زي المرأة السلطية.. جمالية الفرح وبهجة التراث الشعبي الأردني

شموخ المرأة السلطية في حلتها الزاهية
ثائرة عربيات: أثواب المرأة السلطية أسهمت في صقل شخصيتها عبر التاريخ ومنحتها الثقة الكبيرة بالنفس (الجزيرة)

خالد المجالي-عمان

ما يزال الزي التقليدي والمتوارث عبر الأجيال مصدر فخر واعتزاز للمرأة الأردنية، كما أن المجتمع الأردني المحافظ في طبعه والمتمسك بالعادات والتقاليد هو أيضا يحتفي ويتفاخر بتراثه وفولكلوره، ويعتبره جزءا أصيلا من الهوية الوطنية، سواء ذلك المتعلق منه بالملبس والمأكل أو السلوك اليومي ونمط العيش وعادات الضيافة وطقوس الأفراح والأتراح.

وفي السلط، المدينة الأردنية العريقة الواقعة وسط البلاد، وبالقرب من العاصمة عمان، والمطلة على جبال فلسطين وسهولها ومدنها القديمة؛ مما جعلها متأثرة بالتراث الفلسطيني والشامي غير البعيد أيضا؛ تجتهد المرأة في الحفاظ على زيها التقليدي العائد لمئات السنين، وتكافح من أجل تقديمه بصورة تعكس جمالياته وأبعاده الاجتماعية والجمالية، رغم تطور الحياة وظهور أنماط عملية جديدة من الألبسة المتسقة مع روح العصر ووضع المرأة الاجتماعي المعاصر.

جمالية عالية
لزي المرأة السلطية ميزات جمالية عالية، ومختلفة بصورة كبيرة عن باقي الأزياء التقليدية المعروفة في الأردن وبلاد الشام، ورصدت الجزيرة نت نماذج مختلفة منه، لتتعرف على أنماطه وقيمته التاريخية، وتضيء بصورة خاصة لباس العروس السلطية المعروف "بالخلقة"، والذي يشكل بتطريزاته ونقوشه عملا إبداعيا بامتياز، برعت المرأة السلطية في صناعته وتفننت في طرق ارتدائه.

‪تطريز يحاكي طبيعة السلط الجميلة والغنية بالزهور والنباتات‬ (الجزيرة)
‪تطريز يحاكي طبيعة السلط الجميلة والغنية بالزهور والنباتات‬ (الجزيرة)

ثراء لوني
ولكن، بماذا يختلف زي المرأة السلطية التقليدي عن باقي أزياء النساء في المدن الأردنية؟

هذا السؤال وجهناه للباحثة في التراث وابنة مدينة السلط، والمشرفة على مشاريع وطنية للحفاظ على أثواب المرأة السلطية التقليدية السيدة ثائرة عربيات حيث تقول إن لباس المرأة السلطية يتميز بخامته ومواده الأولية الفاخرة، إضافة إلى غناه اللوني الذي يعكس طبيعة مدينة السلط الغنية بغاباتها وسهولها الخضراء المزهرة معظم أيام السنة بألوان الزهور والنباتات.

بسيطة رغم صعوبة صنعها
وينفرد اللباس بصعوبة صنعه وإعداده، لذا تتشارك في صناعة الثوب الواحد أكثر من ثلاث سيدات، كما أنه يتميز بتعدد أنماطه؛ فللعمل اليومي في الحقل مدرقة بسيطة وعملية، لكنها جميلة وأنيقة، وللأفراح والسهرات أيضا أثواب مطرزة بأشكال مختلفة، ومنها قطب قرط المرجان والعريجة والفناجين وغيرها، وتتضمن الحلي الخاصة وغطاء رأس مطرز.

وتؤكد عربيات أن أثواب المرأة السلطية أسهمت في صقل شخصيتها عبر التاريخ، ومنحتها الثقة الكبيرة في النفس، وعززت قيمتها كامرأة أولا، وكسيدة مجتمع وأم ومواطنة تقوم بواجباتها على أكمل وجه.

‪العروس السلطية‬ (الجزيرة)
‪العروس السلطية‬ (الجزيرة)

"الخلقة".. ثوب العرس
أما عن ثوب العرس الذي يعد استثنائيا بجماله وفخامته، فتقول الباحثة ثائرة عربيات "يحمل هذا الثوب المسمى "الخلقة" معاني العزة والشموخ والحشمة الأنيقة، ويستهلك من القماش أكثر من عشرين مترا، ويقسم إلى أربعة أجزاء، تستخدم فيها أقمشة من أنواع مختلفة، منها التوبيت، وغزالين، ووارد عنز، وروت، إضافة إلى أنواع الخيوط الحريرية التي تستخدم للرسوم والزينة، ويسمى الجزء الرئيسي للخلقة بالبدن، وهو الصدر، ويكون محلى بتطريز خفيف وناعم على محيط القبة، وله جزء يسمى اللسان، وهو طويل ويصل إلى الركبة".

وتضيف شارحة التفاصيل التصميمية لهذا الثوب الفريد؛ "أما البنايق فهي قطع قماش مثلثة الشكل، وتغطي كامل الجسم، و تكون عادة فضفاضة لتسهل الحركة وخطوات المشي وتزين بشكل المناجل، ثم الأردان (الأكمام) الطويلة ذات اللونين الكحلي والأسود، ومحيط الخلقة مطرز بخيوط حريرية برتقالية وزرقاء وخضراء، أما الحطة التي توضع على الرأس فتصنع غالبا من حرير القز، وتكون مطعمة بخيوط ذهب حقيقية تلف عدة لفات وتتخللها أهداب حريرية مذهبة تتدلى من رأس المرأة حتى صدرها، وتعلوها القراميل التي تُجدل بها جدائل النساء السلطيات، وتكون عادة من الحرير الأسود أو البني".

‪الحطة التي توضع على الرأس تصنع عادة من حرير القز وتكون مطعمة بخيوط ذهب حقيقية‬ (الجزيرة)
‪الحطة التي توضع على الرأس تصنع عادة من حرير القز وتكون مطعمة بخيوط ذهب حقيقية‬ (الجزيرة)

المجوهرات لاكتمال الأناقة
ولا تكتمل أناقة المرأة السلطية دون المجوهرات، حيث كانت تحرص -لا سيما في الأعراس والمناسبات السعيدة الأخرى- على أن تكلل أناقة ثوبها بالحلي والمجوهرات الذهبية والفضية، كالمباريم والأساور والخلاخيل والخواتم المرصعة بالأحجار الكريمة، إضافة إلى حرصها على تزيين كفيها وذقنها بالوشم الأخضر؛ الذي كان منتشرا كزينة تحرص عليه المرأة في الأردن وبلاد الشام عادة".

ببهجة ألوانه، وبديع تشكيله ورسمه، وما يحمله من عبق الماضي؛ سيبقى ثوب المرأة السلطية راسخا في الذاكرة الجمعية، مذكرا بالدور الذي اضطلعت به المرأة السلطية على مدى قرون، وسمو مكانتها ودورها الاجتماعي. 

المصدر : الجزيرة