بعضهم يعمل في صيد الأسماك.. نصف العاطلين عن العمل بغزة من حملة الشهادات

الخريج الجامعي محمد أُعرُم خلال عمله كصياد للأسماك6
الخريج الجامعي محمد أُعرُم أثناء عمله في صيد الأسماك ببحر غزة (الجزيرة)

غزة- دخَل الفلسطيني محمد أُعرُم الجامعة على أمل أن تساعده في مغادرة حقل "صيادي الأسماك" البائس في قطاع غزة؛ فحياة "المساكين الذين يعملون في البحر" -كما يقول- لا تتضمن مغرياتٍ تُذكر؛ فلا ربح ماليا جيدا، ولا يوجد استقرار، وتمتلئ بأخطار لا حصر لها.

لكنه سرعان ما اكتشف أن صيد الأسماك أسهل بكثير من اصطياد وظيفة؛ فحصول الخريج الجامعي على فرصة عمل في قطاع غزة ليس أمرا سهلا في ظل حصار إسرائيلي مستمر وفقر يتسع. وواقع البطالة يستقبل كل عام عشرات الآلاف من طالبي العمل.

ومنذ حصول أعرم (24 عاما) على شهادة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية عام 2020 من الجامعة الإسلامية بغزة، بحث كثيرا عن فرصة عمل في مجال تخصصه من دون جدوى. وفي النهاية، اضطر الشاب إلى العودة مجددا لركوب البحر ومطاردة الأسماك.

الخريج الجامعي محمد أُعرُم خلال عمله كصياد للأسماك 3
لجأ محمد أعرم إلى مهنة عائلته في صيد الأسماك رغم قسوتها واضراره للغياب أياما متواصلة عن بيته (الجزيرة)

مهنة قاسية وغير مجدية

وُلد محمد أُعرم لأسرة فلسطينية تمتهن الصيد، لكن ضيق الحال دفع والده إلى تشجيعه على الدراسة في الجامعة على أمل اقتناص عمل يخرجه من دائرة الفقر.

وحينما كان يدرس في الجامعة، حلم أعرم كثيرا بالحصول على عمل يمنحه راتبا ماليا ثابتا يكفيه ويفرض عليه دواما لساعات محددة بخلاف مهنة الصيد التي لا تعترف بالوقت، ولا تميّز بين الليل والنهار، وتضنّ على العاملين فيها بربح يكافئ الجهد الذي تطلبه منهم.

كما أنه تمنى أن يكون عمله القادم مريحا على عكس صيد الأسماك الذي يعد من أقسى المهن وأكثرها شقاءً وخطرا.

بدا الشاب الفلسطيني متحفظا في حديثه، يُجيب بردود مقتضبة للغاية؛ فالحديث من وجهة نظره "بلا فائدة". وقال للجزيرة نت "بحثتُ كثيرا عن فرصة عمل ولم أجد، وكذلك زملاء دُفعتي بعضهم الآن يعملون في البناء، أو عُمّالا، والبعض تطوّعوا مجانا في بعض المؤسسات، وهناك آخرون جالسون في البيت".

ويضيف -وهو يخيط شباك الصيد المتقطعة- "لجأتُ لمهنة أهلي.. أفضل من عدم العمل".

ويأخذ أُعرم على حرفته قسوتها الشديدة، فهي "متعبة جدا، لا وقت لها، قد تعمل في أي وقت ليلا ونهارا، ومن الممكن أن تضطر للعمل يومين أو 3 بشكل متواصل من دون أن تعود للبيت".

وتزداد الأمور سوءا خلال فصل الشتاء بسبب البرد الشديد ومخاطر الغرق جراء الأمواج العالية وإمكانية ضياع الشباك إذا سحبها التيار.

ويعاني الصيادون من أمراض خاصة، مثل "قرصة" البرد وحساسية الصدر وغضروف الظهر والرقبة، حسب قوله. كما يضطرون إلى قضاء الليل كاملا على متن قواربهم، منتظرين طلوع الصباح لسحب الشباك، وجمع الأسماك. وفي أوقات الفراغ يجمعون شباكهم الممزقة ويقضون ساعات طويلة في صيانتها.

وهذا التعب والشقاء الكبيران من دون جدوى اقتصادية تعادله، بل قد يخسر الصياد إذا لم تكن كمية الأسماك المُصطادة تعادل قيمة الوقود المستخدم لتشغيل القارب.

