الجماعات الإسلامية في إندونيسيا

r_Radical Indonesian Muslim cleric Abu Bakar Bashir arrives at south Jakarta's court compound March 14, 2011. In the fifth session of his trial, state prosecutors present six witnesses to testify. Four men,

باعشير أثناء اقتياده للمحاكمة في مارس/آذار الماضي (رويترز)

تعود الجماعات الإسلامية في إندونيسيا في جذورها إلى مجموعة واحدة ظهرت عام 1912 تحت اسم الرابطة الإسلامية وهي أول حزب سياسي وطني نشأ في ذلك البلد من نقابات مهنية أسستها تيارات قومية بزعامة تيرتو أضحي سوريو بهدف الوقوف أمام تمدد نفود الأقلية الصينية.

 
وبعد عشر سنوات من تأسيسها قاد زعيم ديني يدعى الحاج أغوس سالم الرابطة الإسلامية إلى اتجاه يؤمن بالعنف عبر تسيير مظاهرات مناوئة للصينيين في مدينتي كودوس وسولو.
 
وانطلاقا من مقره في جاوا الوسطى، بدأت الرابطة تمثل الشرارة الأولى لما يوصف بالأسماء المتداولة حاليا بالتطرف الإسلامي في إندونيسيا الحديثة بالتوازي مع ترسيخ الهوية القومية لشعب جاوا.
 
ومما تجدر الإشارة إليه أن اثنين من كبار حركة الاستقلال في إندونيسيا –سوكارنو وسيكرامادجي ماريجدان كارتوسويرجو- خرجا أصلا من عباءة الرابطة الإسلامية، مع التذكير بأن سوكارنو -الرئيس الإندونيسي الأسبق- ترك الرابطة عام 1927 ليؤسس الحزب الوطني الإسلامي الذي قاد حركة التحرير المسلح وأسس الجمهورية الحديثة.
 
أما زميله كارتوسويرجو -الذي اختار البقاء في الرابطة- فبدأ بإطلاق دعوته الشهيرة لإقامة الدولة الإسلامية في إندونيسيا عام 1936، واللافت للنظر أن اليابانيين وبعد احتلالهم إندونيسيا بعد انتزاعها من يد الهولنديين عام 1942سمحوا لكارتوسويجرو بإقامة معسكرات تدريب للمقاتلين في جاوا الغربية ومن هنا نشأ ما بات يعرف لاحقا باسم "حزب الله".
 
ومن أهم الجماعات الإسلامية المسلحة في إندونيسيا عبر تاريخها منذ الاستقلال:
 
1- دار الإسلام:
مع استقلال إندونيسيا عام 1948، أعلن كارتوسوريجو الدولة الإسلامية بعد أيام فقط من إعلان سوكارنو ومحمد حتا الاستقلال، قبل أن يتراجع لاحقا بيد أن اسم الدولة بقي قائما مع إعلانه بدء التمرد المسلح ضد دولة الاستقلال الجديدة انطلاقا من جاوا الغربية تحت اسم دار الإسلام.
 
وتمكنت الحركة خلال الفترة ما بين 1949 و1953 أن تستقطب المزيد من الحلفاء والمؤيدين لها في جاوا الوسطى وكالمنتان وآتشه وأهم من ذلك كله في جنوب سولاويزي تحت اسم حركة تنتارا إسلام إندونيسيا بقيادة قاهر مذكر الذي كان ضابطا في الجيش وعمل في فريق الحماية الشخصية للرئيس سوكارنو.
 
وفي العام 1958، أصبح مذكر وحركته جزءا من حركة الجمهورية الإندونيسية الثورية التي كانت تنشط في سومطرة وسولاويزي، بيد أن هذا التمرد وعلى الرغم من هزيمته أوائل العام 1950 ظل مستمرا حتى إلقاء القبض على كارتوسوريجو وإعدامه عام 1962.
 
كان هذا التاريخ تحولا كبيرا في حياة الجماعة التي انحسر نفوذها حتى أواخر السيتينيات عندما بدأت تعيد تجميع نفسها وتم اختيار داود بوريويه لقيادة الجماعة عام 1967 باعتباره واحدا من القياديين القلائل المتبقين الرافضين للتحالف مع جمهورية إندونيسيا مقابل الحصول على عفو شامل.
 
وخلال السنوات العشر التالية من عمر الحركة وفي عهد الرئيس سوهارتو، ظهرت فصائل داخل الحركة منها كوماندو الجهاد التي نشطت بشكل ملحوظ عام 1976 بسلسلة من الهجمات المسلحة التي استهدفت بعض المساجد والكنائس.
 
وردت قوات الأمن على ذلك بحملة اعتقالات شملت قيادات الجماعة قبل إجراء الانتخابات العامة في البلاد في مايو/أيار1977 خشية من تحرك الجماعة (رابطة الإسلام) لحشد المؤيدين لها.
 
وبعد ذلك التاريخ بعامين، عاد فصيل كوماندو الجهاد للقيام بعدة عمليات عرف باسم "إرهاب ورمان" نسبة إلى قائد الفصيل موسى ورمان الذي خطط لقتل العديد من المخبرين الذي ساعدوا السلطات في اعتقال قيادات رابطة الإسلام، بالإضافة للقيام بعمليات سطو مسلح بهدف تأمين التمويل اللازم.
 
