ميركل واللاجئون.. "تكيف وتشدد"

اليمين المتطرف رسم صورة عدائية لميركل بسبب استقبالها للاجئين . الجزيرة نت
اليمين المتطرف رسم صورة سلبية لميركل على خلفية استقبالها للاجئين (الجزيرة نت)

 

 

خالد شمت-برلين

 وضعت أزمة تدفق أعداد ضخمة من اللاجئين على ألمانيا منذ خريف 2015 المستشارة أنجيلا ميركل أمام واقع جديد، فرض عليها التخلي عن أسلوبها الحذر المبني على القراءة والتحليل انتظارا للحظة مناسبة لاتخاذ القرار، والتركيز بدلا من هذا على المبادئ وتلقائية التعامل ومسؤولية بلادها في سياستها بمواجهة أكبر أزمة إنسانية واجهتها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

واستبدلت ميركل طابعها العملي بدوافع إنسانية وأبرزت موقفا مبدئيا يهدف لتجنيب أوروبا كارثة كبيرة، بمعرض تبريرها لقرارها بفتح الأبواب لاستقبال أكثر من مليون لاجئ وفدوا لألمانيا، بعد إغلاق دول أوروبية واقعة على طريق غربي البلقان حدودها بوجههم.

وأفرزت الشهور الثلاثة التالية لاستقبال ألمانيا للاجئين حركة تضامن واسعة أظهرت للمرة الأولى تفوق المجتمع المدني في البلاد على المؤسسات الكبيرة للدولة، وتضافر العجز الحكومي باستقبال القادمين الجدد مع حادثة التحرش الجنسي الواسع بمدينة كولونيا مطلع 2016 بإيجاد مناخ معاد للاجئين وتحميل سياسة ميركل لـ"الأذرع المفتوحة " مسؤولية مشكلاتهم.

تكيف لا تغيير
بردها على انتقادات توالت لسياستها للجوء، عكس قول المستشارة إن ألمانيا لن تصبح بلادها "إن أغلفت حدودها أمام الباحثين عن حماية" صورة جديدة لميركل وتحولا رئيسيا بمسيرتها السياسية، وربطا غير مسبوق لمستقبلها السياسي بقضية اللاجئين.

لؤي المدهون: تعامل ميركل مع موضوع اللاجئين كرس صورة إيجابية لها 
لؤي المدهون: تعامل ميركل مع موضوع اللاجئين كرس صورة إيجابية لها 

ولفت باحث بجامعة كولونيا إلى أن تأييد سياسة الأبواب المفتوحة تحول مع بداية العام الجاري إلى انتقادات لميركل وتراجع شعبيتها، نتيجة تسبب ضغط الأعداد الكبيرة للاجئين وحادثة كولونيا بانتشار تصور لدى شرائح من الألمان بفقدان الدولة سيطرتها على الحدود، ووجود تهديد لبنية البلاد الديموغرافية.

وأضاف لؤي المدهون أن تعامل ميركل مع هذا الوضع بسياسة خارجية عملية عبر عقد اتفاقية أوروبية مع تركيا لاستعادة اللاجئين -وسعيها لاتفاقيات مماثلة مع دول أخرى- رسم لها بالنهاية شخصية السياسية الوحيدة المتحكمة بالأزمة.

وقال المدهون -بتصريحات للجزيرة نت- إن المستشارة لم تتراجع عن سياستها ومواقفها المبدئية تجاه اللاجئين، وإنما كيفية تعاملها مع واقع استقبال أكثر من مليون لاجئ.

وأوضح أن ميركل نجحت بهذا التكييف من خلال تشديد قوانين اللجوء خاصة لمواطني دول البلقان، وتسهيل إجراءات ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، وتمسكها بصحة موقفها من استقبال السوريين، ورفضها مطالب قطاعات بحزبها المسيحي الديمقراطي وشقيقه المسيحي الاجتماعي البافاري بوضع حد سنوي لأعداد اللاجئين.

وخلص الباحث بقضايا الهجرة بالمجتمعات الأوروبية إلى أن نجاح القوانين الداخلية والاتفاقيات الخارجية بتقليل أعداد اللاجئين -بموازاة مشروعات متعددة لاندماج القادمين الجدد- أسهم بتواري الصورة السلبية المقدمة لميركل من التيارات المحافظة والشعبوية المتطرفة، وبروز صورة إيجابيبة لها كرئيسة حكومة قادرة على قيادة بلادها بسلام وسط أزمات عاصفة بأوروبا.

دانيال باكس: صورة ميركل مرتبطة بسعيها لحل أزمة اللاجئين وعدم إقامتها الأسوار
دانيال باكس: صورة ميركل مرتبطة بسعيها لحل أزمة اللاجئين وعدم إقامتها الأسوار

وفي نفس السياق، نفى دانيال باكس كبير محللي صحيفة دير تاجسشبيغل (تاتس) حدوث تراجع تدريجي بسياسة ميركل للجوء، معتبرا أن هذه السياسة صارت أكثر تشددا مع احتفاظها بجوهرها.

وقال باكس للجزيرة نت- إن المستشارة لم تقم الأسوار والأسلاك الشائكة مثلما فعل رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان وقادة آخرون بأوروبا، وسعت بفعالية للبحث عن حل لمشكلة اللجوء بمساعدة اللاجئين بتركيا، وتخفيف الأعباء عن اليونان وإيطاليا، وإنجاز الاتفاقية الأوروبية التركية لاستعادة اللاجئين، والتفاوض على اتفاقيات لمساعدة دول شمال أفريقي .

ورأى الصحفي الألماني أن حصول ميركل على لقب مستشارة اللاجئين والتقدير الدولي لإسهاماتها بأزمة اللجوء لدرجة ترشيحها لجائزة نوبل للسلام، قابله صورة عدائية لها داخل بلادها وبأوساط حزبها وتراجع شعبيتها كمستشارة بسبب مواقفها تجاه اللاجئين.

تزايد الشعبية
واعتبر باكس أن شعبية ميركل عادت للتزايد في الأسابيع الأخيرة مستفيدة من التناقص الحاد بأعداد اللاجئين وتراجع موضوع اللجوء خلف قضايا أخرى تصدرت المشهد الألماني، وعدم وجود منافس قوي لها من داخل حزبها المسيحي أو منافسه الحزب الاشتراكي.

ورأى في تأييد نحو 55% من الألمان لترشح ميركل لفترة جديدة لمنصب المستشارة نجاحا كبيرا، لأنه يأتي بعد عشر سنوات لها برئاسة الحكومة في بلد يتغير فيه المزاج العام تجاه السياسيين، وخلص إلى أن موضوع اللاجئين أسهم بتكريس صورة إيجابية للمستشارة بين ناخبيها.

المصدر : الجزيرة