عرب على جبل إيفرست.. موت محقق وتكاليف صعود باهظة

Nagwan Lithy - الرجل ذو الحذاء الأخضر أشهر الجثث على إيفرست (تواصل اجتماعي) - الجثث على قمة إيفرست لم تمنع العرب من مغامرة جبل الموت
الرجل ذو الحذاء الأخضر أشهر الجثث على إيفرست (تواصل اجتماعي)

صفاء علي

أمر مخيف أن تعرف أن تغير المناخ والاحتباس الحراري يتسببان في ظهور جثث متسلقي قمة إيفرست قبل 100 عام مضت، فالثلوج والأنهار الجليدية تذوبان بسرعة أكبر على سطح قمة جبل إيفرست، وهو ما أدى لظهور جثث بعض المتسلقين الذين لقوا حتفهم أثناء الصعود أو النزول من القمة، وبعض تلك الجثث لم تكن معلومة المكان، ومنذ عام 1922 توفي أكثر من 300 متسلق، ويُعتقد أن معظم جثثهم ظلت مدفونة تحت الأنهار الجليدية أو الثلوج.

وتشير الدراسات إلى أن الأنهار الجليدية في منطقة إيفرست تذوب وتضعف، بمعدل متر كل عام، وسيُذيب المناخ أجزاء شاسعة من جبال الهيمالايا مُستقبلا.

ويطلق المتسلقون على المنطقة التي يتجاوز ارتفاعها ثمانية آلاف متر اسم "المنطقة الحمراء" أو "منطقة الموت"، وعند الوصول لتلك النقطة، ربما يواجه المتسلق موتا محققا في أي لحظة، سواء بسبب الانهيارات الجليدية، أو الرياح الشديدة، أو الضغط الجوي الذي يبلغ أقل من 35.6 كيلو باسكال (267 ملم زئبق) على ارتفاعات فوق ثمانية آلاف متر، وكذلك فإن مستوى الأكسجين في الهواء لا يكفي للبقاء على قيد الحياة، وهو ما يؤدي إلى تورم الرئتين والدماغ، ناهيك عن درجة الحرارة التي تصل لـ(35-) درجة مئوية.

‪تيما دريان‬ تيما دريان تسلقت أكثر من 16 جبلا حول العالم في تدريب ذاتي (الجزيرة)
‪تيما دريان‬ تيما دريان تسلقت أكثر من 16 جبلا حول العالم في تدريب ذاتي (الجزيرة)

عند موت أي متسلق أثناء الصعود للقمة، لا يمكن مساعدته، وهو ما يراه البعض تصرفا غير إنساني، إذ يتم تركه في مكانه، ولا يساعده أحد إذ إن من يُساعده سيحكم على نفسه بالموت أيضا. لذا من سيغامر بالصعود إلى قمة الجبل سيرى جثث المُتسلقين الذين لقوا حتفهم في وقت سابق، والذين تحتفظ جثثهم بكامل هيئتها، كأنها مُحنطة، وكل ذلك بفضل الجليد، وتتكلف عمليات إنزال الجثث مبالغ باهظة، كما تتطلب موافقات خاصة من الحكومة النيبالية.

أشهر الجثث على القمة
أشهر الجثث على إيفرست هي لصاحب الحذاء الأخضر، والجاكيت الأحمر وهو مُتسلق هندي، توفي عام 1996، وبسبب لون حذائه المميز فإنه أصبح علامة يسترشد بها المتسلقون أثناء صعودهم أو نزولهم، وأصبحت الجثة مشهورة باسم
"Green Boots".

فرانسيس وسيرغي، زوجان أميركيان لقيا حتفهما على الجبل، كان هدف فرانسيس أن تصبح أول امرأة أميركية تصعد إلى قمة إفرست دون استخدام الأكسجين الإضافي، وبعد محاولتين تم إجهاضهما، نجحت أخيرا لكنها لم تتمكن من الاحتفاء بإنجازها، وسقطت بعد الاستسلام التام للثلوج، وعاد زوجها الذي كان قد سبقها في عملية الصعود للبحث عنها غير أنه لقي حتفه هو الآخر.

جورج مالوري، مُتسلق إنجليزي شهير، توفي في عام 1924 بسبب عاصفة ثلجية -في محاولة الصعود-ليكون أول من يصل إيفرست، وتم العثور على جثته في عام 1999، بكامل هيئته، بعد مرور 75 عاما على وفاته بفعل الجليد.

إيفرست بنكهة عربية
رغم الأجواء المخيفة، فإن روح المغامرة غلبت عشرة شباب عرب، الذين استعدوا منذ 21 مارس/آذار الماضي لتسلق قمة جبل إيفرست.

الشباب الذين التقوا من جنسيات عربية مختلفة، من خمس دول هي لبنان ومصر وسلطنة عمان والسعودية والأردن، جميعهم على موعدٍ لصعود أعلى نقطة فوق مستوى سطح البحر بارتفاع حوالي تسعة آلاف متر.

