الغالبية يصدقون.. من يكذب أكثر الرجال أم النساء؟

طبيب نفساني: "معظم أكاذيبناتعمل على حماية الآخر"
بحسب دراسة أجريت في بريطانيا 90% من الناس يتحدثون بصدق (غيتي)

تظهر الدراسات أن أغلب الناس لا يكذبون، لذلك يميلون لتصديق الآخرين وافتراض أنهم يقولون الحقيقة. وهذه الظاهرة وراء انتشار الأخبار الزائفة. فمن يكذب أكثر الرجال أم النساء؟ وهل تختلف أكاذيبهم؟

لا تتجاوز نسبة الأشخاص الذين يمكن اعتبارهم كاذبين محترفين 10%، بحسب دراسة أجريت في بريطانيا. لذلك يمكن اعتبار أن 90% من الناس يتحدثون بصدق، بحسب أخصائي علم النفس والأعصاب الفرنسي إكزافيه سيرون. 

وهذا الفرق الشاسع بين نسبة من يكذبون ومن يقولون الحقيقة، استفاد منه النوع الأول، باعتبار أن الناس في أغلبهم يقولون الحقيقة ويفترضون أن الآخرين يقولون الحقيقة أيضا، وبالتالي يصدقون كل ما يقال لهم، ويقعون فريسة سهلة للمغالطات، أو ظاهرة الأخبار الزائفة المنتشرة في وسائل الإعلام وشبكات التواصل.

هل هو أنانية؟
ويؤكد إكزافيه -في حوار أجرته معه مجلة "فام أكتييال" الفرنسية- أن هناك نوعين من الكذب يمكن التمييز بينهما بحسب الشخص المستفيد، فهناك كذب موجه للآخر من أجل مساعدته، وهنالك الكذب الأناني الموجه لمساعدة النفس.

وأجرى أخصائي علم النفس والأعصاب عديد الأبحاث واطلع على آخر الدراسات في هذا المجال، وقام بتحليل النتائج لتصنيف الكذب بحسب أشكاله وسياقاته وأهدافه، ومختلف التقنيات التي تمكن من كشفه.

هناك كذب موجه للآخر لمساعدته وكذب أناني للمساعدة الذاتية (غيتي)
هناك كذب موجه للآخر لمساعدته وكذب أناني للمساعدة الذاتية (غيتي)

كذب وكذب
ويؤكد إكزافيه أن الرجال والنساء يكذبون بنفس القدر، ولكن الدراسات أثبتت أن الرجال يمارسون أكثر الكذب الأناني، أما المرأة فتكذب عادة لحماية نفسها أو الآخرين. وهناك نوع من الكذب الذي يكون هدفه اجتماعيا، ونقوم به بشكل لا شعوري، والهدف منه حسن التعامل مع الآخرين في المواقف المحرجة. هذا النوع يندرج ضمن قواعد التأقلم والتعايش، وهو مفيد للآخرين الذين يتلقونه، وليس له تأثير على الشخص الكاذب.

لكن هذا النوع من الكذب يمكن أن يكون أنانيا إذا كان الشخص الكاذب يقوم بهذه المجاملات نحو الآخر بهدف التقرب منه لتحقيق منفعة شخصية.

أما الكذب من أجل مصلحة الطرف الآخر فيختلف قليلا، فهو يهدف لحماية الآخر، ولكن على حساب الشخص الكاذب، مثل ترك مكانك في الحافلة والقطار لشخص آخر، والادعاء بأنك لست مرهقا أو أنك تكره الجلوس، رغم أنك في الواقع تحتاج للراحة.

المرضي أو القهري
ويبين إكزافيه أن هناك أشخاصا تسوء حالتهم كثيرا، فيصابون بمشكلة الكذب المرضي أو القهري، وهي حالة من الإدمان تدفعهم إلى قول أشياء غير حقيقية، ولا يمكنهم العيش إلا بهذه الطريقة. أما الكذابون الأذكياء فإنهم على العكس من ذلك أكثر دهاء، حيث يبدون متوازنين وصادقين، ولا يستعملون الكذب إلا في حالات معينة عندما يكون ذلك ممكنا ومفيدا لهم.

بأي عمر يبدأ الإنسان الكذب؟
وحول السن التي يبدأ فيها الإنسان تعلم الكذب، يقول إكزافيه إن التجارب أظهرت أن هذه الممارسة تظهر لدى الأطفال منذ العام الثالث، ويكون هدفها في أغلب الحالات تجنب التعرض للعقوبة. ثم في مراحل عمرية أخرى يصبح الطفل قادرا على ممارسة الكذب بشكل دقيق، وحبك الكذبة بشكل لا يجعله يقع في المتاعب لاحقا.

ويشير ظهور سلوك الكذب لدى الأطفال إلى أنهم فهموا أن قول أشياء غير صحيحة حل يمكن أن يغير اعتقادات الأشخاص الموجودين أمامهم. وبهذا الشكل، فإن الكذب مؤشر على تطور عقل الطفل، وقدرته على تخيل أشياء غير صحيحة.

‪تفاقم ظاهرة الكذب على الشبكة العنكبوتية بسبب غياب الوازع الذاتي والرقابي‬ (غيتي)
‪تفاقم ظاهرة الكذب على الشبكة العنكبوتية بسبب غياب الوازع الذاتي والرقابي‬ (غيتي)

المجاملة
وفي حالة كذب المجاملة، فإن الدراسات أظهرت أنه في حالة الحصول هدية مخيبة للآمال، فإن الأولاد يواجهون صعوبة في التصنع والتظاهر بالفرح، أما الفتيات فلديهن قدرة أكبر على تصنع المشاعر الإيجابية، أو الكذب الاجتماعي.

على شبكة الإنترنت
وتناول إكزافيه ظاهرة الكذب على شبكة الإنترنت، حيث إن الأبحاث الجادة بهذا المجال توصلت إلى أن سبب تفاقم هذه الظاهرة هو غياب الوازع الذاتي والرقابة، مقارنة بالعلاقات الحقيقية في أرض الواقع. فإخفاء الهوية الحقيقية يفتح مجالا شاسعا للكذب والمغالطة، وهو ما يستفيد منه المتطرفون ومجموعات الجريمة المنظمة ومن يبثون الدعايات الشعبوية، وهكذا فإن الأخبار المزيفة تنشر الشك والاضطراب بين الناس.

ويضيف أن الحقيقة لم تعد هي الأولوية في شبكة الإنترنت، حيث إن المشاعر والاندفاع العاطفي غالب على تفكير ومواقف الجماهير الذين يميلون لتصديق أي أمر يعزز معتقداتهم وآرائهم.

تطوير أساليب الكشف
وفي هذا السياق يحذر الخبراء من أن الأساليب المستخدمة لكشف الكذب في وضعيات الوجه لوجه، ليست مفيدة لكشف الكذب على شبكة الإنترنت، وبات من الضروري جدا تطوير تقنيات وبرامج جديدة لتعليم الناس كيفية التحليل النقدي، وممارسة الشك في مدى صدقية أو منطقية المعلومات المنتشرة، وذلك من خلال تحليلها والبحث عن مصادرها الأصلية.

المصدر : الصحافة الفرنسية