وحتى الآن، لم ييأس أُعرُم من البحث عن وظيفة، حيث يقضي بعض الوقت يوميا في متابعة الإعلانات الخاصة بالوظائف الشاغرة ويتقدم للعديد منها.

عمل موسمي

ويلتقط والد محمد -الذي كان جالسا على رمال الشاطئ يخيط الشباك الممزقة- طرف الحديث من ابنه قائلا "علّمنا أولادنا في الجامعات على أمل أن يرتاحوا من خطر البحر وبرده وتعبه وقلة المربح، ولكن الحمد لله على كل حال".

ورفض الأب إعطاء إجابة واضحة على سؤال عن قيمة ما يربحه من عمله في البحر، حيث يشير إلى صعوبة ذلك نظرا لقلة كمية الأسماك التي يتم صيدها وارتفاع سعر الوقود المستخدم لتشغيل القوارب.

ويكمل "عملُنا موسمي، يوم يُطعمك و10 يا عالِم! (في علم الغيب) أحيانا كثيرة نخسر، وأحيانا نربح إذا كانت هناك أسماك".

الخريج الجامعي محمد أُعرُم خلال عمله كصياد للأسماك
يضطر آلاف الجامعيين للعمل في مهن صعبة بسبب ضيق فرص الحصول على وظائف في تخصصاتهم (الجزيرة)

نسبة العاطلين

يقول رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبدو إن الإجراءات الإسرائيلية بحق قطاع غزة -بدءا من الحصار والحروب المتتالية- أدّت إلى تعطيل شبه كامل للقدرات الاقتصادية والإنتاجية؛ وهو ما تسبب في زيادة نسب البطالة.

ويضيف عبدو للجزيرة نت "وصلت نسبة البطالة في غزة -نهاية عام 2022- إلى 47%، وهي من بين أعلى النسب في العالم، بعد أن كانت في 2005 نحو 23.6%".

وذكر أن معدلات الفقر ترتفع بشكل حاد، حيث وصلت عام 2022 إلى 61.6% بعد أن كانت 40% عام 2005. وأن نحو 53% من السكان -البالغ عددهم نحو مليوني نسمة- يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

نصف العاطلين جامعيون

ويكشف مدير "دائرة التشغيل المحلي والوافد وفي الخارج بوزارة العمل في غزة صالح صهيون عن أن عدد العاطلين عن العمل حاليا يبلغ نحو 230 ألف شخص، 50% منهم حاصلون على شهادات جامعية والباقي عمال ومهنيون.

وأشار صهيون في حديث للجزيرة نت إلى أن نسبة العاطلين من الخريجين الجامعيين تزداد بشكل متسارع؛ إذ تضخ الجامعات في غزة من 18 إلى 20 ألف خريج سنويا، ينضم معظمهم لصفوف البطالة.

ويحتل خريجو تخصصات التربية والتعليم نحو 40% من إجمالي العاطلين الخريجين، يليهم خريجو التخصصات الإدارية والتجارية بنسبة 22%، ثم المهن الطبية بنسبة 10%.

ويتوزع باقي العاطلين على تخصصات العلوم الاجتماعية والسلوكية (8%)، والمهن الهندسية (5.5%)، والحاسوب والتكنولوجيا (5%)، والصحافة (4%)، والقانون (3.5%)، والمهن الفنية والتقنية (0.5%).

فجوة واستغلال

وحول جهود وزارة العمل بغزة من أجل مكافحة البطالة، خاصة في صفوف الجامعيين؛ أوضح صهيون أن الوزارة تُشرف على برامج للتشغيل المؤقت تسعى إلى "تمكينهم وتوجيههم نحو فرص العمل المستدام عبر المشاريع الصغيرة، ومشاريع العمل عن بُعد".

كما أوضح المسؤول أن الوزارة تعمل على توجيه الشباب وتأهيلهم وظيفيا للانخراط في سوق العمل وتُسهّل اندماجهم في المؤسسات، نظرا لوجود فجوة بين متطلبات العمل ومخرَجات مؤسسات التربية والتعليم".

ولا تقتصر معاناة الخريجين على قلة فرص العمل، بل تتعداها إلى استغلال أرباب العمل حاجتهم وإجبارهم على العمل برواتب متدنية.

وتتابع وزارة العمل شكاوى العمال والخريجين بهذا الشأن، لكنها تجد نفسها عاجزة عن تطبيق نظام الحد الأدنى للأجور؛ فقانون "العرض والطلب" -الذي يحكم السوق- أقوى من كل التدخلات الحكومية.

المصدر : الجزيرة