قبل أن ينهاروا.. مبادرة لدعم الصحة النفسية للأطباء في مواجهة كورونا

طبيب منهك
الأطباء وأطقم التمريض يواجهون في جميع أنحاء العالم حربا غير عادلة بإمكانات ضعيفة (الجزيرة)

شيماء عبد الله

لم يعد الأمر وجاهة اجتماعية، واختفى لقب "دكتور" من ألسنة العامة كدليل على التفوق والذكاء، وصار الأمر أشبه بالجندي على جبهة القتال، لا يهمه إن صفق له الجميع، ففي النهاية يواجه الموت وحده، ويقف منفردا في انتظار كلمة النهاية لمعركة مع المرض، ينجو فيها بنفسه وبغريق يحاول إنقاذه أو يسقط أمام هزائم متوالية من فيروس خفي لا يرحم.

يواجه الأطباء وأطقم التمريض بجميع أنحاء العالم -وفي حالة لم يشهدوها من قبل- حربا غير عادلة بإمكانات ضعيفة، والحقيقة المؤكدة أن عليهم البقاء لأيام ممتدة في المستشفيات مع مرضى يصارعون الوباء، إلى جانب خوف من العودة للأهل والأبناء خشية العدوى، وشعور بالإحباط في مواجهة عدو، يقف العالم كله في مواجهته دون جدوى، ويبقى الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، دون مقدرة على التخلي عن الواجب.

مواجهة المجهول
في المستشفى الحكومي المصري، يقضي الطبيب إسلام الديب، اختصاصي مكافحة العدوى، أيامه في مواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، صار الأمر أكبر من قدرته على التحمل، وأشد قساوة مما كان يتخيل، لا مجال للالتفات لشيء سوى للمرضى، وبيانات وزارة الصحة حول أعداد المصابين بالفيروس.

لم ينشغل الطبيب الشاب بنفسه، بقدر خوفه من العودة إلى المنزل أو مقابلة الأصدقاء، حتى صار الموت قريبا من كل شيء حوله.

يقول الديب للجزيرة نت، إنه منذ قرابة الشهر وهو لم يفكر في أي شيء سوى المرض "لم أعد أستطيع التعامل مع أحد من خارج الدائرة الطبية، معظم أحاديثنا حول الحالات، وما نشاهده بأعيننا وما نقرؤه في البيانات الرسمية، أنسى كل شيء، إلا التعقيم قبل مغادرة المستشفى للعودة إلى المنزل".

حالة الاهتمام التي أولتها معظم الدول للأطباء، من التصفيق من الشرفات، وتحية رجال الجيش والشرطة، والمنح المالية المستحقة، فضلا عن توقف البث التلفزيوني لمدة 45 ثانية، وإضاءة المزارات السياحية المهمة باسم الجيش الأبيض، كلها أشياء لم تؤتِ ثمارها المرجوة على الحالة النفسية المنهكة للأطباء، فأغلب من يقضون لياليهم داخل المستشفيات، لا يهمهم ماذا يحدث خارجها، من حوادث انتحار خشية العدوى، وانهيارات نفسية، وشعور مفرط بالذنب والتقصير، واستشراف للنهاية المتوقعة.

سؤال تناساه الجميع، إلى متى سيبقى الجيش الأبيض مرابطا، وإلى متى يتحمل أفراده الأطباء كل هذه الضغوط النفسية والعصبية، وكيف يستطيعون بثبات مواجهة المجهول؟

الإجابة لا يعرفها "أ.ح"، الطبيب الذي تجاوز الخامسة والثلاثين، وكان مقبلا على الارتباط في ربيع 2020، لكنه فوجئ بأن كل خُطَطه انهارت، فالطبيب الذي اختار تخصصه منذ سنوات كمختص في الأمراض الصدرية، لم يكن يعرف أن العالم سيقف أمامه في انتظار إيجاد حل لحماية الملايين، دون أن يخبرهم أن العلاج ما زال في علم الغيب.

‪مبادرة
‪مبادرة "من حقك تتعب" لدعم الصحة النفسية للأطباء في معركة كورونا‬ (رويترز)

بات "أ.ح" يخشى الحديث للإعلام، فهو لا يريد مزيدا من المصائب تحل به، فجميع النشرات التي تأتيهم للمستشفيات، تؤكد ضرورة الصمت وعدم التعامل مع الإعلام.

