إفطار الأيام الأولى لرمضان في مصر.. مصدر بهجة وشجار أيضا

"شجار" الإفطار الأول بمصر.. وجه آخر لبهجة رمضان
مائدة إفطار رمضان مصدر للسعادة لكنها قد تكون سببا للخلاف (الجزيرة)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

"أول يوم أفطرنا مع حماتي والثاني مع أمي.. الإفطار الأول كان عند أهل زوجي والثاني عند أهلي.. ليس لنا نظام ثابت وإنما حسب الظروف، لكننا نتفق دون مشاكل.. أفطرنا في منزلنا مضطرين لظروف العمل".. نماذج من أجوبة عن مكان إفطار الأيام الأولى في رمضان تكشف مع طرافتها أحد محاور الاهتمام والجدل المكرر كل عام في البيوت المصرية.

وفي ساحات مواقع التواصل الاجتماعي، تتندر مصريات حول "الشجار" الموسمي مع أزواجهن عن مكان الإفطار في الأيام الأولى، حيث استقر في الثقافة المصرية ألا تنعزل أسرة بنفسها في هذا الإفطار خصوصا في اليوم الأول، وأن تجتمع الأسر الصغيرة في إفطار يجمع الأسرة الكبيرة بأصولها وفروعها.

وحسب ما يشهده الواقع وتعكسه الدراما، فإن الأيام الأولى في رمضان لا تخلو من جدل وربما شجار يأتي جزء منه حول توفير الزوج لاحتياجات البيت من المواد الغذائية وإعداد الزوجة لمائدة تكون على توقعات الأزواج، خاصة أولئك الذين يدفعهم الجوع للظن بأنهم سيأكلون أضعاف طاقتهم.

أما الجزء الأكبر من الجدل في المجتمع المصري فيتمحور غالبا حول أي من عائلتي الزوج والزوجة أولى بأسبقية هذه المشاركة في الإفطار الجماعي في مطلع الشهر الفضيل. وربما يكون من حسن حظ الطرفين أن يسهل اجتماع عائلتيهما على تلك المائدة، فيتحقق مراد الجميع دون الحاجة إلى هذا الجدل الذي غالبا ما يأخذ أجواء مرحة، لكنه قد يتحول إلى ما لا تحمد عقباه.

ولعل ما استدعى هذا الخلاف وتناوله في بعض الأحيان على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، مستجدات اجتماعية وحياتية جعلت ما هو مستقر في الأعراف المصرية ومعتاد من موروثات اجتماعية، بحاجة إلى مراجعة واستدراك، كبعد أماكن السكن، واندثار بيوت العائلة التي كانت حاضنا لتلك المناسبات.

ويتفق كثيرون ممن استعرض مراسل الجزيرة نت آراءهم، على أن الجدل الحاصل حول مائدة إفطار أول يوم، يكسب بهجة استقبال الشهر الكريم رونقا خاصا ويزيد من خصوصيته لديهم، الأمر الذي يلبي رغبة لدى شرائح واسعة من المصريين.

رغبة مشتركة
وينطلق متحدثون من أن شجار إفطار أول يوم وأحيانا أول يومين أو ثلاثة، يحوي بين طياته رغبة مشتركة في الحصول على أجواء اجتماع أسري مختلفة لبداية رمضان، مع اعتزاز كل طرف بامتداده الأسري، وقناعته بأن هذا الامتداد هو الأجدر والأقدر على توفير تلك الأجواء المطلوبة.

لا تمل كريمة من محاججة زوجها كل عام حول أحقيتها في أن يكون إفطار أول أيام رمضان في منزل عائلتها، رغم أن الأمر دائما ما ينتهي بأن يحسم زوجها الأمر بأنه لا مناص من أن تحزم حقائبها وتسافر بصحبته مع أولادهما إلى قريته في أرياف الصعيد.

ورغم أن الأمل يراودها عاما بعد عام في أن ينزل زوجها عند رغبتها، فإنها لا تعتبر الأمر داعيا إلى شقاق أو "نكد" على حد تعبيرها، فهي في ذات الوقت تحب عائلة زوجها وتسعد بما يتوفر من أجواء لديهم، لكن تظل الرغبة في تجربة الإفطار لدى أسرتها أول أيام رمضان مستمرة.

أما علياء راضي فتتباهى بتمكنها من إقناع زوجها بإجراء "قرعة" تحدد مكان الإفطار الأول، الأمر الذي أتاح لها أن تفطر هذا العام في منزل عائلتها، مما أدخل البهجة والسرور على قلب والديها وباقي الأسرة.

وتحكي أم حسام لقريناتها متندرة بأنه لقناعتها بأن هذا الجدل محسوم لصالح زوجها، فإن ذلك لم يمنعها من استغلال الأمر لتحقيق مكاسب أخرى مقابل إظهارها الموافقة على رغبة زوجها، ومنها الحصول على حق تحديد أماكن الإفطار في أيام أخرى من الشهر الفضيل.

وبينما تنطلق السيدات من رغبات حقيقية في مشاركة عائلتها أجواء أول أيام الشهر، يكون المحدد لدى كثير من الرجال في أن الأمر لا يعدو كونه عرفا أسريا يصعب تجاوزه، وربما يؤدي الخروج عنه إلى "استياء وامتعاض" لدى عائلته هو في غنى عنهما.

مقتضيات الأصول
وفي هذا السياق، يرى سمير أبو العلا أنه لا فارق كبيرا لديه بين أن يفطر هنا أو هناك، طالما توفرت أجواء أسرية تتناسب مع استقبال الشهر الكريم، لكن "الأصول" تقتضي أن يفطر مع والديه أول أيام الشهر.

الباحثة الاجتماعية صفاء صلاح الدين ترى أن هذا "الشجار" طبيعي ولا ينظر إليه باعتباره أمرا سلبيا، طالما لم يتجاوز حد الجدل والنقاش وإن احتد قليلا وطال أمده، ولم يؤثر على علاقة الزوجين والأجواء الرمضانية.

ولا ترى صفاء أن تناول هذا الشكل من أشكال التفاعل الاجتماعي المرتبطة بالحالة المصرية يستدعي تحديد صاحب الحق في اختيار مكان إفطار أول أيام الشهر الكريم، فالأمر تحكمه الظروف والمتغيرات ومدى استيعاب كل من الطرفين للآخر.

وتشير في حديثها للجزيرة نت إلى أن هناك من الظروف ما يغلّب حق طرف على الآخر، كأن يكون والدا أحد الزوجين يعيشان بمفردهما، فالأولى مشاركتهما الإفطار في هذا اليوم، كما تفضل أن يعمل الزوجان على اجتماع العائلتين إن تيسر.

وتلفت صفاء إلى أن ما ينبغي مراعاته والاهتمام به هو قيمة الاجتماع والألفة خلال هذا الشهر، والارتقاء فوق دواعي الخلاف والشقاق، فبينما لا تخفى أهمية هذه القيم بشكل عام، تكون مراعاتها أوجب خلال رمضان.

ورغم عدم توفر إمكانية الإفطار في الأيام الأولى لرمضان مع أي من العائلتين، فإن ذلك لم يمنع الزوجين شادي وأسماء من جدل مفتعل حول الأجدر بهذا الامتياز في حال توفر الإمكانية، بحثا منهم عن "بهجة مختلفة" تخفف عنهم وطأة الاغتراب التي حرمتهم من ذلك على أرض الواقع.

المصدر : الجزيرة