في ظل انتشار تطبيقات الأكل.. هل يقبل الجزائري بطعام لا تعده والدته أو زوجته؟

السفنج الجزائري (الجزيرة نت)
"السفنج" من أشهر المعجنات التقليدية الجزائرية التي كان يفضل صنعها منزليا (الجزيرة)

ليلى منغور-الجزائر

إذا كان الرجل الجزائري لا يرضى عموما إلا بالطعام الذي تعده زوجته أو أمه أو أخته، فإنه قد يضطر للتخلي عن هذه العادة، لأن ظروف الحياة تغيرت و"طباخة البيت" كثرت انشغالاتها وزادت الأعباء عليها.

ولم تعد المرأة تقضي معظم وقتها بين أركان المطبخ بعدما وجدت أنه بإمكانها ملء معدة زوجها وأفراد أسرتها بأطباق توفرها صفحات وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام، تعدّها نساء ورجال أدركوا أهمية أكل المنازل في ظل ازدياد الوعي بمخاطر المأكولات السريعة المنتشرة بكثرة في مدن الجزائر.

ازدهار تجارة الطبخ
في السنوات الأخيرة ازدهرت بالجزائر ما يمكن أن نطلق عليها تجارة الطبخ، وظهرت قنوات تلفزيونية وأخرى على موقع يوتيوب، يتنافس فيها الطباخون والطباخات من أجل جذب المستهلكين إلى أطباق من الوجبات والمأكولات المنوعة.

وفي ظل هذا التنافس، توجهت فئة من المهتمين بالطبخ في الجزائر العاصمة نحو المأكولات المنزلية الصنع أو المجهزة في البيوت بحجة جودتها وتوفرها على الشروط الصحية، حيث فتحت بعض البيوت والمحلات لبيع هذا النوع من الأكل.

وخصصت صفحات ومنصات على شبكة الإنترنت يتابعها العديد من المواطنين، تروّج وتسوق أصنافا منوعة من الأكلات ومن موروثات المائدة الجزائرية عموما، وذلك باستخدام صور وفيديوهات لأطباق تسيل لعاب عشاق الأكل.

‪طلبات الزبائن لا تنتهي على المعجنات الجزائرية التقليدية‬ (الجزيرة)
‪طلبات الزبائن لا تنتهي على المعجنات الجزائرية التقليدية‬ (الجزيرة)

مصنوع في البيت
وانتشرت العديد من التطبيقات الخاصة بالأكل في الجزائر مثل "جوميا فوود" و"ياسر فوود" و"فوود بيبر"، وهي التطبيقات التي جعلت المستهلك يطلب عبر هاتفه الذكي أي وجبة يريدها وهو داخل بيته أو عمله لتصله في بضع دقائق أو ساعات، وذلك بفضل خدمة التوصيل للزبائن.

"ماي ماكلة" تطبيق أطلق حديثا، له صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعرّف نفسه بأنه موقع لبيع الأكل المجهّز في البيوت ويصف مأكولاته بأنها طازجة ومنوعة وصحية.

ويوفر التطبيق يوميا لمستخدميه في جميع مناطق الجزائر العاصمة قائمة بوجبات الغذاء والعشاء، تشمل مأكولات عصرية وتقليدية مطلوبة لدى الجزائريين مثل "الرشتة" و"الشخشوخة"، ويتولى القائمون عليه عملية توصيل الطلبات.

‪وجبات صحية يبيعها خالد دودو مطهية على البخار‬ (الجزيرة)
‪وجبات صحية يبيعها خالد دودو مطهية على البخار‬ (الجزيرة)

من الرياضة إلى المأكولات
يعتمد خالد دودو (40 عاما) بشكل كبير على موقعي فيسبوك وإنستغرام في بيع أصناف الوجبات التقليدية والعصرية التي يعدها رفقة فريق من الطباخين والطباخات، ويقول إن التكنولوجيا ساعدته كثيرا في مجال عمله.

