أيقونات دم.. إسرائيل تبيد ألف طفل فلسطيني في خمس حروب

حسب البيانات الرسمية، قتلت إسرائيل نحو ألف طفل فلسطيني في قطاع غزة خلال عدوانها العسكري المتكرر منذ عام 2008 حتى الآن، فضلا عن مئات الأطفال الذين فقدوا حياتهم بسبب المرض وسوء الأوضاع تحت الحصار.

SENSITIVE MATERIAL. THIS IMAGE MAY OFFEND OR DISTURB The grandfather of Palestinian girl Alaa Qadoum carries her body in Gaza City August 5, 2022. REUTERS/Ashraf Amra NO RESALES. NO ARCHIVES TPX IMAGES OF THE DAY
جد الطفلة آلاء قدوم يحمل جثمانها خلال تشييعها، بعد أن طالتها القذائف الإسرائيلية وهي تلعب أمام منزلها في غزة يوم الجمعة الماضي (رويترز)

غزة- منذ مشهد قتل محمد الدرة مطلع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحتى استشهاد آلاء قدوم بداية العدوان الإسرائيلي الحالي، تحوّلت صور الأطفال الشهداء إلى "أيقونات من دم"، بعد أن طالتهم نيران آلة القتل الإسرائيلية.

وبين استشهاد الدرة وآلاء قدوم عقدان من الزمن قضى خلالهما مئات الأطفال الفلسطينيين، وتركوا وراءهم في كل تصعيد أقرانا لهم قد يكون أي منهم "الضحية المقبلة" لغارة إسرائيلية تهتز معها جدران بيوتهم المتواضعة في مخيمات وأحياء قطاع غزة.

وحسب بيانات رسمية فلسطينية، فإن حصيلة الشهداء من الأطفال منذ استشهاد الطفل الدرة مطلع انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية) عام 2000، بلغت 2230 شهيدا، جُلهم استشهدوا في الحروب الأربع السابقة على غزة.

 

 

رموز تخلد المأساة

في كل حرب وعملية تصعيد عسكري إسرائيلي على غزة في العقدين الأخيرين، يتحول الأطفال الضحايا إلى "رموز" تخلد المأساة التي يحياها أطفال غزة، وما يتعرضون له قتلا وجرحا وحصارا.

مع مطلع انتفاضة الأقصى سبتمبر/أيلول 2000، خلد التاريخ الطفل محمد الدرة (12 عاما) بصورته التي جابت أرجاء المعمورة، وهو يحتمي بظهر والده من الرصاص الإسرائيلي المنهمر عليهما في "مفترق نتساريم"، الذي لا يزال يحمل اسم المستوطنة الإسرائيلية التي كانت متاخمة لها غرب غزة، وجرى تفكيكها مع الانسحاب الإسرائيلي عام 2005.

ومنذ ذلك الحين، لم تنقطع سلسلة طويلة من الأطفال الضحايا، أبرزهم إيمان حجو، وهدى غالية، وجميلة الهباش، وآخرون مسحتهم إسرائيل وأسرهم بالكامل من السجل المدني الفلسطيني، ودفنوا تحت ركام منازلهم خلال الحروب الأربع الماضية على غزة.

في آخر تلك الحروب، التي اندلعت مايو/أيار 2021، برز اسم الطفل الشهيد حمزة نصار (12 عاما) الذي كان صائما وخرج من منزله بحي الشجاعية شرقي غزة، قبل ساعات من موعد الإفطار لشراء بعض الخضار لأسرته من سوق الحي الذي يبعد نحو كيلومتر واحد عن المنزل، لكنه لم يعد، بفعل غارة جوية إسرائيلية نالت من جسده الصغير وألقت به على بعد أمتار. وآنذاك، انتشرت صورة حمزة وهو مسجى في كفنه الصغير وتعلو وجهه ابتسامة بريئة.

ومع اللحظات الأولى للتصعيد الإسرائيلي الحالي على غزة، ارتقت آلاء قدوم (5 سنوات) جراء شظية صاروخ إسرائيلي اخترقت رأسها، بينما كانت تلهو أمام منزلها في حي الشجاعية ذاته.

وعن آلاء، يقول الكاتب والروائي الفلسطيني يسري الغول -للجزيرة نت- "ماتت آلاء ومات معها حلم الوصول إلى المدرسة وأن تصبح معلمة عظيمة. إن دولة الاحتلال تقتل أحلام الأطفال دوما".

