تترستان تشهد عودة إلى الإسلام

undefined

بعد أكثر من 70 عاما من الحكم السوفياتي عاد كثير من التتر الذين يمثلون أكثر من نصف سكان المنطقة الواقعة على نهر الفولغا إلى الإسلام مرة أخرى في حين انتشرت المساجد في أنحاء المنطقة لتذكي المشاعر الدينية والعرقية وأصبحت اللغة التترية لغة رسمية إلى جانب الروسية.

وممن عادوا إلى الإسلام في هذه الجمهورية ألميرا هيديا المحررة السابقة في مجلة نسائية سوفياتية والتي اعتنقت الإسلام بعد تقاعدها.

وتخوض ألميرا أحدث معاركها مع وزارة الداخلية الروسية إذ تطالب بوضع صورتها بالحجاب في جواز سفرها.

وتقول ألميرا -الرئيسة الحالية لجمعية نسائية في جمهورية تترستان الروسية بعد أن تجاوز عمرها 70عاما- "يجب أن نطبق شرع الله". وأضافت "هناك فلسفة وراء الحجاب. إذا غطت النساء أجسادهن فسيبقى الرجال على العفة".

لكن تترستان نضجت الآن بعد أن كانت من بين أكثر المناطق التي سببت صداعا لموسكو في الأيام الأولى التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. إذ أصبح الشبان والشابات الذين حملوا الأعلام الحمراء والخضراء لتترستان في شوارع كازان مطالبين باستقلال المنطقة, معلمين وأطباء وموظفين عموميين. ولم يتوقع سوى قلة من الناس حلا سلميا في ذلك الحين.


أكثر ما يثير قلق روسيا هو مكانة تترستان المالية إذ أن بها العديد من مصانع إنتاج الأسلحة ونحو عشر احتياطي النفط الروسي

فعندما تدفقت القوات الروسية على الشيشان التي تقطنها أغلبية مسلمة في عام 1994 كانت كازان أيضا تضغط على موسكو التي ضعفت قبضتها على المنطقة. وبلغ الأمر ذروته عندما طالب المواطنون باستقلال المنطقة الكامل رغم إنها تبعد آلاف الكيلومترات عن الحدود الدولية. وأثناء حرب الشيشان والحملة الحالية التي بدأت في عام 1999 تجمع مئات من السكان في جميع أنحاء تترستان لمساندة المقاتلين الشيشان والتظاهر ضد استعراض القوة الروسي. إلا أن أكثر ما يثير قلق روسيا هو مكانة تترستان المالية إذ أن بها العديد من مصانع إنتاج الأسلحة ونحو 10% من احتياطي النفط الروسي.

ويقول مفتي تترستان "المعتدل" عثمان إسحاقوف "إن العديد من دعوات الاستقلال الثورية ترجع لأفكار غير صحيحة عن الإسلام والهوية العرقية". وأضاف "أجبرتنا الظروف من قبل على إرسال أطفالنا للخارج لباكستان والسعودية للدراسة" في إشارة للعهد السوفياتي عندما لم تكن بالمنطقة مدارس دينية. وتابع "عند عودتهم بدؤوا يراجعون الأئمة علنا. يمكن تشبيه الوضع بإعطاء مريض كل الأدوية في وقت واحد حتى كاد يموت".

وتحرك كثيرون ممن خطوا أول خطواتهم في الخارج جنوبا إلى الشيشان وأفغانستان بحثا عن صور أخرى للإسلام. ولكن بعد عشر سنوات وفيما لا تزال القوات الروسية تنتشر في الشيشان فإن تترستان تفخر بأنها نموذج للانسجام العرقي. وتابع المفتي قائلا "حين يذهب الناس للشيشان يدركون أسباب الحرب هناك وعندما يأتون إلى هنا يدركون الأسباب التي حالت دون نشوب حرب". وأضاف "أعتقد أن التتار يفكرون قبل أن يتحركوا. نعيش في وسط روسيا حيث تنخفض درجات الحرارة إلى 30 درجة مئوية تحت الصفر في الشتاء. لذا فإن الدماء التي تجري في عروقنا أبرد مما ستكون عليه في القوقاز".

لكن كثيرين يرجعون هذا التوازن الصعب إلى مرونة ومهارة زعيم تترستان مينتيمر شايمييف الذي يشبه إلى حد ما الزعيم السوفياتي الراحل ليونيد بريجنيف والذي يرأس المنطقة حاليا لفترة ثالثة. ومثله مثل أكثرية حكام الأقاليم الروسية بدأ شايمييف طريقه نحو السلطة في أروقة الحزب الشيوعي.

undefinedولا يخجل شايمييف من إبراز دوره التاريخي. ويقول وهو جالس على مقعد مذهب في مقر إقامته الفخم "عندما جاء الرئيس السابق بوريس يلتسين هنا وشاهد الناس يحتشدون في الميادين تحدث إليهم قائلا "خذوا ما شئتم من الحكم الذاتي", كان مضطرا لذلك إذ لم يكن أمامه خيار". ويضيف "عشت أعوام البريسترويكا عندما طالب التتار بالاستقلال التام. كان قلق الروس مفهوما ولكني قلت إن الأمور ستتحسن. فتحقيق آمالهم هو إنجازي الرئيسي".

وفي موسكو قال ألكسي مالاشينكو من معهد كارنيجي للسلام الدولي "شايمييف متهم بالفساد والطموح ومحاباة الأقارب مثل جميع القادة الإقليميين. لكن تترستان منطقة معقدة للغاية وقد أبقاها في قبضته". وتابع "رغم طموحه فإنه توصل للغة الملائمة في التعامل مع موسكو. يفرض نفسه عند الضرورة ولكنه يعرف كيف يلتقي معهم في منتصف الطريق".

ويتساءل شايمييف عمن يمكن أن يخلفه ويحافظ على التوازن الهش في المنطقة ويؤكد أن الرئيس يجب أن ينتمي إلى الوسط. ولكن هل يمكن أن يتولى الرئاسة مواطن من أصل روسي؟ يجيب شايمييف "من حق أي مواطن أن يخوض انتخابات الرئاسة. ولكن يجب أن يجيد اللغتين الرسميتين في المنطقة". ولا يجيد اللغة التترية سوى قلة من المواطنين من أصل روسي.

المصدر : رويترز