سوق القورية بكركوك.. إرث حفظ المهن وصمد أمام التقلبات

عماد الشمري-كركوك

ظل سوق القورية في كركوك بالعراق حاملا تراث المدينة وتاريخها، وتجاوز مصاعب وتقلبات حقب زمنية كثيرة، وبقي محافظا على طرازه الذي أنشئ عليه منذ نحو قرن.
 
ويعد السوق أحد أقدم الأسواق العراقية التاريخية الفريدة إلى جانب أسواق الصفافير والسراي والشورجة ببغداد، والأقدم على الإطلاق بكركوك، حسب ما قاله أستاذ التاريخ في جامعة كركوك الدكتور صلاح العريبي.

حرف متوارثة
يقول صاحب معمل نجارة في سوق القورية محمود نزال للجزيرة نت "حتى إن اضطررنا لبعض الترميمات اللازمة بسبب قدم البناء سنحاول جاهدين المحافظة على الشكل الذي بنيت به المنازل قديما، ونحن مصرون على عدم تغيير المظهر الخارجي لسوق القورية رغم تطور العمران الحديث".

أحد المعروضات بسوق القورية بكركوك(الجزيرة)
أحد المعروضات بسوق القورية بكركوك(الجزيرة)

واعتبر نزال أن إبقاء السوق على ما أنشئ عليه حفظ التاريخ والتراث اللذين توارثوهما عن أجدادهم منذ العهد العثماني في العراق، موضحا أن ميزة الحفاظ على التصميم القديم للسوق -رغم تآكله- أصبحت أشبه بالفطرة لدى الكثير من أبناء المنطقة.

وليس غريبا أن تكون الحرف متناقلة بين أجيال الأسرة الواحدة، فهو أمر أصبح إحدى سنن الحياة المتواصلة، وهو ما أكده عصام كريم (صاحب معمل نجارة في السوق) في حديثه عن ممارسته مهنة الحدادة قائلا "ورثت المهنة عن والدي الذي كان يصطحبني في بداية شبابي قبل خمسين عاما معه حتى أتقنتها".

ويضيف أن والده أوصاه بالمواظبة على المهنة والاحتفاظ بمكانها، وأنه التزم بالوصية، وسينقلها إلى ولده إبراهيم الذي يقول "الوصية جاءت من جدي عن طريق أبي وسأنقلها إن رزقني الله الذرية لأبنائي، لا لحسن داخلها أو مهارة فنها، بل للحفاظ على الوسم الذي اتسمت واشتهرت به أسرتنا".

‪الحدادة واحدة من المهن التي تتوارثها الأجيال بالسوق‬   (الجزيرة)
‪الحدادة واحدة من المهن التي تتوارثها الأجيال بالسوق‬   (الجزيرة)

مبيعات متنوعة 
الجدران المتآكلة، والدرابين الضيقة، والمحلات الصغيرة التي تعلوها ضوضاء بعض المهن؛ لم تكن عائقا أمام مقصد أهالي كركوك أو السياح من الزيارة والتجول في سوق القورية؛ فالسوق -الذي يمتد لقرون- ما زال مكتظا بالمتبضعين، في حين تتنوع المبيعات به حتى تكاد أن تضم كل شيء تحتاجه الأسرة.

ويقول جلال حسن (أحد رواد السوق) "اعتدت منذ عشرات السنين على شراء معظم احتياجات المنزل من هنا، وهو إلى جانب اعتباره قبلة أثرية وتاريخية ووجهة يقصدها السياح، يضم ما يميزه ويجعله مركز تسوق لم تؤثر عليه الأسواق الحديثة؛ ففيه أجود أنواع الألبان والمخللات إضافة إلى بائعي الخضار والفاكهة بمختلف أنواعها، وما يزيد التمسك به قلة أسعاره".

ولم تفرض الحكومة المحلية على أصحاب الأملاك في سوق القورية الحداثة العمرانية، بل ظلت داعمة لهم للمحافظة على إرثهم الحضاري، ويقول رئيس بلدية كركوك سردار علي إن السوق اسم اقترن بتاريخ المحافظة وأن الحفاظ عليه مسؤولية تقع على عاتق مالكيه والأهالي إلى جانب الحكومة المحلية. 

المصدر : الجزيرة