المنع من السفر… أداة إسرائيل لعقاب الصحفيين الفلسطينيين وابتزازهم

مجدولين حسونة خلال احدى مرات استدعائها للتحقيق في معسكر حوارة جنوب نابلس- الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت3
مجدولين حسونة في طريقها للاستجواب من قبل محققين إسرائيليين بمعسكر حوارة في وقت سابق (الجزيرة)

رام الله – في 26 يوليو/تموز 2022 توجه الصحفي مجاهد السعدي برفقة زملائه من مدينة جنين شمال الضفة الغربية إلى أريحا للسفر إلى الأردن عبر معبر الكرامة. السعدي وزملاؤه كانوا ضمن مجموعة من شهود العيان على حادثة اغتيال الصحفية "شيرين أبو عاقلة" في مايو/أيار الفائت، وكان من المفترض أن يدلي بشهادته حول ظروف الاغتيال أمام مجموعة من المحامين في العاصمة الأردنية عمان، لكونه أحد الشهود الرئيسيين، فهو صاحب النداء "شيرين شيرين" في الفيديو الذي انتشر لحظة اغتيالها.

وفي أريحا أتم إجراءات السفر في الجانب الفلسطيني من المعبر، وتوجه إلى الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل، ومثل زملائه سلم جوازه للفحص. وما إن وضع الموظف رقم جوازه على الحاسوب حتى طلب منه الجلوس على الكرسي.

و"الجلوس على الكراسي" كما يعرف جميع الفلسطينيين، يعني أن جواز السفر تحول للفحص الأمني من قبل مخابرات الاحتلال. ساعة وأخرى، قبل أن يخرج ضابط المخابرات مناديا على "مجاهد" بلغة عربية مكسرة، ثم اصطحبه إلى غرفة المخابرات للتحقيق.

وقد استمر التحقيق مع مجاهد أكثر من نصف ساعة، حول عمله الصحفي، وحياته الشخصية، وعلاقاته في جنين ومخيمها، وبعدها طلب منه الانتظار مرة أخرى.

وهذه المرة كان الانتظار أطول، حيث تجاوز الساعتين قبل أن يخرج نفس الضابط ويقول له إنه ممنوع من السفر بقرار من الشاباك (جهاز المخابرات الإسرائيلي) لوجود ملف أمني سري ضده.

يقول السعدي للجزيرة نت، إنه لم يتفاجأ وهو الذي منع من السفر في العام 2019 خلال سفره إلى السعودية لأداء فريضة الحج.

وتابع "هدفي من السفر مهني، يتعلق بعملي الصحفي وتطويره من خلال الالتحاق بدورات (صحفية) والدراسة"، مشيرا إلى أنه حاول الالتحاق بدورات يقدمها معهد الجزيرة للتدريب ومعهد متخصص في بيروت ولكن منعه من السفر حال دون ذلك.

ولا يجزم السعدي بأن قرار منعه من السفر هذه المرة مرتبط بكونه شاهدا على جريمة اغتيال الزميلة أبو عاقلة، ولكنه لم يستبعد ذلك في ظل كل محاولات الاحتلال تضليل الحقائق، وتابع "منعي من السفر لإدلاء شهادتي بمقتل زميلتي شيرين لن يمنعني من قول الحقيقة".

فلسطين-جنين-عزيزة نوفل--الصحافي مجاهد السعدي منع من السفر إلى الأردن الجزيرة نت
الصحفي مجاهد السعدي منع من السفر إلى الأردن بينما كان ينوي الإدلاء بشهادته في مقتل شيرين أبو عاقلة (الجزيرة)

ممنوعة من العودة لعملها

ليس فقط السعدي، فخلال الأيام الأخيرة منعت إسرائيل الصحفية مجدولين حسونة من السفر للالتحاق بعملها في قناة "تي آر تي" (TRT) بعد 3 سنوات من المنع من السفر.

