"أصابع الضوء".. قصة تهريب تمر الجزائر إلى أميركا أثناء الحرب العالمية الثانية

تعج صحراء الجزائر بالنخيل
صحراء الجزائر تعج بالملايين من أشجار النخيل (الجزيرة)

فاطمة حمدي-الجزائر

يقول البعض "ليس كل ما يلمع ذهبا"، فقد يكون اللامع تمرا جزائريا من نوع "دقلة نور"، بلونها الذهبي وملمسها الطري، بكثافة معتبرة وقوام إسفنجي وشكلها الطولي الذي يجعلها فريدة، إلى جانب منظرها الشفاف أين تظهر النواة وبعض العسل الذي أصبحت عليه حبة التمر تحت شمس صحراء الجزائر.

قصة التهريب
على اختلاف أنواع التمور في العالم وعدد أصنافها، تحوز الجزائر واحدة من أرقى ما تجود به النّخيل عالميا.. قصة التمر الذي هرّبت فسائل نخيله إلى الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية من قبل مهاجرين أميركيين وقعوا في غرام "دقلة نور"، حسب المتداول.

وقد ارتبط إنتاج "دقلة نور" في الجزائر بمدينة بسكرة (430 كلم جنوب العاصمة)، هذه المدينة التي سمّيت على اسمها واحات في أميركا بصحراء "إنديو" (INDIO)، عرفانا بمصدر تمورها ذات الجودة العالية.

‪أسعار التمور الجزائرية تختلف بحسب جودتها‬ (الجزيرة)
‪أسعار التمور الجزائرية تختلف بحسب جودتها‬ (الجزيرة)

دقلة نور والجزائر وطولقة في أميركا
كما سمي شارع آخر في هذه الواحة الأميركية باسم "دقلة نور" وآخر باسم "الجزائر" وآخر باسم "طولقة"، وهي المنطقة التي تعج بالواحات في بسكرة، فباتت كاليفورنيا واحدة من المناطق الأكثر إنتاجا للتمر ذي الأصول الجزائرية المسمى "دقلة نور".

يعتبر الجزائريون تمور بلادهم أحد مكوّنات الهوية، لتفرّدها بميزات تجعل منها علامة مسجلة، فقد أنجبت بطن الصحراء عشرات الأنواع من التمور، أبرزها "دقلة نور" التي لم تنافس الجزائر إلا نفسها في إنتاجها.

و"دقلة نور" تحديدا لها قصة مع التاريخ والجغرافيا، حيث تعتبر من أجود أنواع التمور عالميا، وكان إنتاجها في السابق حكرا على الجزائر، إلى أن تم تهريب فسائلها إلى كل من تونس وأميركا، ليدخل البلدان في منافسة مع الأرض الأصل في الإنتاجية.

‪
‪"دقلة نور" أحد أجود التمور عالميا‬ (الجزيرة)

مطالب الحماية
يطالب رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين الحاج الطاهر بولنوار بحماية "دقلة نور" من المهرّبين، ويقول في حديثه للجزيرة نت إن "بعض المتعاملين يهربون التمور إلى الشقيقة تونس، ويعاد تخزينها وتسويقها على أنها تونسية، وهذا الأمر معروف ويحزّ في أنفسنا جميعا".

ويضيف "أصبحت تونس تنافس البلد الأصل لدقلة نور وبتمور جزائرية"، رغم أن الجزائر تحتل المرتبة الأولى في التصدير عالميا وتتراوح بين الثالثة والرابعة في الإنتاج، إلى جانب عدد النخيل البالغ 20 مليون نخلة.

وتوقع بولنوار أن يزيد الإنتاج خلال العام 2020 عن مليون طن، والمداخيل المتوقعة من تصديرها تتراوح ما بين 60 و70 مليون دولار.

وتهتم دول الاتحاد الأوروبي "بدقلة نور" الجزائرية حسب رئيس جمعية التمور خالد لعجال الذي أكد أنها تحرص على إرسال وفود سنويا لأخذ كميات وقت الجني، في حين يحصل بمقابلها منتجي التمور على دورات تدريبية في مجال التغليف والتعليب.

‪سكان صحراء الجزائر يقدسون واحاتهم الغنية بأشجار النخيل‬ (الجزيرة)
‪سكان صحراء الجزائر يقدسون واحاتهم الغنية بأشجار النخيل‬ (الجزيرة)

غزارة الإنتاج
ويؤكّد خالد لعجال في حديثه للجزيرة نت أن بلاده تحرص على المحافظة على التمر الطبيعي دون أي إضافات كيميائية، الأمر الذي يجعل من "دقلة نور" أكثر تفرّدا في الجزائر، نافيا أن تستطيع أي دولة على منافسة بلاده فيما يتعلّق بهذه النوعية من التمر.

ويشير إلى أن "عدد نخيل دقلة نور في ولاية غرداية لوحدها يزيد عن 15 ألف نخلة، وهو ما يغطي عدد النخيل المنتجة لدقلة نور الموجودة في العالم". كما لا يخيف لعجال نقل فسائل النخلة الجزائرية وزراعتها في مكان آخر، على اعتبار أن "الجودة لن تكون نفسها مهما تمت العناية بها".

‪
‪"أصابع الضوء" أو "دقلة نور" أهم هدية يحملها أي سائح في الجزائر‬ (الجزيرة)

"أصابع الضوء" أهم هدية جزائرية
تعتبر "دقلة نور" -أو "أصابع الضوء" كما يحب أن يسمّيها أهلها- أهم هدية يحملها أي سائح في الجزائر أو جزائري سيزور شخصا من بلد آخر. يقول خالد شنّة مالك إحدى الواحات بمدينة بسكرة ومنطقة طولقة تحديدا المعروفة بإنتاج أجود أنواع التمور، إن "التمر هو الذهب الحقيقي الذي تزخر به الجزائر".

ويتمسّك خالد -وهو مخرج أفلام وثائقية- بالبقاء في الواحة وخدمة النخيل رغم انشغاله بإنتاجات السمعي البصري، ويشير في حديثه للجزيرة نت أن "المؤمن مثل النخلة، ما أخذت منها من شيء إلا نفعك.. ومهما أبعدتنا مشاق العمل، نعود مجددا إليها لشحن أنفسنا".

يحرص المخرج الشاب على ممارسة تسلق النخيل وخدمتها ورعايتها، ويقول "حين قررتُ قبل سنوات التركيز على الإخراج، بقي شطر من فؤادي عالقا هناك، لذلك اجتهدت من مبدأ الوفاء للتمر الجزائري، فما خلَتْ أفلامي الوثائقية من توظيف مدلولها سينمائيا ورمزيتها في الولادة والعطاء والثبات، عرفانا لها واحتفاء بها".

المصدر : الجزيرة