أطلق خالد القاطن بمنطقة الرغاية شرقي العاصمة الجزائرية مشروعه عام 2017 رفقة زوجته التي اضطرت لترك وظيفتها في شركة فرنسية بهدف دعمه. وكان دافعه -حسب تصريحه للجزيرة نت- هو مساعدة المستهلكين في الحفاظ على صحتهم، لكونه يعاني مرض السكري.

بدأ الشاب -وهو رياضي سابق وحامل لشهادة في الإدارة والتسويق- بتوفير الوجبات اليومية للشركات الوطنية المتعاقدة معه، ثم وسع نشاطه ليشمل العائلات والأفراد، حيث تتم الطلبات عبر الهاتف النقال أو البريد الإلكتروني بعد أن ينشر قائمة يومية من الوجبات على موقعي إنستغرام وفيسبوك.

وتشمل الوجبات التي يبيعها خالد عبر وسائل التواصل مأكولات عصرية على غرار المقبلات والسلطات والأطباق الرئيسية، وما هو تقليدي مثل الشخشوخة والرشتة والكسكسي، ويقول إن طلبيات الأكل التقليدي تكثر في المواسم والمناسبات.

ويشدد على أن الوجبات التي يقدمها للمستهلك تحمل مواصفات أكل البيوت، فهو يعتمد المأكولات المطهية على البخار ويتجنب الأطباق المقلية في الزيت.

‪مخبوزات جزائرية تقليدية تعدها
‪مخبوزات جزائرية تقليدية تعدها "جميلة" بطريقة صحية‬ (الجزيرة)

لا بديل للأكلات التقليدية
جميلة (51 عاما) تدير هي وزوجها محلا صغيرا باسم "حرائر الهضاب" في منطقة تقصراين التابعة لحي بئر مراد رايس في العاصمة الجزائرية، مخصصا لبيع الأكل المنزلي التقليدي وخاصة المعجنات مثل خبز المطلوع والمحاجب والسفنج والكسرة.

وتقول جميلة إن مأكولاتها معدة بمواصفات صحية، فهي لا تستخدم مادة الفرينة (السميد الخشن) في إعداد المعجنات، وتكتفي بمادتي السميد الناعم والقمح.

ورغم صغر مساحة محلها، تستقبل جميلة العديد من الزبائن الذين افتقدوا الأكلات التقليدية في بيوتهم، كما هو حال السيد مراد (45 عاما) الذي يقول إنه حُرم من هذه الأكلات منذ وفاة والدته، لأن زوجته غير مهتمة بالمعجنات وتتذرع بكون هذه الأكلات مضرة بالصحة وتفسد عليها "ريجيمها" الخاص.

مؤيد ومعارض
تختلف آراء الناس في الجزائر العاصمة بشأن طلبات الأكل المنزلي، فالسيدة فازية (50 عاما، وتعمل في المؤسسة الوطنية للسجل التجاري) تؤيد شراء بعض الأطعمة الجاهزة من المطاعم ومحلات الأكل، وهي مواظبة على استخدام تطبيقات الأكل كل أسبوع لتلبية رغبات أطفالها.

لكنها تعارض بشدة طلب الأكلات التقليدية، وتقول للجزيرة نت إنها لا تملك الوقت الكافي لعمل المعجنات مثل المحاجب أو المطلوع أو الرشتة أو الشخشوخة، لكنها تحاول أن تنظم أمورها لتجهزها بنفسها، خاصة في المناسبات الدينية.

ولا تعتقد فازية أن الأطعمة الجاهزة عموما ستقضي على الأكل المعمول بأيادي الأمهات والزوجات، لأن الأسر الجزائرية محافظة جدا على عاداتها وتقاليدها، ومعظمها تعلّم بناتها منذ الصغر أصول الطهي ومتطلبات المطبخ.

ولا يعارض أحمد لاشيب (29 عاما، وموظف بشركة اتصالات الجزائر) أن تجلب زوجته طعامه من محلات الأكل، ويقول للجزيرة نت إن "زوجتي لن تجد أفضل مني في الجزائر".

غير أن هذا الشاب يقر بأن الطعام المجهز بيدي والدته يبقى الأفضل، وأنه لا يتلذذ إلا بالأطباق التقليدية الجزائرية المعدة في البيت.

المصدر : الجزيرة