صلح الأمازيغ والعرب.. عيد تحتفل به سيوة المصرية كل عام

)يوم الصلح- واحة سيوة(مواقع التواصل
في عيد المصالحة يجمع شتات المتخاصمين على أرض واحة سيوة (مواقع التواصل)
 شيماء عبد الله-القاهرة

"تيخرخارين تيبريارين تقطوشين جلباب نجبناخ إجت أتش الناخ". هذا ليس خطأ في الكتابة، لكن كان علينا أن نفتتح قصة الواحة المصرية "سيوة" بهذا المقطع من تراث الحكي السيوي.

هي جملة باللغة السيوية؛ قريبة الشبه بلغة الصحراء الأمازيغية، تبدأ بها الحكايات، وتفتتح بها المجالس، مثل مثيلتها في العربية "كان يا ما كان.. يا سادة يا كرام"، وباللغة السيوية يستهل الحديث عن الواحة المقدسة القديمة "واحة الغروب".

قبل الدخول إلى عالم واحة سيوة، نعيد ما قاله عنها المؤرخ الإغريقي هيرودوت: "بعد السَّفر إلى قلب الصحراء، يمرُّ المرء بأحراش تمرح فيها الوحوش البرية، وخلفها منطقة الرمال الكثيبة، التي تمتد من طيبة في مصر حتى أعمدة هرقليس. في هذه المنطقة بالتحديد، يصادف المرء بعد مشي على القدمين لعشرة أيام آثارا مغطاة بأحجار الملح، الذي تحوَّل إلى بلورات من الكريستال العملاق، وفوق قمة تلك الروابي، ومن قلب الملح، يتفجر ماء عذب متجدد، ليصبح عينًا خلف الغابات البرية".

بعد كل تلك الأزمنة التي مرت لا تختلف الصورة أبدا، فما زالت جبال الملح تستقبل الزائرين، والماء العذب يصالح المتخاصمين، وغابات الزيتون تنتظر الحصاد.

في منتصف أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، تتجه الأنظار نحو تلك البقعة، فائقة الخضرة، وسط بحر من الرمال، لا شيء يسمو على هدوئها، ولا راحة تعلق بروح كما ترتاح الأرواح في حضرتها. في ذلك التوقيت السنوي تقام الاحتفالات، وتبدأ مواسم الزيارات، لثلاث ليال قمرية في منتصف الشهر، فيها يستدير القمر، وتستدير الواحة ويتجمع أهلها، للاحتفال بمواسم العيد السيوي الأشهر، يوم الصلح، وعيد الحصاد.

وهو عيد لم تقره الدولة، ولم تسنه مواقيت الأهلة، لكنها أيام حفظتها ذاكرة الصحراء، ودونتها قلوب السيويين، تجمع شتات المتخاصمين، وتحتفل بحصاد الزيتون، وفي ظلال الأحبة الراقدين في الجبال ينضوي أهل سيوة في سفوحها.

واحة سيوة(مواقع التواصل) 
واحة سيوة(مواقع التواصل) 
 أصل العيد السيوي
ثلاثة أسماء أطلقت على الاحتفال السيوي السنوي: عيد السياحة "اسياحت" بالأمازيغية، وعيد المصالحة، وعيد الحصاد. فالعيد الذي يتزامن مع موسم حصاد أهم محاصيل الواحة البلح والزيتون، يطلق عليه أيضا عيد السياحة، وهي الكلمة التي لا تقترب من المعنى الدارج لها، لكنها السياحة في حب الله، بمعنى أقرب للصوفية، فهناك تشابه كبير بين طقوس هذا العيد وطقوس الموالد الصوفية المعروفة في مصر، أما أصل عيد المصالحة فهو ما تحتاج قصته إلى شرح أكثر إيضاحا.

المصالحة السيوية
قبل 160 عاما، كانت تسكن الواحة عدة قبائل مختلفة الأصل؛ بعضها من أصل أمازيغي، والبعض من أصول عربية، وكانت الحروب والاختلافات بينهم على أشدها، وأنهكت الحرب الواحة وأهلها، حتى ترك ساكن الجبل صومعته، وعرف أهل السفح العارف بالله محمد حسن المدني الظافر؛ مؤسس إحدى الطرق الصوفية الشهيرة، الذي أوتى من الحكمة ما كان كافيا لنزع فتيل الأزمة، في ذلك الزمان، وينهي الحرب الدائرة التي كادت تقضي على الواحة وسكانها.

نزل من جبل الدكرور، رجل يسعى للمصالحة، طارحا فكرته التي صارت من بعده احتفالا سنويا مقدسا لدى أهالي الواحة، فيخرج من كل بيت طبق به رغيف خبز، ومبلغ من المال، قل أو كثر، كل على حسب استطاعته، ويبدأ الطباخون تجهيز الوليمة، ويخرج الرجال والأطفال في رحلة زهد مدتها ثلاثة أيام نحو الجبل، يبيتون في الخيام، أو البيوت السيوية القديمة.

‪في اليوم الرابع للاحتفال تطهى كميات كبيرة من الفتة  أو ما يطلق عليه
‪في اليوم الرابع للاحتفال تطهى كميات كبيرة من الفتة  أو ما يطلق عليه "النفحة"‬ (مواقع التواصل)

على مدار ثلاثة أيام يمتد الاحتفال، بحصاد البلح والزيتون، الذي يسبق الانتهاء منه ذلك الاحتفال، وذكرى المصالحة الأكبر في تاريخ الواحة، وكذلك العيد الذي سنه القدماء للاحتفال بذكرى العارف بالله، على طريقة الموالد الصوفية، فتجهز الفتة للاحتفال، ويلتقي الشباب في جلسات الإنشاد والذكر والغناء السيوي القديم، في الصباح تعد الفتيات المكان للرجال، ثم يبتعدن عن المشاركة، فالنساء السيويات لا يشاركن في تلك الاحتفالات، كما هي العادة، سيوة واحة تجل المرأة، وتوقرها في منازلها.

في اليوم الرابع للاحتفالات تؤكل الفتة (لحم وأرز وخبز)؛ أو النفحة؛ كما يطلق عليها، التي شارك في صنعها الجميع، داعين أن يعم السلام الواحة، وأن يبقى نذر العارف السنوي لها بالخبز واللحم، شفيعا لها ولأهلها فتشملهم الرحمة وتغشاهم السكينة.

المصدر : الجزيرة