في نفس الفترة ظهر فصيل جديد من عباءة رابطة الإسلام تحت اسم المجلس الثوري الإسلامي الإندونيسي بقيادة عمران بن زين الذي استوحى الفكرة من الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة الخميني الذي طلب ورمان منه الدعم مرارا لكن دون استجابة.
 
وفي عام 1981 اختطفت الحركة طائرة إندونيسية وطالبت بإطلاق العديد من قيادات الرابطة المعتقلين لدى الحكومة ومن بينهم عبد الله سونغكار أحد القيادات المرموقة للرابطة في سولو.
 
وعلى مدى تاريخها الطويل، لم تعرف رابطة الإسلام شكلا تنظيميا واحدا بل مجموعة من الحركات والفصائل تتظلل تحت رايتها، كما فشلت في توسيع قاعدتها الشعبية خارج إطار قاعدتها التقليدية في الأوساط الدينية المتشددة لتبقى تنظيما فضفاضا يطالب بإقامة الدولة التي تطبق الشريعة الإسلامية.
 
2- الجماعة الإسلامية
خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي وبعد سلسلة الاعتقالات التي شملت قيادات الرابطة الإسلامية، بدأ أنصار الرابطة باستخدام الأسم الأصلي مقابل اسم كوماندو جهاد الذي بقي هو الأخر كفصيل يؤمن بالعنف المسلح على قيد الحياة تحت قيادة أجينغان مصدوقي الذي تحول إلى إمام لكامل الجماعة عام 1987 وأحضر معه اثنين من الدعاة اليمنيين إلى جاوا الوسطى وهما عبد الله سونغكار وأبو بكر باعشير.
 
يشار إلى أن الاثنين –سونغكار وباعشير- كانا قد التقيا عام 1963 وأسسا مدرسة إسلامية في نغوركي إحدى ضواحي مدينة سولو عام 1972 ثم إذاعة مناوئة لحكم الرئيس سوهارتو.
 
وفي عام 1976، التقى شونغكار وباعشير مع الحاج إسماعيل برانوتو الملقب هسبران وبحث معهما مسألة انضمامهما إلى حركة كوماندو جهاد، ومن هنا بدأ النقاش بشأن تشكيل ما أصبح يعرف لاحقا باسم "الجماعة الإسلامية".
 
بعد اعتقالهما لعدة سنوات، خرج سونغكار وباعشير من السجن عام 1982 حيث باشرا بالدعوة لإستراتيجية جديدة للرابطة الإسلامية استنادا إلى أفكار المنظر الإسلامي المصري حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر.
 
ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن عملت الجماعة الإسلامية والرابطة الإسلامية في إندونيسيا على تفتيت المنظمات إلى أجزاء صغيرة لا يوجد بينها أي رابط أو اتصال بهدف حمايتها من ملاحقة السلطات.
 
وعلى الرغم من أن هذه الإستراتيجية لم تنجح بعد وقوع عدد من أعضاء الخلايا الصغيرة في يد السلطات الأمنية وإفشاء هويات رفاقهم في المجموعة نفسها، بيد أن القيادات الهرمية العليا للتنظيم بقيت سليمة.
 
وفي العام 1987 وبعد استلامه منصب الإمام العام للرابطة الإسلامية، عين مصدوقي باعشير في منصب وزير العدل وسونغكار في منصب وزير الخارجية في إطار حكومة ظل لعب فيها الأخير دورا كبيرا بعد توسع علاقات التنظيم مع جماعات أخرى خارج الحدود الإندونيسية.
 
وخلال هذه الفترة، ارتبطت الجماعة بما يعرف باسم مكتب الخدمات الموجود على الحدود الباكستانية الأفغانية والذي كان مكلفا بتجنيد المقاتلين ضد قوات الاتحاد السوفياتي السابق في أفغانستان تحت راية الجهاد المقدس.
 
في هذه الأثناء أرسل سونغكار مندوبين عن الرابطة إلى مكتب الخدمات للمساعدة في إعداد وتدريب مقاتلين من جنوبي شرقي آسيا وكان منهم أزهري بن حسين ذو القرنين المطلوب إندونيسيا لتورطه في صناعة القنابل والمتفجرات في استهداف مصالح غربية داخل إندونيسيا، بالإضافة إلى رضوان عصام الدين الحنبلي.
 
وفي العام 1988 التقى مصدوقي وسونغكار وباعشير خلال رحلة إلى باكستان بأسامة بن لادن وعبد الله عزام وبالعديد من المتدربين من جنوبي شرقي آسيا في معسكرات تدريب المجاهدين.
 
وفي مطلع التسعينيات ومع بروز تنظيم القاعدة على يد بن لادن -الذي قتل في غارة أميركية على منزل بمدينة إبت آباد الباكستانية في 2 مايو/أيار 2011- وضعت الجماعة الإسلامية لنفسها رؤية جديدة لإقامة دولة إسلامية تضم إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وأجزاء من الفلبين وتايلند.
 
بيد أن الجماعة الإسلامية تلقت ضربة قوية بعد اتهامها بالوقوف وراء تفجيرات بالي عام 2002 واعتقال وتنفيذ حكم الإعدام بعدد من أعضاء الجماعة عام 2008.

المصدر : الجزيرة