فلسطينيون يعتقلون لسنوات والتهمة "ملف سري".. لهذه الأسباب قرر 30 أسيرا إداريا الإضراب في سجون الاحتلال
تجاوز عدد المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال 780 معتقلاً بينهم 6 قاصرين وأسيرتان. ويقبع أكبر عدد منهم في سجني النقب وعوفر الإسرائيلييْن، وهذه العدد هو الأعلى للمعتقلين إداريا منذ الهبة الشعبية عام 2015.

رام الله- في العام 2018 تزوجت الفلسطينية أنوار حسن من إيهاب مسعود، وبدأ الزوجان تأسيس عائلتهما بعد أعوام طويلة قضاها إيهاب في سجون الاحتلال. ولكن إعادة أسره وتحويله للاعتقال الإداري، حطم أولى سنواتهما معا.
لم يكن قد مر على زواجهما سوى أقل من عام، ولم تستطع أنوار، التي كانت حاملا بتوأم في شهرها السابع، تحمّل توتر وضغط انتظار الإفراج عن زوجها أو تمديد اعتقاله (وفق الاعتقال الإداري)، وهو ما تسبب بدخولها في ولادة مبكرة فقدت خلالها طفلتها "حلا"، في حين صمدت توأمها "سما" لأشهر قبل أن تفارق الحياة أيضا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبعد فرضه على 400 أسير فلسطيني.. أسير محرر يروي للجزيرة نت مآسي العزل الانفرادي وأنواعه
كيف أعاد الاحتلال إنتاج أدواته للتنكيل بالأسرى الفلسطينيين؟
في يوم الأسير.. الاعتقال الإداري جرح يستنزف أعمار الفلسطينيين
وعاشت الزوجة ظروف ولادة ووفاة طفلتيها وحيدة، بينما حُرم إيهاب من رؤيتهما لأول ولآخر مرة بسبب الاعتقال الإداري المتجدد لعامين كاملين، قبل أن يخرج ويحاول البدء بتأسيس عائلته من جديد. لكن الأمر لم يدم كثيرا أيضا، فقد خطفة الاعتقال الإداري من جديد بعد 4 أشهر من الإفراج عنه فقط.
وفي حينها، كانت أنوار حاملا للمرة الثانية، وبعد إصدار حكمه الإداري 4 أشهر، تأمّلت بالإفراج عن زوجها قبل موعد ولادتها، ولكن تجديد اعتقاله قبل يوم واحد من موعد الإفراج المتوقع داس هذا الأمل. وهذه المرة أيضا، استقبلت طفلتهما ميرا وحيدة، وفي التجديد الثالث للأب كانت ميرا قد كبرت 4 أشهر.
تقول أنوار للجزيرة نت، وهي تشارك بوقفة أمام سجن عوفر الإسرائيلي غربي رام الله تزامنا مع بدء إضراب الأسرى، إن "الاعتقال الإداري استنزاف لعمر الأسير وعائلته في انتظار إفراج غير معروف أوانه".

منذ عهد الانتداب البريطاني
ورفضا لهذا الاعتقال الذي حرمه مرافقة عائلته في أهم الأوقات، وليتمكن من احتضان طفلته، انضم إيهاب مسعود لإضراب جماعي ومفتوح عن الطعام أعلنه 30 أسيرا فلسطينيا في سجون الاحتلال، ابتداءً من الأحد، مطالبين بوقف اعتقالهم الإداري المتجدد دون تهمة.
والاعتقال الإداري وفق تعريف مؤسسة الضمير لرعاية الأسرى هو "اعتقال دون تهمة أو محاكمة، يعتمد على "ملف سري" يُمنع المعتقل أو محاميه من الاطلاع عليه، ويمكن حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، ولفترة أقصاها 6 أشهر قابلة للتجديد عدة مرات".
وترجع القوانين العسكرية الإسرائيلية المتعلقة بأوامر الاعتقال الإداري إلى قانون الطوارئ في عهد الانتداب البريطاني والذي سُنّ عام 1945.
يضربون باسم 780 أسيرا
والإضراب الذي من المتوقع أن يتوسع ويشمل أسرى آخرين، هو صرخة منهم ضد اعتقال غير قانوني دون تهمة أو سبب معروف، كما جاء في البيان الذي أصدره الأسرى قبل خوض الإضراب الذي بدأ الأحد 25 أيلول/سبتمبر 2022.
ويأتي الإضراب وفق بيان الأسرى طلبا لـ"حياة عادية مع عائلاتهم وأبنائهم". وقالوا "مطلبنا، هواء نقي، وسماء بلا قضبان، ومساحة حرية، ولقاء عائليّ على مائدة الطعام، بينما مطلب الاحتلال سلخنا عن واقعنا الاجتماعي ودورنا الوطني والإنساني، وتحويله لركام..".

