف الجوي، ما يسرع عملية التغير المناخي، التي تزعم الدول نفسها صاحبة ناطحات السحاب الأعلى في العالم، أنها تحاربها.

وبالإضافة لكل مضارها البيئية فهي حاليا -ومع انتشار فيروس كورونا- تعتبر بيئة غير آمنة وغير مناسبة للعمل، لأنها تعتمد على مكيفات الهواء التي تعتبر أحد أسباب نقل الفيروس أثناء دورة الهواء، إذ لم يفكر مصممو ناطحات السحاب، أن الطبيعة لها طرقها الخاصة في الانتقام.

ويحذر أساتذة السياسات البيئية من خطر المباني الشاهقة، ويقولون إنه يجب حظر بناء ناطحات السحاب عالميا، لأن الزجاج يمثل مشكلة خاصة مع ضوء الشمس، لأنه يجعل وصول الضوء غير محدود للمبنى لكن دون وجود طريقة للخروج، فلا توجد تهوية طبيعية أبدا، وإنما فقط مزيد من مكيفات الهواء!

ويؤكدون أن العالم يدور في حلقة مفرغة من بناء ناطحات السحاب، ثم محاولات تبريدها الذي يستهلك الطاقة، ويسهم بشكل كبير في أزمة المناخ، مما يزيد من درجة حرارة الكوكب.

المصدر : مواقع إلكترونية