الفلسطيني عبد ربه.. يبدع بتدوير الإطارات وصولا إلى "صفر نفايات"
عاطف دغلس-نابلس
الإطار الأسود
يعمل الخبير البيئي الفلسطيني أيمن عبد ربه (45 عاما) منذ أربع سنوات في الإطارات، لكن باعه طويل في تدوير المخلفات الصلبة، بدأه بعد تحرره من سجون الاحتلال الإسرائيلي، والتحاقه بوظيفة في سلطة جودة البيئة الفلسطينية قبل نحو 15 عاما.
ببضع دقائق يصبح الإطار الأسود بيد عبد ربه، المنحدر من قرية قوصين بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية، قطعة فنية جميلة ومفيدة، بعد أن كان بطريقه لمكب النفايات أو الحرق بهدف إتلافه.
النفايات الصلبة
قبل أن يتجه للإطارات أتقن عبد ربه جيدا تدوير النفايات الصلبة من الورق وعبوات البلاستيك والحديد والزجاج، وحوَّلها لوسائل تعليمية وتربوية وأخرى للخدمات العامة الترفيهية والرياضية.
يفترش عبد ربه الأرض وبين يديه الإطار، وبكل طاقته يسحب باطنه للخارج ليجعل منه شكلا يشبه قرص الشمس أو شكلا آخر يؤدي الغرض الذي أراده به.
تنوع وتطور
يتابع عمله وهو يسرد للجزيرة نت سر تدويره للإطارات، ويقول "استخدمت بشكل بسيط من قبيل الأرصفة والجدران الاستنادية، وأغلبها يُلقى به لمكبات النفايات".
وبالتعمق والبحث أكثر بأدوات بسيطة تنوعت بين المقص والمفك الكهربائي والسكين الحاد (المشرط) صار عبد ربه يحترف تدوير الإطارات، وصنع منها مجسمات تنوعت بين أريكة ومقاعد منفردة ودلة (إبريق) القهوة والفناجين خاصتها، ولألعاب أطفال وأشكال حيوانات وسلال للنفايات.
ثم تُطلى الإطارات بألوان زاهية تزيد جمالها لتتناسب ومكان استخدامها لا سيما داخل حديقة عامة أو مدرسة أو رياض أطفال، ويقول إنها تشكل بذلك "راحة نفسية" تُغير من قتامة لونها المعروفة به.
من المدارس انطلق عبد ربه في تطوير فكرته، ولاقت أعماله لاقت ترحيبا من وزارة التربية والتعليم، كونها لم تقتصر على الانتفاع من الإطارات وحسب، بل يُدرب الطلبة ويُكسبهم مهارات لتدوير النفايات.
في سجنه طوال 14 عاما كان عبد ربه والأسرى يستغلون بقايا الأواني والطعام والأوراق، كصنع سُبحات من نوى الزيتون، ساعده ذلك بتنمية موهبته والاستفادة من تجارب الأسرى، فالسجن حسب وصفه يعرف بأنه "صفر نفايات".
"صفر نفايات"
هذه القاعدة (صفر نفايات) طبقها عبد ربه بمدرسة دير شرف قرب نابلس، حيث صنع بالإطارات مقاعد وألعاب وأدوات تعليمية جعلتها تحظى بالمرتبة الأولى كأجمل حديقة على مدارس المدينة.
لهذا يسعى أحمد عرابي مدير المدرسة للحفاظ عليها بيئيا وجماليا، فأطلق والأساتذة لجنة صحية وأشرك التلاميذ فيها ليُعزِّز لديهم ثقافة المسؤولية العامة بالنظافة والترتيب، ومن محال الميكانيك جلب عرابي الإطارات واشترك والطلبة مع عبد ربه في تدويرها لتمكينهم من العمل وحدهم مستقبلا.
"عمو أيمن"
على أرض الواقع بدا الاهتمام بالمدرسة واضحا، فالإطارات باستخداماتها المتعددة ملأت المكان والجدران طُليت وخطت برسومات وشعارات تُقوِّم سلوك الطلبة وتحثهم على الاهتمام ببيئتهم.
كان لقمان نوفل وأصدقاؤه في الصف الرابع الأساسي يعون أهمية محافظتهم على بيئة مدرستهم، ولهذا أسسوا لجنة صحية وتناوبوا عبرها على تنظيف الساحات الخارجية والاعتناء بالحديقة ومساعدة "عمو أيمن" كما يسمونه بتدوير الإطارات.
ثلاثمئة فكرة
ورغم حداثة تدويرهم لها فإن الفلسطينيين استخدموا الإطارات كشكل من أشكال نضالهم ضد الاحتلال عبر إشعالها خلال المواجهات ونصبها كحواجز لقطع الطرق على الاحتلال وإعاقة ملاحقتهم للمتظاهرين.
بأعماله جاب عبد ربه مدن الضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 1948، ودرَّب آلاف الطلبة عبر أنشطة تعليمية وتوعوية مختلفة، وأعاد تدوير أكثر من أربعين ألف إطار، ويقول إن همه الوصول إلى كل المدارس.
وداخل مقر عمله في سلطة البيئة بنابلس يبدو كل شيء أعيد تدويره، ما يزيد على ثلاثمئة فكرة أنتجها عبد ربه تناثرت بزوايا المكان وأضفت عليه جمالا، وصار مقصدا للسياحة العلمية لعشرات الطلبة والباحثين البيئيين.
متحف التدوير
يعكف عبد ربه على نقل هذه الأفكار والمشغولات إلى منزله قريبا، وقد تبرع بغرفتين منه لجعلهما متحفا يستقبل فيه زوَّاره ويعزز وإياهم أعماله في تدوير النفايات والأدوات ويسعى لتطورها، وينشغل فكره بهدر هذه الكميات الكبيرة من الإطارات، ويتساءل فيما إذا كان سيوفر آلية أوسع للاستفادة منها.