هوس "التسوق القهري".. عندما يصبح الشراء نوعا من الإدمان

هوس التسوق أو عندما يصبح الشراء نوعا من الإدمان (بيكسلز)
نحو 6% من الشباب -معظمهم من الإناث- يواجهون جحيم "التسوق القهري" (بيكسلز)

التسوق بالنسبة لمعظم الناس، عبارة عن جولة متوازنة بين الإغواء والضرورة، لكن نحو 6% من الشباب غالبا -ومعظمهم من الإناث- يواجهون جحيم "التسوق القهري" الذي يسيطر على حياتهم، ويمكن أن يلحق الضرر بميزانياتهم.

ياسر خزعل، الأستاذ بجامعة يونيل وكبير الأطباء في قسم طب الإدمان في مستشفى المركز الطبي الجامعي في لوزان بسويسرا، يشرح في تقرير نشرته صحيفة لوتان السويسرية تفاصيل هذه المتلازمة، وكيف يمكن لضحاياها الخروج منها برغبتهم الداخلية وبناء علاقة جديدة مع الاستهلاك.

‪جوني ديب ممثل ومنتج سينمائي أميركي، يعرف بحبه لتأدية الأدوار الغريبة من أشهر المدمنين على التسوق‬ (غيتي)
‪جوني ديب ممثل ومنتج سينمائي أميركي، يعرف بحبه لتأدية الأدوار الغريبة من أشهر المدمنين على التسوق‬ (غيتي)

جوني ديب أشهر مدمني التسوق
وفي سياق هوس التسوق، قدمت الصحيفة جوني ديب (وهو ممثل ومنتج سينمائي أميركي، يعرف بحبه لتأدية الأدوار الغريبة) مثالا لأشهر المدمنين على التسوق، حيث أنفق هذا الممثل -وفقا لمجلة "شالانج" الاقتصادية الفرنسية- مبلغ 480 مليون دولار خلال عشرين عاما.

اشترى جوني ديب -ولقبه جوني "ديبت" في إشارة لتراكم الديون عليه- مزرعة في كنتاكي، وخمس فلل في بيفرلي هيلز، وجزيرة مرجانية في جزر البهاما، و45 سيارة فاخرة، وسبعين قيثارة فاخرة، ومئتي لوحة فنية لفنانين معروفين، فضلا عن يخت ثمنه 18 مليون دولار، وتكلف صيانته ثلاثين ألف دولار شهريا، يضاف لها ثلاثمئة ألف دولار رواتب لثمانين موظفا يعملون على متن اليخت.

وهذا الإنفاق الذي قد يصيب القارئ بالدوار، وكان أكثر إزعاجا للفنان الذي أثقلته الديون وأصبح غير قادر على تحمل نفقاته ويعيش مطاردا بالدائنين، بحسب الصحيفة.

شباب ضحايا هوس التسوق
وجوني ديب لا يمثل الضحايا العاديين للإدمان، فلا يحتاج المرء لأن يكون لديه حساب مصرفي كبير ليستسلم لهذه الحمى من التسوق.

وعلى العكس من ذلك، يلاحظ عالم الإدمان ياسر خزعل أن الهجمات الأولى غالبا ما تبدأ في سن 18، عندما لا يكون الشباب قد وصل للاستقرار المالي، وبالتالي يجدون أنفسهم وبسرعة يقعون بصعوبات كبيرة، فيذهبون للاستدانة والقروض أو لما هو أسوأ من ذلك، إذ يمكن أن يذهبوا إلى السرقة وتحويل الأموال لإرضاء إدمانهم.

وما يثير قلق خزعل هو "أن الاستشارة الأولى لا تحدث في كثير من الأحيان إلا بعد عشر سنوات من بداية الأزمة، بعد فوات الأوان بالنظر لقبضة هذا الهوس المجنون".

معايير تمييز التسوق الجشع
ولتحديد المعايير التي تميز التسوق الجشع جدا من الإدماني، يقول الطبيب خزعل إن المعيار الأول يتعلق بفقدان السيطرة، حيث يكون الشخص بحالة توتر تجعل الانفعال يسبق التعقل.

أما المعيار الثاني فهو الأولوية التي يحتلها هذا النشاط، حيث يستطيع المتسوق قضاء ساعات بالبحث في المواقع الإلكترونية والنشرات وما إلى ذلك لتعقب صفقة جيدة.