إداري بعد 18 عاما من الاعتقال المتواصل
أحد الأسرى المضربين هو عاصم الكعبي (44 عاما) من مخيم بلاطة شرقي مدينة نابلس، وهو الذي لاحقه الاحتلال بالاعتقال الإداري لمحاولته إعادة بناء حياته العائلية والاجتماعية بعد 18 عاما متواصلة في سجون الاحتلال.
فبعد عام و4 أشهر من اعتقاله الطويل أعاد الاحتلال أسره من جديد بلا أية تهمة، وقرر تحويله للاعتقال الإداري لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد.
تقول زوجته صمود "كان التحويل للإداري جاهزا قبل اعتقاله". وأضافت "الاحتلال يسعى لحرمان الأسرى من حياتهم الطبيعية مع عائلاتهم بما فيها من لحظات فرح وحزن".
وبحسب صمود، فإن رسالة زوجها والأسرى جميعا من هذا الإضراب هي إيصال صوتهم لكل العالم، وفضح الاعتقال التعسفي. وطالبت بإسناد شعبي ودولي لتقصير عمر الإضراب وتحقيق مطالب الأسرى سريعا.
وأضافت صمود للجزيرة نت أن "30 أسيرا يخوضون هذا الإضراب نيابة عن كل الأسرى الإداريين".
وتنتظر صمود وزوجها عاصم مولودهما الأول "نادر" بعد 3 أشهر. وجاء اعتقال الأب ليحرمه هذه اللحظة مع زوجته التي ارتبطت به خلال اعتقاله قبل عدة سنوات، وأكملا زواجهما بعد الإفراج عنه عام 2020.
في ظل استمرار الاحتلال في تصعيده من عمليات الاعتقال الإداريّ، واتساع دائرة الاستهداف، 30 أسيرًا يخوضون بإضراب مفتوح عن الطعام في سجون الاحتلال رفضاً لإعتقالهم الإداري .#الاسير_مش_رقم pic.twitter.com/Sz3FBAtZJw
— الأسير مش رقم (@Freethemall6) September 25, 2022
الأعلى منذ 2015
وبحسب مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، فقد تجاوز عدد المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال 780 معتقلا، بينهم 6 قاصرين وأسيرتان. ويقبع أكبر عدد منهم في سجني النقب وعوفر الإسرائيلييْن، وهذه العدد هو الأعلى للمعتقلين إداريا منذ الهبة الشعبية عام 2015.
ومنذ بداية العام الجاري 2022 أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي 1365 أمر اعتقال إداريّ، وبلغ أعلى عدد لأوامر الإداري خلال شهر أغسطس/آب الماضي بنحو 272 أمرا.
ولم يسجل هذا الارتفاع في أعداد الأسرى الإداريين إلا في الأعوام التي شهدت تصاعدا في المواجهة أو الهبات الشعبية مثل الانتفاضة الثانية والهبة الشعبية في العام 2015.
اعتقال للانتقام
ويأتي هذا الاحتجاج كأول إضراب جماعي منذ العام 2014؛ حيث خاض الأسرى الإداريون في حينه إضرابا استمر 62 يوما، بينما خاض أكثر من 400 أسير إضرابات فردية عن الطعام منذ عام 2011 رفضا للاعتقال الإداري.
وبحسب الناطقة باسم نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة، فإن أوامر الاعتقال الإداري هذا العام زادت بنسبة 50%، حيث كانت الأعداد طيلة 2021 لا تتعدى 500 حالة اعتقال إداري.
وتابعت سراحنة للجزيرة نت "هذه واحدة من أساليب الانتقام من الأسرى بالاعتقال الإداري، فالأشخاص المستهدفون معظمهم من الأسرى السابقين الذين قضوا سنوات طويلة في السجون الإسرائيلية، وجزء منهم قضى سنوات في الاعتقال الإداري أيضا".
إلى جانب ذلك، تقول سراحنة إن إسرائيل من خلال هذه الاعتقالات تستهدف كبار السن والمرضى والنساء والأطفال، وهو ما يدل على أنه نوع من الانتقام ليس إلا.
وترى أن أحد أسباب قرار الأسرى بالإضراب الجماعي بعد سنوات من الإضرابات الفردية، هو عدم وجود رادع للاحتلال لوقف هذا النوع من الاعتقالات غير القانونية، وبات الإضراب عن الطعام هو الوسيلة المتبقية لمواجهته واسترداد حقهم في حياة مستقرة بلا اعتقالات تعسفية.