لماذا يفرح عمال سويسرا بالعزل المنزلي؟.. فتش عن العائلة

لوتان: لم أشعر بالحرية كما شعرت بها أثناء هذا الحجر الصحي
تجربة الحجر توفر فرصة حقيقية لنسأل أنفسنا هل نعيش الحياة التي نريدها؟ (غيتي)

الاحساس بالسعادة في أجواء الحجر الصحي قد لا يشمل جميع عمال العالم، لكن بعضهم وجد في هذه الظروف فرصة للتقرب أكثر من عائلتهم، وكانت مدة بقائهم في منازلهم وسيلة ليعيدوا اكتشافها وليعيشوا ما يمكن أن يوصف بأفراح الحجر مع العائلة.

بهذه المقدمة، افتتحت سيليا هيرون مقالا في صحيفة لوتان السويسرية، مؤكدة أنه رغم أن الحجر الصحي والعزل المنزلي لا يرى فيه الكثيرون خبرا سارا، فإن العديد من العمال يستمتعون وهم حبيسو أربعة جدران "بإعادة التركيز على ما هو أساسي" ويؤكدون أنهم يجدون في إجبارهم على البقاء في المنزل قمة السعادة.

‪عامل: أدركت أخيرا ما تتحمله زوجتي من عبء نفسي وتهتم بالأطفال أكثر مني‬ (غيتي)
‪عامل: أدركت أخيرا ما تتحمله زوجتي من عبء نفسي وتهتم بالأطفال أكثر مني‬ (غيتي)

شعور بالحرية
واستعرضت الكاتبة في مقالها كيف يعيش العمال فترة الحجر الصحي في بلادها، وتصف كيف تحتفل أسرة صغيرة بعيد ميلاد طفلها خلف ثلاث شموع نثرت على كعكة من الشوكولاتة، وسط سعادة قد تجعل بعض الناس يخافون من "عودة الحياة إلى طبيعتها".

ورغم أن هذه الفكرة قد تبدو غير لائقة، لأنه لا أحد يتمنى حدوث وباء ولا أحد يسعد بحصيلة أعداد الموتى اليومية، ولا بالركود الاقتصادي الذي سيترتب على ذلك، إلا أن الدعوة "للبقاء في المنزل" لها في بعض الأحيان نتائج إيجابية غير متوقعة.

يقول فرانسوا (40 سنة) والد الطفل، وهو عامل مستقل في جنيف، وعاطل حاليا "هذه المرة الأولى التي خصصت فيها وقتا لتحضير عيد ميلاد ابني الذي بلغ ثلاث سنوات صباح اليوم. كنت أفكر دائما في العمل ولا أرضى بأن أفوت أي تعاقد، ولكن منذ بداية الحجر الصحي، تم إلغاء جميع الأمور التي كان من المفترض أن أشارك فيها".

ويتابع "بدأت أفعل الأشياء التي طالما حلمت بها. أدركت أخيرا العبء النفسي الذي تتحمله زوجتي التي تهتم بالأطفال أكثر مني، وأشعر بفرح كبير في قضاء الوقت معهم. اختفت التوترات بيننا. ولم أشعر بمثل هذه الحرية لمدة عشرين عاما".

‪(غيتي)‬ في بعض المنازل أصبح العمل عن بعد يساعد بإعادة ترتيب الأولويات 
‪(غيتي)‬ في بعض المنازل أصبح العمل عن بعد يساعد بإعادة ترتيب الأولويات 

عودة للعائلة
وتقول أستاذة الديموغرافيا وعلم الاجتماع السويسرية لورا برناردي إن التغيير -مثل أي أزمة- يوفر مجموعة من الفرص، وخاصة "فيما يتعلق بتنظيم الأسرة، حيث تعمل العديد من النساء، ويتابعن رعاية الأطفال وإدارة الأسرة بوتيرة مرهقة، وبالتالي يمكن إعادة تقسيم المهام بفضل هذا الحجر لأن الآباء الذين يعملون في الغالب خارج المنزل عادوا فجأة".

وفي بعض المنازل، أصبح العمل عن بعد يساعد بإعادة ترتيب الأولويات، حيث أصبح ديفيد (38 سنة)، وهو مستشار مستقل وأب لتوأم، يجد الوقت للعب مع طفليه وتعليمهما، بدل الساعة الصباحية وهو مستعجل والمسائية وهو متعب، كما يقول.

ولكنه يقول "أعمل بشكل أفضل وأكثر من المعتاد بعد أن تم تركيب مكتب حديث بغرفتي هو الأول بالنسبة لي، أتعلم استخدام أدوات رقمية جديدة، وكأنني أعمل بدوام الثلاثين ساعة الذي أحلم به".

خيارات 
ويقول داريو سبيني، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة لوزان، إن هذه الوضعية ستسلط حتما الضوء على خيارات حياتنا، خاصة في مجتمع يميل إلى تقدير العمل الشاق ويجد نفسه في نوع من التقاعد الجماعي الإلزامي.

هذا الظرف إيما (37 سنة) عزباء تعمل بالاتصالات عن بعد، من المكان الذي تعيش فيه بمفردها، تشعر بمدى "الإرهاق الاجتماعي" حيث تقول "الأمر بسيط، أشعر بتحسن كبير الآن لدرجة أنني أشعر بالقلق حقيقة من نهاية الحجر" خوفا من العودة لحياتها المليئة "بالعمل والاحتفالات مع الأصدقاء والمسرحيات والأفلام".

‪الحجر الصحي جعل البعض يرى أن هناك حاجة إلى تغييرات جذرية‬ (غيتي)
‪الحجر الصحي جعل البعض يرى أن هناك حاجة إلى تغييرات جذرية‬ (غيتي)

حاجة للتغيير
وتضيف إيما "أنا أحب أصدقائي وزملائي، لكنني أدرك الآن أنني سعيدة ومرتاحة في المنزل. ومن المفارقات أنني لا أشعر بالوحدة على الإطلاق، وأحاول ألا أفكر فيما سيأتي".

نمط الحياة الذي فرضه الحجر الصحي جعل البعض يرى أن هناك حاجة لتغييرات جذرية، حيث تقول إيما "لقد أدركت بالفعل أهمية الهدوء والتأني، لكن هذه التجربة تجعلني أدرك حقيقة أنه على المدى المتوسط ​​سأضطر لإعادة النظر في اختيارات حياتي".

هل نعيش حياة نريدها؟
وتتساءل الكاتبة عن تأثير تجربة الحجر الصحي، وهل يخشى كثير من المحجورين أن تكون مثل تأثير "شهر العسل" الذي يدفعنا إلى النظر برومانسية إلى ما حولنا قبل أن يقوض هذا الشعور بدء ترتيبات العودة للحياة الطبيعية؟

وترى عالمة النفس أن "ما يجعل هذه الفترة ثمينة وقابلة للإدارة أننا ما زلنا نعلم أن لها بداية ونهاية، وستتم إعادة تشغيل الجهاز الروتيني في غضون بضعة أشهر، إلا أن هذا الاختبار يوفر لنا فرصة حقيقية، وهي أن نواجه السؤال "هل نعيش حقا الحياة التي نريدها؟".

المصدر : الصحافة السويسرية