المونة اللبنانية.. فلكلور عابر للفصول والأجيال

المونة اللبنانية
عادة ادخار المونة الشتوية تعتبر من التراث اللبناني الفلكلوري ولا تزال متوارثة لدى الكثير من اللبنانيين (الجزيرة)

لاريسا صليعي-بيروت

رغم توافر المواد الغذائية في المحلات التجارية الكبرى، فإن مذاق الأطعمة التي تصنع يدويا وتحفظ في البيوت من دون مواد حافظة، لا تتوفر في أي من الاستهلاكيات، كالتين ودبس الرمان والعنب والبندورة (الطماطم) والقمح والكشك وجميع أنواع الألبان والأجبان وغيرها، وربما ذلك يفسر قوّة ومناعة أجسام القروّيين.

المونة الشتوية تراث لبناني
المونة اللبنانية عادة متوارثة لدى القرويين اللبنانيين، فعادة اقتناء المونة الشتوية تعتبر من التراث اللبناني الفلكلوري، ولا تزال متوارثة لدى الكثير من اللبنانيين.

بعض أنواع المونة اللبنانية -وفي مقدمها الكشك والقاورما ومكدوس الباذنجان- تعدّ من الوجبات الغذائية التي هاجرت وانتشرت في أقاصي الأرض، فكل من هاجر حمل معه إلى بلاد الاغتراب هذه المأكولات التي ترعرع عليها، لذلك أصبحت معروفة عالميا.

زارت الجزيرة نت بعض السيدات اللواتي يحضرن المونة ويشتهرن بها، ويعتبرن هذه العادة جزءا أساسيا في حياتهن.

‪لكل موسم مونته الخاصة التي تغني المطبخ اللبناني‬ (مواقع التواصل)
‪لكل موسم مونته الخاصة التي تغني المطبخ اللبناني‬ (مواقع التواصل)

البيت دون مونة لا قيمة له
اليوم يحرص البعض على التمسّك بهذه العادات العريقة وبخاصّة في القرى اللبنانية. تقول أم سمير (72 عاما) إن "البيت بلا مونة ما بيسوى (لا قيمة له)"، وبحسب خبرتها في هذا المجال على مدى سنوات طويلة أكدت أن "لكل موسم مونته الخاصة".

مبينة أن الكشك طعام شتوي بامتياز، سواء تم طبخه أو تحضيره على شكل فطائر، وتعتبره من أساسيات المونة، على الرغم من أن تحضيره يحتاج إلى الجهد والوقت.

أما المكدوس -بحسب "أم سمير"- فموسمه في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، حيث يصل الباذنجان إلى ذروة موسمه السنوي، وخاصّة مع بدء موسم قطاف الجوز البلدي.

وتؤكد أن للفاكهة اهتماما خاصا، حيث يتم طبخها وتحويلها إلى مربيات، ومنها مربى المشمش والتين والدراق والكرز والتفاح والفريز والسفرجل والإجاص واليقطين وغيرها، وهي ليست بحاجة إلى موسم خاصّ لتحضيرها، فحسب توفر أنواع الفاكهة يتم تحويلها إلى مربى.

‪نساء يعملن في تحضير البرغل‬ (الجزيرة)
‪نساء يعملن في تحضير البرغل‬ (الجزيرة)

الكشك أساس المائدة الشتوية
لا يوجد أطيب من طبق الكشك الساخن في الصباح البقاعي البارد، من السهل أكل الكشك كما تؤكل الشوربة، ولكن من الصعوبة تحضيره كما تفعل أم جميل التي تغسل البرغل وتجففه تحت أشعة الشمس مع التقليب الدائم.

وفي الوقت نفسه، يضاف اللبن إلى البرغل مع التحريك الدائم حتى يجف، ثم يؤخذ إلى المطحنة لكسر البرغل (أي طحنه)، وتضاف اللبنة إليه، ويوضع في العجانة ويعجن جيدا.

بعدها يمدّ الخليط على قماش خام ويقطع ليجفف جيدا تحت أشعة الشمس. يتم التقطيع بواسطة منخل لعدة مرات، وعندما يفرط الكشك يفرك باليد حوالي خمس مرات حتى يجف جيدا.

ثم يؤخذ إلى المطحنة الناعمة، فيطحن ثم ينخل بالمنخل الناعم، ثم يمّد على قماش ويترك ليجف عشرة أيام، ثم يوضع في أوعية المؤونة، وهذه أنجح طريقة لصناعة الكشك.

‪البرغل مونة رئيسية لتحضير الطعام في لبنان كالكبة‬ (مواقع التواصل)
‪البرغل مونة رئيسية لتحضير الطعام في لبنان كالكبة‬ (مواقع التواصل)

الكشك مصدر رزق
وتعتبر الحاجة أم جميل أن الكشك طبق أساسي على المائدة الشتوية، ولا يمكن الاستغناء عنه لأنه "طبق لذيذ ويعطي الدفء والطاقة للجسد"، شارحة الطرق المختلفة لإعداده، إذ "يمكن تحضيره مع البصل المقلي، أو الثوم اليابس ويضاف إليه الخبز أثناء الطهي، أو يمكن تحضير منقوشة الكشك".

عمل الحاجة أم جميل في تحضير هذه المونة المنزلية هو مصدر رزقها على مدار السنة، وتُسهم هذه العملية بتأمين مداخيل للسيدات في تلك المناطق الريفية، وتلعب العلاقات الاجتماعية والتواصل مع الجيران دورا مهمّا في تصريف الإنتاج، إضافة للمعارف والأصدقاء.

لذلك تعتمد الحاجة أم جميل عليه لأنه عمل مربح ومفيد، كما أنه مرغوب جدا من المغتربين في بلاد المهجر، فهم يحرصون على وضع الكشك ضمن قائمة الحاجيات التي سيأخذونها معهم.

‪تعاونية أطايب الريف تفتح يوم
‪تعاونية أطايب الريف تفتح يوم "المونة اللبنانية الأصيلة" لتوفير ما تحتاجه المرأة اللبنانية‬ (الجزيرة)

يوم المونة اللبنانية الأصيلة
في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، عمد البعض إلى تحضير المونة كاكتفاء ذاتي لمتطلبات العائلة الغذائية من جهة، والاستفادة ماديّا وإنتاجيا من طبيعة الأرض الغنيّة التي تغدق عليهم خيراتها من جهة أخرى.

وتقوم بعض السيدات بتحضير المونة المنزلية وبيعها للمحال التجارية أو ربّات المنازل غير القادرات على تحضيرها.

يُذكر في هذا السّياق، أنه يتم افتتاح "يوم المونة اللبنانية الأصيلة" من قبل تعاونية "أطايب الريف" بالتنسيق مع وزارة الزراعة في كل عام، للتأكيد على ضرورة التوجه لإحياء وإعادة إنتاج ثقافة احترام المرأة الريفية، والزراعة والإنتاج الغذائي، من أجل تحقيق الأمن الغذائي.

فالمونة التي توارثناها من هذه الأجيال لا تجعل من الطعام وتحضيره متعة فقط، بل حافزا لتقوية الروابط العائلية.

المصدر : الجزيرة