‪جثة جورج مالوري وجدت محتفظة بكامل هيئتها بعد 75 عاما على اختفائه أثناء محاولته التسلق (مواقع التواصل)‬ جثة جورج مالوري وجدت محتفظة بكامل هيئتها بعد 75 عاما على اختفائه أثناء محاولته التسلق (مواقع التواصل)
‪جثة جورج مالوري وجدت محتفظة بكامل هيئتها بعد 75 عاما على اختفائه أثناء محاولته التسلق (مواقع التواصل)‬ جثة جورج مالوري وجدت محتفظة بكامل هيئتها بعد 75 عاما على اختفائه أثناء محاولته التسلق (مواقع التواصل)

رائدة الأعمال والرياضية اللبنانية فاطيما دريان "تيما" لم تُعِر خطر الانهيارات الجليدية أي اهتمام، وتقوم حاليا بمحاولة الصعود، الجزيرة نت تواصلت معها في اتصال هاتفي من نيبال، وسألتها عن سر شغفها بتلك المغامرة رغم مخاطرها.

تيما قررت تسلق إيفرست منذ أن كان عمرها 14 عاما، في رحلاتها العائلية إلى نيبال، وتسلقت جبل البروس بأوروبا في عمر 23 عاما، واكتفت بتسلق الجبال عن جميع الرياضات الأخرى، وفي عام 2018 تسلقت ستة جبال في جزء من تدريباتها لصعود إيفرست.

تقول تيما للجزيرة نت "إن صعود الجبال يجعلني أشعر بأنني امرأة قوية، وأنظر للحياة بطريقة أخرى، لقد تسلقت 16 جبلا على مستوى العالم، وهو بالنسبة لي تدريب كاف لصعودها (إيفرست)، في المقابل الموت سيأتي للإنسان في أي مكان سواء بالجبل أو خارجه، المهم هو المغامرة".

التدريب على صعود الجبال بالنسبة لها يأتي من ممارسة التسلق فعليا لجبال أخرى، فكل مُتسلق لابد أن يعتاد ظروف الجو غير الطبيعية،ويعرف جيدا كيف ينجو ويساعد نفسه.

وتبلغ تكلفة صعود قمة إيفرست حوالي 70 ألف دولار أو أكثر، فيما تستغرق عملية صعودها شهرين كاملين.

وترى تيما التي تحملت تكاليف الرحلة، أنها تكلفة زهيدة مقارنة بما تجنيه من خبرات منها، فلماذا يشتري الإنسان سيارة مثلا بمبالغ طائلة؟ المسألة متقاربة من وجهة نظرها، وليست جنونا رغم المخاطرة بكل جوانبها.

‪سوزان الهوبي أول امرأة عربية تصعد إيفرست في 2011 (الجزيرة)‬ سوزان الهوبي أول امرأة عربية تصعد إيفرست في 2011 (الجزيرة)
‪سوزان الهوبي أول امرأة عربية تصعد إيفرست في 2011 (الجزيرة)‬ سوزان الهوبي أول امرأة عربية تصعد إيفرست في 2011 (الجزيرة)

احترام لا شهرة
الفلسطينية سوزان الهوبي، أول امرأة عربية تصعد لقمة إيفرست عام 2011 لسبب خيري، إذ تم عن طريقها إنشاء أول مستشفى لعلاج السرطان بفلسطين، تقول سوزان للجزيرة نت "لابد من التفرقة بين الوصول للقمة ورحلات قاعدة إيفرست، يقع مخيم القاعدة على ارتفاع 5400 متر تقريبا، ويتم الوصول إليه مشيا، أما القمة فتقع على بُعد أكثر من ثمانية آلاف متر".

وبالنسبة للعرب الذين يحاولون الصعود فترى الهوبي أن رسالتها لهم هي احترام الجبل، فهو من جبال الموت.

وتضيف "أتمنى ألا تكون عملية التسلق بالنسبة لهم، لتحقيق لقب "الأول"، أو الشهرة الإعلامية فقط، وهو صراع واضح بين المتسلقين لتحقيق اللقب، دون أي اعتبارات أخرى، فيمكن أن تجد اثنين من دولة واحدة في الوقت نفس وكلاهما يحاول تحقيق الانتصار على الآخر، وحصد الاهتمام الإعلامي، دون تفكير في احترام هذا الجبل، أو تحقيق مكاسب تتجلى في خبرات شخصية ذاتية".

وتستطرد الهوبي أن "معظمهم يصعد الجبل دون خبرة كافية، أو فهم لطبيعة الجبل وكينونته، وهو ما قد يُعرضهم للخطر، ويجب التركيز في عملية الصعود وحدها، دون تشوش فكري في إرسال رسائل للرعاة، أو الجمهور أو الإعلام، فكل ذلك يندرج تحت "عدم احترام الجبل"، الذي لابد أن نتعامل معه بجدية".

جثث المتسلقين الموجودة على إيفرست أيضا بالنسبة لها هي جثث لعمالقة تسلق أسهموا كثيرا في كسر حاجز الخوف لآخرين للتعرف إلى هذا الجبل، فتسلقه أكبر مغامرة في حياة الإنسان، لذا لابد من احترامها لتنعم أرواح المتسلقين وتطيب ذكراهم.

المصدر : الجزيرة