اهتمام الأتراك برعاية القطط.. أكبر من مجرد الألفة والتسلية

محمد عبد الملك-إسطنبول

"أعيش كل وقتي معها، ننام في سرير واحد، أصطحبها إلى كل مكان، وأحيانا آخذها إلى طبيب بيطري لفحصها، ولا أذوق طعم الراحة إلا بعد أن أتأكد أنها أكلت طعامها جيدا. لم أكن أتوقع أنها ستصبح جزءا من حياتي اليومية إلى هذا الحد، أحيانا أخشى أن أفقدها، عندئذ بكل تأكيد سأشعر بالوحدة والملل"؛ بهذا بادرتنا الفتاة التركية آزاد كاراهان وهي تحدثنا عن قطتها التي تلازمها منذ أكثر من عام.

ليست آزاد الوحيدة في تركيا التي تحرص على الاهتمام بالقطط، فهناك المئات من الأتراك الذين أصبحت تربطهم علاقات وثيقة بالقطط يمكن وصفها بالحميمية، فهم يهتمون بها ويطعمونها ويبتكرون وسائل لتسكينها وحمايتها من البرد في الشتاء، بل إن هناك من لديه العشرات منها وقد كرس جلّ وقته لرعايتها.

ألفة كبيرة
يعمل الشاب التركي إيتين أولكر (28 عاما) بشكل دوري على تغسيل قطته، وفي ذروة أيام البرد يستخدم لها أغطية (شراشف) خاصة، ويطعمها جيدا قبل ذلك، كما يستخدم مجفف الشعر (سشوار) لتجفيفها، وفقا لحديثه للجزيرة نت.

ويعتقد الشاب التركي أن القطط الأليفة لا تجلب الأمراض كما هو شائع، عدا حالات معينة لا يتم فيها الاهتمام بنظافتها وتغذيتها بشكل سليم، ويكون ذلك غالبا عن طريق القطط الضالة.

ولعل القصة الأشهر بين الأتراك هي حكاية السيدة فاطمة باستيك التي أصبحت تلقب بـ"أم القطط"، منذ أن كرست حياتها قبل 12 عاما للعناية بقطط الشوارع في مدينة إسكندرون بولاية هاتاي جنوبي تركيا.

‪السيدة التركية فاطمة تهتم بأكثر من ستين قطة منذ 12 عاما‬ (الجزيرة)
‪السيدة التركية فاطمة تهتم بأكثر من ستين قطة منذ 12 عاما‬ (الجزيرة)

تطعم 60 قطة
وتجمع فاطمة (65 عاما) المساعدات من محبي القطط من أهالي منطقتها، لشراء طعام لأكثر من ستين قطة تقضي أغلب وقتها معها في شوارع المدينة وأزقتها وحدائقها، تطعمها وتلعب معها وتستمتع بمحبتها.

ولبحث سرّ هذا الاهتمام الكبير الذي يوليه الأتراك بالقطط، تحدثت الجزيرة نت مع مراد غول، أحد أصحاب محلات بيع الحيوانات في إسطنبول، فقال إن الدوافع تختلف من شخص لآخر ولكنها تلتقي في أغلبها عند الشعور بالإنسانية والعطف على القطط، فضلا عن الرغبة في التسلية.

وهناك أنواع كثيرة من القطط الأليفة في تركيا بحسب غول، ولكن يبقى أشهر الأنواع على الإطلاق هو قط "الفان" التركي الذي يتميز بمظهره الأبيض الجميل ويعيش في منازل الأتراك، ويختلف على بقية أنواع القطط الأخرى في أنه يحب السباحة ويألف كل من يجعله يأكل ويسبح.

اهتمام رسمي
ويلمس الزائر لإسطنبول اهتمام المواطنين بالقطط بمجرد المرور في شوارعها التي تخصص فيها أماكن للخبز وطعام القطط والمياه، إضافة إلى أماكن خاصة بإيواء القطط الضالة منها المقاهي والمحال التجارية وحتى المساجد وأمام المنازل في معظم الأحياء.

ولا يقتصر الاهتمام بالقطط وبقية أنواع الحيوانات على المستوى الشعبي فحسب، ولكن هناك دورا بارزا للسلطات التركية ممثلة في بلديات المدن التي لم تتردد في توفير البيئة المناسبة للقطط ورعايتها، من خلال إنشاء حديقة مرسين كأول حديقة خاصة بالقطط، فيها كل ما يلزمها من بيوت صغيرة لنوم القطط بطمأنينة وطعام وأوعية ماء.

كما عملت البلدية على تثبيت كاميرات أمان حول الحديقة، لمنع أي هجمات من الكلاب أو تهديدات أخرى، وأحاطتها بسياج معدني لمنع دخول أي إنسان أو حيوان غير القطط التي صممت لها مداخل صغيرة خاصة بها.

‪القطط الأليفة تعيش في منازل الأتراك‬ (الجزيرة)
‪القطط الأليفة تعيش في منازل الأتراك‬ (الجزيرة)

قرية "ذا كايتي"
وتعد أيضا قرية "ذا كايتي" في ولاية جناق قلعة نموذجا آخر لاهتمام السلطات بالقطط، حيث تعتبر هذه القرية موطنا ومأوى للقطط الضالة، وفيها يتلقى المريض منها العلاج من قبل أطباء بيطريين.

وأنشأت تركيا أيضا مؤسسة هاتاي للطبيعة والحياة في مدينة أنطاكية خصيصا للقطط المعوقة والحديثة الولادة وغير المرغوب فيها، على أرض مساحتها أربعمئة متر تبرع بها محبو الحيوانات المحليين.

‪مركز حماية القطط في‬ (الجزيرة)
‪مركز حماية القطط في‬ (الجزيرة)

أشهر قطط تركيا
ولعل أشهر القطط في تركيا هو القط الأكثر بدانة "تومبيلي"، الذي مات قبل عامين ونصبت له بلدية قاضي كوي في إسطنبول تمثالا نهاية العام يزوره الأتراك والسياح، ويضعون إلى جانبه سبحة وكأس شاي، في إشارة إلى النعمة التي عاش القط في كنفها.

ولا تزال المعتقدات القديمة لدى الأتراك حول القطط قائمة حتى اليوم، فإضافة إلى كونهم يؤمنون بأن في تربيتها تعد اتباعا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، يرى بعضهم أن القطط الصفر تجلب الخير على عكس القطط السود التي تجلب الشؤم، بحسب ظنهم.

وتعتقد بعض الثقافات أن القطط لها تسعة أرواح بينما يعتقد آخرون أن لها سبعة فقط، ومنهم من يظن أن لها تأثيرا في الشفاء.

المصدر : الجزيرة