غزّيات يروين طقوس "السماقية".. طبق المناسبات السعيدة في غزة

علا موسى-غزة

تتميز الأطباق الفلسطينية بحضورها ضمن الموائد العربية، وتبرز بشكل لافت في ظل طقوس إعدادها ومذاقها المميز، لكن طبق "السماقية" له طابع خاص، فهو لا يجده الفلسطينيون إلا في غزة، وهو طبق تاريخي يمتد عمره لمئات السنين، واليوم هو طبق المناسبات السعيدة للغزيين.

الغزيون ينتظرون تناول هذا الطبق لأشهر عدة، فمنهم من يتناوله بمواسم أعياد الفطر والأضحى، وآخرون يتناولونه في الأعراس الفلسطينية التقليدية وخصوصا في سهرات الشباب التي تسمى "حفلة توديع العزوبية" قبل الزفاف الرسمي بيوم.

طقوس إعداد السماقية
وما يميز هذا الطبق أنه يجمع أثناء إعداده أكثر من عشر سيدات، يقمن بطبخه بأواني ألمونيوم كبيرة (طناجر) على مدار يوم وأحيانا ليومين، ويجب أن تبرز سيدة مسنة خلال تلك "الجمعة" لتشرف عليهن، وهي من طقوس إعداده، كما تقول بشرى أبو فضل (72 عاما) من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.

وتقول بشرى "السماقية طبق يحترف عمله سكان غزة الأصليون وأنا من أصول غزّية وزوجي أيضا، وعندما جاء اللاجئون من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 تعلموه منهم، واشتركوا معهم في طقوسه وطريقة عمله، ثم أصبحت كل عائلة تعده على طريقتها، حارة أم لا، طعمها حاذق بالسماق أم لا".

‪تقطيع اللحم لطبق
‪تقطيع اللحم لطبق "السماقية" في حجم صغير‬ (الجزيرة)

خبرة طويلة
تشير بشرى، وهي تتقن إعداد طبق السماقية منذ 50 عاما، إلى أن مكوناته من السماق البلدي والبصل الجاف ونبتة السلق وثوم وطحينة والفلفل الأخضر والشطة الحارة مع الحمص الحب، وعين جرادة الجافة وزيت زيتون والدقيق الأبيض، وقطع من لحم العجل.

وتوضح بشرى أيضا أن الغزيين عندما يعرفون أن أحد أقاربهم قد أعدّ طبق السماقية يجتمعون عنده لتناوله جماعيا، وهو من الأطباق التي لها مذاق جماعي، تكاد لا يأكل في غزة من غير جماعة.

ما يميز طبق السماقية أنه يجمع خلال إعداده أكثر من 10 سيدات يقمن بطبخه (الجزيرة)
ما يميز طبق السماقية أنه يجمع خلال إعداده أكثر من 10 سيدات يقمن بطبخه (الجزيرة)

مكونات السماقية وذكريات جميلة
من جهتها توضح سميرة العجلة (60 عاما) وهي من سكان حي الشجاعية، أن خطوات عمل السماقية تبدأ بوضع الماء حسب الكمية وحسب عدد المدعوين (الضيوف)، ثم يوضع زيت الزيتون، وبعدها بخمس دقائق يوضع البصل المقطع، وعندما يصبح لونه أصفر تضاف إليه قطع اللحم الصغيرة.

وتضيف سميرة أنه يتم تقليب اللحم لمدة 15 دقيقة، ثم يوضع الحمص المنقوع بالماء ويقلب، ويضاف الملح، ثم يضاف السلق المفروم بالتدريج، ويترك على النار يغلي حتى ينضج اللحم والحمص والسلق.

بعد ذلك يضاف خليط من السماق الأحمر والطحين والثوم والشطة الحارة، وبعد ساعة تضاف الطحينة، وتترك لمدة 4 ساعات فوق النار مع التحريك المستمر، بعدها ينتهي إعداد الطبق.

وتقول سميرة "يحتاج هذا الطبق لعمل كبير، فقبل عملية الطهو، نحتاج لقرابة ثماني ساعات لتقطيع كميات السلق واللحوم والبصل وتنظيفها جيدا، وكذلك نقع الحمص وبعض المكونات، لكن الجميل أننا خلال مرحلة الإعداد نتحدث في أمور اجتماعية، ونذكر بعضنا بأفراحنا التراثية وذكرياتنا الجميلة القديمة، لذا لو جلسنا لساعات متواصلة في العمل لا نشعر بالتعب".

‪‬ السلق الأخضر من المكونات الرئيسية لطبق
‪‬ السلق الأخضر من المكونات الرئيسية لطبق "السماقية"(الجزيرة)

الأطباق والطبخات الفلسطينية
أما الحاجة سعدية (80 عاما) التي ولدت في بلدة بيت دراس المحتلة عام 1948- فتشير إلى أن العائلات الغزية الأصل والعائلات اللاجئة لغزة تعلمت من بعضها العديد من الأطباق والطبخات الفلسطينية، في ظل أن مدينة غزة كانت تجمع التجار والراحلين بين دول آسيا وأفريقيا قديما، الذين يعتمدون على الأكلات التي تعد عبر خليط من النباتات واللحوم الطازجة.

وتقول سعدية "كنا نعد طبق الملوخية على شكل مهروسة وكانت بعض العائلات الغزية تتناولها على شكل ورق، تعلموا منا المقلوبة وورق العنب وبعض طرق المحاشي، ونحن تعلمنا منهم عمل طبق السماقية الذي أصبح رمزا فلسطينيا، لأنه طبق لذيذ وفي الوقت نفسه طبق مبهج ويعد في أوقات الأفراح".

‪‬
‪‬ "السماقية" طبق المناسبات السعيدة في غزة يسكب بعشرات الصحون(الجزيرة)

سر تسمية السماقية
وقد ذُكرت السماقية بوصفها أشهر الأكلات الغزّية منذ القدم في كتاب الشيخ محمد بن الحسن البغدادي المسمى بـ"الطبيخ" عام 1225، ويعود السبب الرئيسي لتسميتها لاعتبار أن أهم مكون فيها هو السماق، الذي يمزج مع المذاق الحار للفلفل الأخضر. 

المصدر : الجزيرة