وقصص آلاء وأمثالها من ضحايا الحروب الإسرائيلية على غزة يراها الغول "مادة إنسانية يجب التركيز عليها، ونشرها بكل لغات العالم، لكشف بشاعة الاحتلال وجرائمه التي لا تفرق بين فلسطيني وآخر، فالكل مستهدف وبلا مبرر سواء كان رجلا أو امرأة، شابا أو طفلا".

ليسوا أرقاما

يبغض الغول التعامل مع الضحايا وخاصة الأطفال على أنهم أرقام في سجلات الموتى، ويقول "إنهم المستقبل؛ كان سيصبح منهم الطبيب والمهندس وحتى الطيار؛ هم ليسوا أرقاما ويجب التركيز على تفاصيل حياتهم وأحلامهم"، بينما يتحول كل طفل في القطاع المحاصر والواقع تحت القصف الآن إلى "ضحية محتملة" حتى داخل منزله.

وللغول حكايات يومية مع أطفاله خلال الحروب، فهو يقطن في منطقة قريبة من البحر في مدينة غزة تعرضت مرارا للاستهداف الإسرائيلي، وقال "أطفالنا يموتون قتلا وجرحا وخوفا".

ويحرص الغول -بكل وسيلة ممكنة- على "عزل" أطفاله عما يدور في الميدان، وتجنيبهم مشاهد القتل والدمار في الشوارع، رغم إدراكه صعوبة ذلك في بيوت غزة الصغيرة والمتواضعة، التي تفتقر للملاجئ، وتعاني انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وقال: "في أحيان كثيرة، أشعر بأني تائه حتى داخل بيتي، ولا أعرف أين أختبئ بأسرتي وأطفالي".

Israeli airstrikes on Gaza
طفلة فلسطينية مصابة جراء قصف إسرائيلي لمدينة رفح جنوبي قطاع غزة (الأناضول)

ألف طفل قُتلوا

وحسب بيانات رسمية فلسطينية، فإن حصيلة الشهداء من الأطفال منذ اندلاع انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية) عام 2000 حتى العام الحالي، بلغت 2230 شهيدا، ألف منهم في 5 حروب:

  • منهم 315 طفلا قُتلوا خلال الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة أواخر عام 2008 ومطلع 2009.
  • في العدوان الذي بدأته إسرائيل باغتيال أحمد الجعبري -القائد الثاني في كتائب القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- عام 2012، قتلت ضرباتها العسكرية 43 طفلا و15 امرأة، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية.
  • وفي أطول حروبها على القطاع عام 2014 التي استمرت لأكثر من 50 يوما، قتلت إسرائيل 546 طفلا.
  • واستشهد 72 طفلا في العدوان الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة مايو/أيار 2021، واستمر 11 يوما.
  • وحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن الضربات العسكرية التي توجهها إسرائيل إلى القطاع منذ عصر يوم الجمعة الماضي، أدت إلى استشهاد نحو 30 فلسطينيا بينهم 6 أطفال، حتى صباح اليوم الأحد.

استهدافهم تكتيك إسرائيلي

وقال مدير "برنامج المساءلة بالحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين" عايد أبو قطيش -للجزيرة نت- إن "التكتيكات العسكرية لجيش الاحتلال تجعل من الأطفال الفلسطينيين دوما ضحايا، عبر استهداف مناطق مأهولة بالسكان".

وترتكب إسرائيل جرائمها بحق الأطفال الفلسطينيين من دون أي اعتبار للطفولة أو القوانين الدولية، التي تؤكد حماية الأطفال وعدم تعريضهم للمخاطر. ووفقا للناشط أبو قطيش، فإن العكس هو ما يحدث بالنسبة لجيش الاحتلال الذي يتمتع جنوده وقادته بحماية إسرائيلية مطلقة، تحول دون عقابهم على جرائمهم ضد المدنيين، خاصة الأطفال.

وهذه الحماية -برأي أبو قطيش- ساعدت قادة جيش الاحتلال على انتهاج ما تسمى "عقيدة الضاحية"، وترتكز على تكثيف القصف واستهداف مناطق مدنية مأهولة بالسكان، من دون اعتبار لسقوط ضحايا بينهم أطفال، وذلك بهدف الضغط على السكان لممارسة ضغوط من جانبهم على المقاومة الفلسطينية.

ويقول أبو قطيش إن أطفال غزة لا يواجهون الموت وحده، وإنما يعيشون خطرا دائما منذ سنوات طويلة جراء الحصار الإسرائيلي الخانق، الذي يحرمهم من حقوق كثيرة منصوص عليها في "اتفاقية حقوق الطفل"، وأثرت على نحو ملموس وخطير على صحتهم النفسية.

المصدر : الجزيرة