يقول الطبيب الشاب للجزيرة نت، "أصبحت لا أعرف ماذا تعني نفسيتنا، رغم كل محاولات التشجيع والتصفيق والتعامل الجيد من الدولة لنا الآن، واعتراف الجميع بأهمية وجودنا كأطباء، وأن العالم به أناس آخرون لهم أهمية لا تقل عن رجال الجيش والشرطة، فإننا لا نشعر بهذا داخل المستشفى، ونحن نطلب وجبة ساخنة من أحد المطاعم فيرفضوا تقديم الخدمة في المستشفى، أو حتى على بابها، أو حينما تطلب خدمة التاكسي فيعتذر السائق خشية التقاط العدوى".

يعيش الطبيب الشاب حالة تسمى في الطب النفسي "اضطراب القلق"، وبات عليه أن يواجه تفاصيل تلك الحالة يوميا، مع زملائه من أطباء المستشفى وممرضيها.

نحن معك
نخبة من الأطباء النفسيين، دشنوا مبادرة "وقت القلق إحنا معاك"، حاولت تقديم الدعم للمتضررين من القلق الناجم عن الخوف من كورونا، وعلى رأسهم الأطباء وأطقم التمريض.

"من حقك تتعب"، كانت تلك هي النصيحة الأولى التي يقدمها فريق مبادرة "إحنا معاك" لأطباء الخطوط الأولى في مواجهة كورونا، لأن الخوف من إظهار التعب، هو بمثابة مشاعر ضاغطة يجب مواجهتها والتعامل معها، إذ وجهت المبادرة رسائل تطمين ومؤازرة للأطباء بأن "الإرهاق والانهيار أحيانا لن ينقصا من قيمة الدور البطولي الذي تقوم به الكوادر الطبية".

‪نصائح للأطباء: عبرْ قلقك ومخاوفك وشارك قصتك مع محيطك‬ (غيتي)
‪نصائح للأطباء: عبرْ قلقك ومخاوفك وشارك قصتك مع محيطك‬ (غيتي)

دليل الحماية
شارك الطبيب النفسي الدكتور أحمد أبو الوفا، في إعداد دليل استرشادي للحماية النفسية لجنود الجيش الأبيض، فيقول للجزيرة نت، إن الدليل يقدم خطوات أولية، ستليها حملة موجهة لحماية الأطباء نفسيا، في ظل الضغوط التي يواجهونها يوميا في الآونة الأخيرة:

1- تذكر احتياجاتك الأساسية

الطعام، وشرب المياه، والنوم لساعات كافية، 6 ساعات على الأقل، هي أشياء يجب المحافظة عليها تحت أي ضغط.

2- التدخين والكافيين

قد يصعب الإقلاع عن التدخين والشاي والقهوة في تلك المرحلة، ولكن الإفراط سيضعف قدرة الجسم على التعامل مع الضغوط، وسيزيد من عصبيتك مع الوقت.

3- اقتنص وقتا للراحة

ربما يكون صعبا أن تأخذ استراحة، لكنه من الضروري أن تبذل طاقتك لفعل ذلك، ولو بأبسط الأشياء، كالاستماع للموسيقى والمشي الخفيف أو مشاهدة فيديو مضحك.

4- تحدث مع زملائك

عبر عن خوفك وقلقك، وتواصل واسمع وشارك قصتك مع محيطك.

5- قدّرْ نفسك

تكلم عما تواجهه من مشكلات مع مشرفك، وركز على نقاط القوة ولا تتجاهل نقاط الضعف.

6- الخطأ وارد

اعترف بمسؤوليتك عن الخطأ إن وقع، ولكن لا تكن جلادا لنفسك، وتابع المعلومات الجديدة والمفيدة لعملك، خلال الأزمة الحالية.

7- تجاهل مواقع التواصل

لا تتعرض كثيرا لمواقع التواصل، واستخدمها بحكمة.  

8- تواصل مع أهلك وأصدقائك

كما أنت قلق عليهم، هم أيضا قلقون عليك، فتبادل الود إمدادٌ لطاقتك التي نحتاجها لاستكمال المسير. 

9- احترم التنوع

لا تقلل من معاناة أحد من زملائك، فلكل منكم طريقته في التعامل مع الضغوط.

10- راقب انفعالاتك

إذا شعرت بتغيرات حادة في انفعالاتك، فاطلب مساعدة المختصين النفسيين.

المصدر : الجزيرة