وحسونة -وهي من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية- كانت في زيارة لعائلتها لإتمام خِطبتها في إجازة قصيرة قبل 3 سنوات، وعندما توجهت للسفر للعودة إلى عملها منعت من السفر. وحاولت حسونة من خلال متابعة قانونية الاعتراض على القرار، ولكن من دون جدوى، وهو ما جعلها تتم زفافها في نابلس وتعمل مع وكالتها عن بعد. وبعد 3 سنوات تلقت تأكيدا من مركز مدى "المركز الفلسطيني للتنمية الإعلامية" نقلا عن الارتباط الفلسطيني مع إسرائيل أن منع السفر أُزيل عن اسمها وبإمكانها السفر.

وبناء على هذه المعلومة، رتبت حسونة أوضاع حياتها لتعود إلى مقر عملها في تركيا وتجتمع بزوجها الصحفي الذي يعمل بذات الوكالة في تركيا، لكنها واجهت نفس مصير السعدي. وحين أصرت لمعرفة سبب المنع طلب منها ضابط الأمن مراجعة مقر المخابرات الإسرائيلي في منطقتها، كما قالت للجزيرة نت.

وكانت حسونة قد فازت في العام 2021 بجائزة الصحفي الحر التي تمنحها منظمة مراسلون بلا حدود، ولكنها حرمت من السفر لتسلمها.

ووفق نقابة الصحفيين فإن 19 صحفيا ممنوعون من السفر في الضفة الغربية، ولكن القضية الأبرز -كما قال عضو الأمانة العامة للنقابة عمر نزال للجزيرة نت- هي منع الصحفي السعدي من السفر للإدلاء بشهادته، والذي يأتي في إطار تضليل الحقائق وعرقلة محاكمة قتلة الزميلة أبو عاقلة.

فلسطين-عزيزة نوفل- رام الله- عضو الأمانة العامة لنقابة الصحافيين الفلسطينيين عمر نزال- مواقع التواصل
عمر نزال: منع سفر الصحفيين مرتبط بعملهم الصحفي والإنساني (مواقع التواصل الاجتماعي)

ووفق نزال فإن منع سفر الصحفيين مرتبط بعملهم الصحفي، حيث تستخدم إسرائيل هذا المنع لعقابهم ومنعهم من فضح جرائمها دوليا، وفعلها هذا انتهاك إضافي لحرية الرأي والتعبير.

ونزال أيضا ممنوع من السفر منذ 8 سنوات، وقبل 3 سنوات توجه إلى القضاء من خلال رفع قضية وصلت لمحكمة العدل الإسرائيلي (أعلى مستوى قضائي في إسرائيل)، ولكن من دون جدوى، وهو ما كان مصير عديد من الصحفيين الذين اختاروا المسار القضائي لإزالة القرارات الإسرائيلية بمنعهم من السفر.

وليس فقط المسار القضائي، ولكن رافق ذلك أيضا تدخلات من قبل جهات دولية حقوقية وإعلامية مثل المركز الدولي للصحفيين، ومنظمة مراسلون بلا حدود، ولكن من دون جدوى.

مساومة على حقهم بالسفر

منظمة مراسلون بلا حدود، ومن خلال توثيقها الخاص، وثقت 28 حالة منع من السفر للصحفيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحالة الصحفي ثائر الفاخوري إحداها.

الفاخوري (33 عاما) -وهو من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية- ممنوع من السفر منذ 2005. وقد تعرض لاستدعاءات متتالية من قبل المخابرات الإسرائيلية والتحقيق معه على خلفية عمله الصحفي، وفي كل مرة يتم إبلاغه أنه ممنوع من السفر، وكان آخرها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحجة أنه يشكل خطرا على الأمن الإقليمي للمنطقة.

ويعمل الفاخوري في العلاقات العامة إلى جانب امتلاكه شركة إنتاج إعلامي تقدم خدمات إعلامية لعدد من الفضائيات العربية، وخدمة البث المباشر للجزيرة مباشر. ويقول للجزيرة نت إنه خسر فرصا عديدة بسبب منعه من السفر.

وقد توجه الفاخوري للقضاء أيضا من خلال مؤسسة حقوقية إسرائيلية، وفي العام 2019 تم استدعاؤه لنقاش هذه القضية ومساومته من قبل ضابط المخابرات الإسرائيلي للسماح له بالسفر مقابل تعاونه الأمني وتقديم معلومات أمنية.

 

المصدر : الجزيرة