الكشري والكرنتيكا والبرمة.. أطباق ابتكرتها الشعوب والجيوش عندما اختفى الطعام

(بيكساباي)أطباق الأزمات الباييا الأسباني
البايا طبق إسباني شهير يحتوي على الأرز وأصناف مختلفة من الخضار واللحوم أو الأسماك (بيكسابي)

فريدة أحمد

يتمسك الفرد بما يبقيه على قيد الحياة في الأزمات، سواء كانت الأزمة فقرا أو حروبا أو مجاعة، يمزج خياله مع عقله ويبتكر من المتاح أطباق طعام ليسد جوعه وجوع عائلته، من كل ما تقع عليه عيناه وتستطيع يداه الوصول إليه.

الكشري في مصر والكرنتيكا في الجزائر والبايا في إسبانيا، وغيرها، أطباق ظهرت في أزمنة صعبة وعاشت بعد ذلك لتحكي في فترات الرخاء حكاية ابتكارها وصمودها.

الكرنتيكا الجزائري
ينتشر هذا الطبق الشعبي في الجزائر إلى اليوم، ويرجع تاريخه إلى فترة الاحتلال الإسباني.

صنع لأول مرة داخل حصن "سانتا كروز" آخر معاقل الإسبان المطل على مدينة وهران، بعد أن حوصروا فترة طويلة حتى نفدت مؤنتهم، فاستدعى القائد الإسباني الطباخ وأمره بصنع أي شيء لإطعام الجنود.

لم يكن هناك شيء سوى الحمص، فقام الطباخ بطحنه وعجنه مع الماء والزيت وقدمه للجنود، وعندما سأل القائد عن اسم الطبق الذي اخترعه الطباخ أجابه بالإسبانية "كالينتي" بمعنى ساخن أو حار، ويعرف في بعض مناطق الجزائر باسم "كرنتيكا" وفي المناطق الأخرى باسم "كرنتيتا".

البايا الإسباني
طبق شهير يحتوي على الأرز الإسباني الذهبي وأصناف مختلفة من الخضار واللحوم أو الأسماك، متبل بصورة مميزة بالزعفران.

تعود أصوله إلى القرن 19، يعتقد أنه معبر عن امتزاج ثقافتي الرومان الذين انتقلوا إلى إسبانيا، والعرب الذين جلبوا الأرز والتوابل.

تعود حكاية الطبق -الذي تخطت شهرته حدود إسبانيا، وأصبح على أول قائمة الأطعمة المفضلة للسائحين- إلى الفقراء الذين مزجوا بواقي الطعام ليطعموا عائلاتهم.

وبحسب موقع "كيتشن بروجكت" KitchenProject المتخصص بتاريخ الأكلات، فإن اسم الطبق Paella مشتق من الكلمة العربية "بقايا" على اعتبار أن الطبق يعود إلى اختراع عبيد الملوك لسد حاجتهم من الجوع، يقومون بجمع بقايا الطعام من المآدب الملكية، ويضعونها على الأرز في الأواني ويأخذونها إلى المنزل ليتناولوها مع أسرهم.

‪(بيكسابي)‬ تعود أصول البايا الإسباني إلى القرن 19 
‪(بيكسابي)‬ تعود أصول البايا الإسباني إلى القرن 19 

الكشري المصري
الطبق المصري الأكثر شعبية، يتكون من خليط مميز من البقوليات كالعدس والأرز والحمص مضاف إليها المكرونة وشرائح البصل المحمر وصلصة الطماطم الخاصة.

وقد ذاع صيته في معظم الدول العربية والغربية، وخرج من رحم أزمة اقتصادية وارتفاع في أسعار السلع والمواد الغذائية أواخر القرن 19.

وفقا للطاهي "كليفورد رايت" Clifford A. Wright ومؤلف العديد من كتب الطبخ، فإن اسم "كشري" مستمد من "خشيري" الهندوسي، ويعتقد أن الكشري نشأ في الهند ويعود إلى زمن الاستعمار البريطاني الذي يشير إلى طبق من العدس والأرز.

وعندما دخل البريطانيون مصر أواخر القرن 19 مع بعض الجنود الهنود، أحضروا هذا الطبق معهم، وكان غير مكلف.

لم يمض وقت طويل، وبسبب الأوضاع الاقتصادية، احتضن المصريون ذلك الطبق منخفض التكلفة، وأضافوا إليه بعض لمساتهم ليظهر بشكله المعروف اليوم.

البرمة الموصلية
ظهر هذا الطبق نتيجة الضغوط والحصار الذي تعرضت له الموصل، إذ لم يكن متاحا للسكان في ظل الحروب الحصول على طعام، لكن في ذات الوقت كانت الحبوب متوافرة لدى الغالبية.

تعود التسمية إلى الوعاء الذي تطبخ فيه ويصنع من الفخار، وتوضع المحتويات من العدس واللوبيا الجافة بعد نقعها بالماء في "الجرة" وتضاف إليها البهارات، وترسل لتوضع على بقايا "نار الكرخان" وهو موقد الحمامات الشعبية بالمدينة، وتترك من الليل حتى الصباح لتنضج.

يشتهر أهل الموصل بالبرمة التي باتت إحدى الأكلات الشعبية التي تصنع في الشتاء لتمد الجسم بالطاقة، خاصة مع إضافة اللحم إليها في أوقات الانفراج.

حساء الجيش الكوري
حساء "يخنة" كوري شهير، يحتوي على الكيمتشي "الخضراوات المملحة والمخمرة والتوابل" إضافة إلى النقانق والفطر والنودلز (المعكرونة الفورية) والجبن.

يعتقد من مكوناته أنه طبق عشوائي، وكان قد بدأ بالفعل في ظروف استثنائية، لكنه استمر وأصبح أحد أشهر الأطباق الكورية.

بعد فترة وجيزة من الحرب الأهلية أوائل الخمسينيات، كان الغذاء نادرا للغاية، لذلك كانت هذه الأطعمة الفائضة من القواعد العسكرية الأميركية مكملا رائعا للكوريين، للحصول على بروتين رخيص.

أخذ بعض الكوريين يصطفون خارج قاعات الطعام في قواعد الجيش الأميركي لشراء البقايا، بحسب موقع "ماي كوريان كيتشن" Mykoreankitchen. 

كانت بقايا الطعام تحتوي على النقانق ولحم الخنزير والفاصوليا المعلبة والجبن المقطع، وأضاف الكوريون "الكيمتشي" الخاص بهم والثوم والخضراوات ومعجون الفلفل الحار والنودلز، ليتكون مزيج حار يعرف باسم Budae jjigae.

Budae مصطلح كوري لقاعدة عسكرية وJjigae يعني الحساء، لذا يطلق على الطبق "حساء الجيش/حساء قاعدة الجيش".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية