متحف الكاريكاتير.. كتاب تاريخ مفتوح لحقب مصر المختلفة

"شكله ممعهوش (ليس معه) ولا مليم .. تعال نسرق كليته" هكذا يبدو كاريكاتير وسط مئات الرسوم الأخرى لشخصين "من تجار الأعضاء البشرية" يقبلان على سرقة كلية مواطن فقير في إشارة لسرقة الأعضاء التي انتشرت على حساب الفقراء في مصر بإحدى الفترات المعاصرة التي عانت البلاد فيها من الاتجاه للاتجار غير المشروع في الأعضاء البشرية.

وها هو "المصري أفندي" في مجلة "آخر ساعة" يرتدي طربوشه جالسا على طاولة كبيرة أمام المبعوث الإنجليزي والإيطالي اللذين قاما بعمل اتفاقية ما، ليصرخ المصري "يا جماعة سمعوني انتوا بتقولوا ايه مش عاوزيني اشارك معاكم؟ ليقولا له "طبعا عند الإمضاء"  في إشارة لقمع للتدخل الأجنبي بمصر خلال العشرينيات.

وتبدو رسمة أخرى في ركن الصحف القديمة لرجل يرتدي طربوشا مصريا ومعه مسبحة أسفل مدفع دبابة على فوهة مدفعها كلمتا اتفاقية الجلاء، وأسفل الدبابة قذائف مكتوب على أحدها الرخاء، في إشارة لانتظار انطلاق رصاصة الرخاء بعد جلاء الاحتلال عن البلاد عام 1954.

كل هذا وأكثر تجده في متحف الكاريكاتير الذي يقع علي ساحل بحيرة قارون بقرية تونس بمركز يوسف الصديق التابع لمحافظة الفيوم، وعلى بعد نحو 132 كيلومترا من القاهرة يقع أكبر متحف للكاريكاتير بالشرق الأوسط والذي وضع حجر أساسه التشكيلي المصري محمد عبلة بداية عام 2009 بمبادرة فردية منه، حيث قرر أن يحول المنطقة إلى متحف مفتوح يحوي أبرز الرسوم الكاريكاتيرية التي تعبر عن التاريخ المصري منذ القرن العشرين.

حينما تصل للمتحف تلفت ناظريك العمارة التي صمم عليها المتحف القائم حيث جرى تشكيل المباني على صورة قباب أسطوانية الشكل مصنوعة من الطوب اللبن بصورة تشبه العمارة الإسلامية القديمة، لتضفي على المكان لمسة فنية مضافة لما يحويه من لوحات لفناني الكاريكاتير المعروفين إبان القرن الماضي على غرار سانتيس، طوغان، رخا، علي رضا، صاروخان، ومرورًا بـ زهدي، أحمد حجازي، صلاح جاهين، جورج البهجوري، بجانب وجود لوحات لفناني كاريكاتير معاصرين أيضًا على غرار محمد عز العرب، وتاج، سمير عبد الغني وغيرهما.

يبدأ العرض داخل المتحف بعدد غير محدود من الصحف والمجلات المصرية القديمة منذ فترة العشرينيات من القرن الماضي، والتي بالنظر إلى الفترة الحالية نجد أن معظمها انقرض على غرار صحيفة الأيام، المطرقة، الكشكول، بجانب عدد محدود من الصحف الموجودة حاليًا أبرزها روز اليوسف.

ولعل أبرز ما يميز المتحف تركيز لوحات الكاريكاتير على الأوضاع الاجتماعية والتاريخية المصرية القديمة والمعاصرة على مر التاريخ، ولعل هذا ما يطرح تساؤلات حول كيفية تشييده والفكرة وراء تنفيذه.

"جاءت فكرة المتحف كحلم لوالدي قرر تحقيقه مع فنان الكاريكاتير الفلسطيني زهدي العدوي" يقول إبراهيم عبلة (رئيس مجلس إدارة المتحف) مشيرا إلى أن والده بدأ رحلة بحث صعبة لتجميع الصحف والمجلات التي تتضمن الرسومات الكاريكاتيرية، بشراء الصحف والمجلات القديمة، ومحاولة التواصل مع أهالي وأصحاب اللوحات الكاريكاتيرية، ليجد الترحيب من قبل الجميع مما جعل عدد الأعمال المعروضة يرتفع لتصل أكثر من 500 عمل قديم بجانب المعارض الأخرى المعاصرة والتي تقام داخل المتحف بصورة دورية.

وأوضح عبلة الابن أن ما يميز تاريخ الكاريكاتير في مصر منذ القرن الماضي هو الحرص على وجود الكثير من الصحف التي تصور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، ووجود صحف مخصصة لعرض تلك اللوحات التي تعكس رؤية رجل الشارع، حيث كانت بمثابة وسيلة الترفيه التي ينتظرها أبناء تلك الأجيال حيث لم يكن هناك تلفزيون أو إنترنت، فكانت تلك الرسوم بمثابة فكرة منتج ثقافي به صور ونكت ورسومات تعد مصدرا وحيدا للترفيه ووسيلة للمرح في مواجهة ما يعانيه المواطن المصري.

ولفت إلى وجود شخصية كاريكاتيرية اشتهرت منذ أواخر عشرينيات القرن الماضي "المصري أفندي" فرسمها الكثير من الفنانين لتعبر عن الحالة المصرية خلال تلك الحقب القديمة، ووسيلة لانتقاد المستعمر البريطاني والسخرية منه.

وأوضح عبلة أن الكاريكاتير فن مصري أصيل ومستقل بذاته، وهو كتاب تاريخ مفتوح. فحينما تنظر إلى الرسومات يتضح أسلوب حياة المصريين والعبارات المستخدمة والفكر السياسي والظروف الاجتماعية والتاريخية، ومشاكلهم التي يعانون منها، مؤكدا أن الكاريكاتير بدأ منذ عصر المصريين القدماء الذين اعتادوا تدوين ذكرياتهم على جدران المعابد والمقابر الخاصة بهم.

المصدر : الجزيرة