لم يعد ملاذ الفقراء.. أغنياء تونس يزاحمون على أسواق "الفريب" ويلهبون أسعارها

امال الهلالي - تقضي بعض النسوة ساعات لفرز الملابس المستعملة والبحث عن ضالتهن من الماركات العالمية - "لم يعد ملاذ الفقراء" ....أغنياء تونس يزاحمون على أسواق "الفريب" ويلهبون أسعارها
بعض النسوة يقضين ساعات لفرز الملابس المستعملة والبحث عن ضالتهن من العلامات العالمية (الجزيرة)

تونس-آمال الهلالي

طوابير من السيارات الفارهة تصطف يومي السبت والأحد على جنبات شارع حي ابن خلدون الشعبي المتاخم للعاصمة التونسية، حيث يقع أهم سوق للملابس المستعملة، أو ما يطلق عليه "الفريب".

تنزل الشابة مريم القروي من سيارتها قادمة من حي "المنار" الراقي القريب من حي ابن خلدون، وتؤكد للجزيرة نت أن زيارة سوق الملابس المستعملة أضحت هواية لها، وصلت حد الولع، حيث تجد ضالتها من العلامات العالمية بأرخص الأثمان.

هوس الفريب
تتجول مريم بين أكوام الملابس القديمة، أو ما يصطلح عليه باللهجة التونسية بـ"بالات الفريب"، لتفرز بعناية بعض الألبسة الصوفية والمعاطف من علامات عالمية مختلفة، تتراوح أسعارها بين خمسة و25 دولارا للقطعة الواحدة.

تقضي الشابة ساعات متنقلة بين "بالة" وأخرى دون كلل أو ملل، بدءا من الملابس وصولا إلى الأحذية والحقائب، مجادلة الباعة لدقائق حتى تظفر بسعر رخيص.

على الجانب الآخر، يصدح صوت البائع نادر السعدي عاليا ليجلب الزبائن على بضاعته المتكدسة على طاولات يدوية الصنع بعبارات لا تخلو من الطرافة وخفة الدم من قبيل "فرصة لا تعاد يا مدام سعاد" أو "على دينار يا مدام اكسي زوجك وأطفالك".

‪شابات تجمعن حول طاولة لاختيار النظارات الشمسية المستعملة‬ (الجزيرة)
‪شابات تجمعن حول طاولة لاختيار النظارات الشمسية المستعملة‬ (الجزيرة)

مواكبة جنون الموضة
ويقول "مع الأسف لم يعد الفريب ملجأ للفقراء بسبب منافسة الطبقات البورجوازية له، وأيضا بسبب ارتفاع تكلفة سعر الملابس بالجملة التي تستورد من الخارج في ظل انهيار العملة التونسية".

ويرجع محدثنا هرولة الطبقات الغنية إلى هذا السوق خلال السنوات القليلة الماضية بالتزامن مع مواكبتهم جنون الموضة وانتشار آخر صيحاتها عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.

كساد وجنون أسعار
ويؤكد نادر للجزيرة نت أن قطاع الملابس المستعملة يشكو كسادا بسبب انهيار القدرة الشرائية للطبقات الوسطى والفقيرة التي طالما كانت الزبون الأول لهذه الأسواق.

ويأسف نادر لما أسماه "الارتفاع الجنوني" "لبالات" الملابس المستعملة، التي تأتي بأكياس عملاقة مغلقة وتباع لصغار الباعة بأثمان تتجاوز أربعمئة دولار أحيانا للكيس الواحد.

ولا يخفي محدثنا قلقه من اندثار هذا القطاع شيئا فشيئا؛ بسبب ما أسماه جشع رجال الأعمال في تونس، متهما الحكومة بالتآمر معهم لقتل هذا القطاع بهدف إنعاش المحلات التجارية المستوردة للملابس والعلامات العالمية. 

‪نادر بائع الفريب يتحدث للجزيرة نت عن مشاكل القطاع‬ (الجزيرة)
‪نادر بائع الفريب يتحدث للجزيرة نت عن مشاكل القطاع‬ (الجزيرة)

وتقول السيدة منية التيجاني للجزيرة نت إن "سوق الفريب بحي ابن خلدون شهد منذ سنوات ارتفاعا غير مسبوق في الأسعار بعد غزو أغنياء الأحياء الراقية له بسبب جودة معروضاته وسلعه المختارة بعناية من الباعة.

وتتساءل بلهجة حزينة: "أليس من حق المواطن البسيط وأولاده أن يواكبوا الموضة بأسعار زهيدة، هربنا من لهيب أسعار الملابس الجديدة فوقعنا في لهيب أسعار الملابس المستعملة، فأين نذهب؟"

70% من التونسيين زبائن الفريب
وكان استطلاع رأي أجرته شركة "سيغما كونساي" المختصة، كشف في نيسان/أبريل 2018 عن أن 70% من التونسيين يقتنون حاجاتهم من سوق الملابس المستعملة، وأن هذا القطاع يشغل أكثر من عشرة آلاف تونسيا.

ودعا الرئيس الشرفي للمجمع المهني للملابس المستعملة فتحي البزراطي خلال تصريحات إعلامية إلى ضرورة تنظيم الحكومة هذا القطاع، الذي اعتبره غير مهيكل.

وأشار إلى أن قطاع الملابس المستعملة يشغل نحو مئتي ألف تاجر تفصيل في كامل مناطق الجمهورية، وعشرة آلاف عامل مباشر، ويحقق دخلا يناهز ثلاثمئة مليون دينار تونسي، أي نحو 98 مليون دولار.

المصدر : الجزيرة