وأخيرا، يتعلق المعيار الثالث بالصعوبات الثانوية التي يولدها هذا المرض، مثل الديون والقروض، وما ينجر عنها من الأكاذيب والشعور بالعار والوحدة.

‪بالنسبة لإدمان التسوق، فالبضاعة التي يشتريها المدمن لا تهم‬ (بيكسلز)
‪بالنسبة لإدمان التسوق، فالبضاعة التي يشتريها المدمن لا تهم‬ (بيكسلز)

نوع البضاعة لا تهم المدمن
وبالنسبة لإدمان التسوق، فالبضاعة التي يشتريها المدمن لا تهم، وعلى عكس جامعي التحف الذين يعتزون بمشترياتهم، فإن مدمن التسوق لا يهتم إلا بالشراء بحد ذاته، وبلحظة الإثارة التي تسبق امتلاك الشيء، والراحة التي تلي ذلك.

وأوضح خزعل أن مناطق الدماغ المرتبطة بالعاطفة والمكافأة هي التي يتم تنشيطها وقت الأزمة، في حين تحاول القشرة المخية الأمامية ممارسة قدرتها على التحكم.

ونظرا لأن الشخص المتعب يميل للخضوع لهذه الحمى بسهولة أكبر -حسب الطبيب خزعل- فإن العديد من عمليات الشراء القسرية هذه تتم في نهاية اليوم، ولذلك فإن التسوق في الصباح هو أحد الإجراءات الوقائية أثناء محاربة المريض لهذا الإدمان.

من الأشخاص الذين يمسهم هذا الإدمان؟
يبين الدكتور خزعل أن بعضهم يكون ممن لديهم اندفاع زائد، والبعض الآخر ممن لديهم هشاشة عاطفية فيدعمون أنفسهم بهذه المشتريات، كما أنهم يسعون لعرض مشترياتهم بهدف تعزيز صورتهم في عيون من حولهم. وأخيرا، هناك مدمنون لديهم علاقة غير ناضجة بالحملات الإعلانية، وهم "فريسة سهلة" بالنسبة للمسوقين.
 
ومع أن البضاعة لا تهم بالنسبة لمدمني الشراء، فإن "النساء يملن لشراء الملابس والأحذية والمكياج والمجوهرات والأدوات المنزلية. في حين يشتري الرجال الأقراص المدمجة والكتب والأدوات والمعدات الحاسوبية والكاميرات"، بحسب خزعل الذي يرى أن المشكلة تتجلى من خلال "عمليات شراء صغيرة، وليست باهظة الثمن، ولكنها متكررة بشكل دائم".
‪التخلي عن حمل البطاقات المصرفية، وتجنب المرور بالمتاجر وتجاهل إشعارات الاستهلاك يسهم في محاربة هوس الشراء‬ (بيكلسز)
‪التخلي عن حمل البطاقات المصرفية، وتجنب المرور بالمتاجر وتجاهل إشعارات الاستهلاك يسهم في محاربة هوس الشراء‬ (بيكلسز)

ما السبيل للشفاء من هوس الشراء؟
ويقول عالم الإدمان خزعل إن "النهج التحفيزي والعلاج النفسي هما العلاجان المفضلان"، حيث يتحدث الشخص أولا عن ظروفه ودوافعه، وبعد ذلك يقوم الطبيب بطرح أسئلة على المريض عن الفوائد المتوقعة وشعوره عند الشراء والمضايقات، ومن خلال هذه النقاشات، يختار الطبيب إستراتيجيات للحد من المخاطر.

وعلى سبيل المثال، يحاول المدمن عدم الربط بين المعنويات المنخفضة والمشتريات من خلال تطوير طرق أخرى لتنظيم عواطفه واحتياجاته، كما يمكن أن التخلي عن حمل بطاقاته المصرفية، ويتجنب المرور بالمتاجر المغرية، ويتجاهل قراءة النشرات التي تعرض المنتجات والخدمات، إضافة لإلغاء الاشتراك بالقوائم البريدية وإلغاء تنشيط إشعارات الاستهلاك.

وقد يطلب الأشخاص الأكثر تضررا وضعهم تحت رعاية إدارة علاجية خلال فترة حساسة، وأخيرا، يخلص الطبيب إلى أنه من الضروري أيضا مراعاة الأمراض المصاحبة المحتملة، مثل القلق أو اضطراب المزاج الذي سيتطلب علاجات مختصة إضافية.

المصدر : الصحافة السويسرية